في كتابه "فن الخط العربي.. المدرسة العثمانية"، يعرض المؤلف د. وليد سيد حسنين محمد ما يعتبره بالدور العثماني في الرقي بالخط العربي .. ويعتبر المؤلف أن فن الخط العربي هو أحد ميادين الفنون الإسلامية التي ارتقى بها الأتراك العثمانيون منذ القرن الخامس عشر الميلادي وحتى أوئل القرن العشرين. ويشير إلى أنه بالرغم من الدور الذي لعبه الأتراك في ترقية الخط العربي، إلا أن المكتبة العربية تشهد ندرة في الدراسات والكتب حول هذا الدور، كما أن هناك ندرة أيضا فيما يتعلق بأنواع الخطوط العربية التي ابتكرها العثمانيون وخصائصها وروادها من أعلام الخطاطين الترك. ويشير المؤلف في نفس الوقت إلى أنه حتى بالنسبة للدراسات القليلة التي تناولت دور الخطاطين الأتراك في ترقية الخط العربي، فإن هذه الدراسات افتقرت لجوانب مهمة كان ينبغي التوسع فيها، خاصة ما يتعلق بنشأة الخطوط التركية وسماتها الفنية، وأرجع المؤلف ذلك النقص إلى ما اعتبره الحاجز اللغوي وعدم إجادة كثيرين من الباحثين الذين بحثوا في هذا المجال للغة التركية، وعدم مقدرتهم على نقل المصطلحات التركية إلى اللغة العربية. واعتبر المؤلف أن هدف الدراسة التي تتضمنها كتابه في هذا الشأن، هو إلقاء الضوء على مكانة فن تجويد الخط الإسلامي، وبيان عناصر ومقومات وجماليات الخط العربي، ودراسة نشأة مدرسة الخط العربي وروادها، وأنواع الخطوط العربية وأثرها في نشأة مدرسة الخط العثمانية، بالإضافة إلى الوقوف على مراحل تطور المدارس العثمانية في فن الخط، والتعريف بروادها من كبار الخطاطين الترك، ودراسة أنواع الخطوط التي ابتكرها، ومعرفة خصائصها الفنية في الفترة التي بدأت بفتح القسطنطينية، وحتى ما وصفه المؤلف ب(الانقلاب اللغوي)، في إشارة إلى ما اتخذته القيادة التركية التي انقلبت على الخلافة العثمانية بتغيير الحروف التي تستخدمها اللغة التركية من الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية. كما اعتبر المؤلف أيضا أن الهدف من كتابه هو بحث أنواع الفنون المتصلة بفن الخط العربي عند الترك كالتصوير بالكلمات ومجالات استخدامها، مع حرص المؤلف على تقديم دراسة عن شجرة الخطاطين العثمانيين في مدرسة الخط العثمانية حتى ما بعد الانقلاب اللغوي، ودراسة مصطلحات فن الخط العربي وأدوات الكتابة في المدرسة العثمانية وترجمتها إلى اللغة العربية. تضمن الكتاب مقدمة، ومدخلا من سبعة مباحث، وخاتمة، وملحقا بالهوامش، وقائمة بالمصادر والمراجع، وملحقا بالصور. وفي المبحث الخاص بالمدرسة العربية في الخط العربي وأثرها في نشأة المدرسة العثمانية، يعرض المؤلف لآراء الباحثين والمؤرخين في نشأة الخط العربي، وعلى الرغم من تعدد آراء الباحثين حول هذا الخصوص، إلا أن المؤلف يذهب إلى أن الخط العربي نشأ في الشمال الغربي من شبه الجزيرة العربية في البقعة الممتدة بين شبه الجزيرة العربية وفلسطين، حيث كانت تعيش قبائل النبط، وهم قبائل عربية اتصلت بالآراميين وتأثرت بحضارتهم واستخدمت خطهم، ويشير المؤلف في هذا الصدد أيضا إلى أنه من الخط النبطي استنبط الخط العربي، ثم اتخذ صورة جديدة في القرن الخامس الميلادي تقريبا عرف فيها بالخط العربي. كما يشير المؤلف إلى أنه في هذه الفترة أيضا تم إطلاق أسماء عدة مدن وقبائل عربية على الخط العربي تبعا للفترات التاريخية، فعرف باسم الخط الأنباري والحيري في الجاهلية، وعرف باسم الحجازي والمدني والمعقلي والكوفي في صدر الإسلام، حيث كان العرب في هذه الفترات يميزون بين أربعة أنواع مختلفة من الخطوط: الحيري نسبة إلى الحيرة، والأنباري نسبة إلى الأنبار، والمكي نسبة إلى مكة، والمدني نسبة إلى المدينةالمنورة. ويشير المؤلف أيضا إلى أن الخط العربي اتخذ في هذه الفترة صورتين، الصورة الأولى هي الصورة الجافة اليابسة، ويغلب عليها التربيع، والصورة الثانية هي الصورة اللينة، ويغلب عليها الاستدارة والتقوير، وفي هذه الفترة المبكرة من تاريخ نشأة الخط العربي في الجاهلية وصدور الإسلام، لم تكن هناك حاجة إلى تشكيل الحروف، ولم يكن للعرب حاجة حتى ذلك الوقت للضوابط الشكلية لإحكام قراءة وكتابة اللغة العربية. وفي المبحث الخاص بالمدرسة العثمانية في فن الخط العربي منذ القرن الخامس الميلادي، يقول المؤلف: إن فن الخط العربي الجميل جاء على رأس الفنون الإسلامية التي اهتم بها الترك العثمانيون، وقد ورث العثمانيون هذا الفن ناضجا مستويا على عوده، وساروا به إلى الأمام، حتى جرت على ألسنة بعض الباحثين والمؤرخين مقولة: "لولا الترك ما كان فن الخط الجميل". ويعتبر المؤلف أن التأثير العثماني في فن الخط العربي يتجلى في ثلاث مراحل، المرحلة الأولى هي مرحلة التقليد، والمرحلة الثانية هي مرحلة التحسين، والمرحلة الثالثة هي مرحلة الابتكار، مشيرا إلى أن الأتراك العثمانيين اهتموا بالخط العربي وأجلوه، لأنه خط القرآن الكريم فأقبلوا على تجويده، وأتقنوا تقليد الأقلام الستة التي ابتكرتها المدرسة العربية في الكوفة، وهي الأقلام التي ابتكرها ياقوت المستعصمي في القرن السابع الهجري وهي: (الكوفي والنسخ والثلث والريحاني والتوقيع والرقاع)، حيث ظل الخطاطون الأتراك العثمانيون يقلدون كتابة هذه الأقلام الستة على طريقة ياقوت المستعصمي حتى القرن الخامس عشر الميلادي. وبعد ذلك انتقل الخطاط العثماني إلى مرحلة التحسين والتجويد والتي تبدأ بمدرسة الخط العثماني في القرن العاشر الهجري على يد الشيخ حمدالله الأماسي الملقب بقبلة الخطاطين، حيث بدأت مرحلة التجويد على يد الأماسي، وكان قد توصل إلى اختراع طريقة غير مسبوقة في بري القلم، فجعل شحمته أقل رهافة، وزاد من تحريف قطته، مما شكل نقلة جمالية كبيرة في تجويد الأقلام الستة أرسى بها قواعد وخصائص مدرسة الخط العثمانية. ___________ - الكتاب: فن الخط العربي.. المدرسة العثمانية - الكاتب: د. وليد سيد حسنين محمد - الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب - الصفحات: 265 صفحة كبيرة خدمة ( وكالة الصحافة العربية )