«أهل الكهف» هي مسرحية لتوفيق الحكيم نشرت عام (1933)، وتعتبر هذه المسرحية الدينية من اشهر مسرحيات الحكيم على الإطلاق، وقد لاقت نجاحا كبيرا وطبعت هذه المسرحية مرتين في عامها الأول، كما ترجمت إلى الفرنسية والإنكليزية والإيطالية، وهذا أكبر دليل على شهرتها. الجدير بالذكر أن المسرح القومي افتتح بها نشاطه المسرحي، فكانت أول العروض المسرحية المعروضة فيه هي «أهل الكهف» وكان ذلك عام (1935)، وقد أخرجها رائد المسرح زكي طليمات، ولكن للأسف كان الفشل حليفها واصطدم الجميع بذلك حتى توفيق الحكيم نفسه، عزا ذلك إلى سبب وجيه كونها كتبت فكريا ومخاطبة للذهن ولا تصلح أن تعرض عمليا. وجد توفيق الحكيم قصة أهل الكهف في القرآن الكريم، وفي تاريخ المسيحية، حيث فر نفر من المسيحيين الاوائل من بطش الإمبراطور الروماني الوثني المتعصب دقيانوس الذي حكم بين (249 م و251م) وآووا إلى كهف ناموا فيه (300 سنة) ثم بعثوا إلى الحياة في عصر الإمبراطور المسيحي الصالح تيدوسيوس الذي تولى عرش الامبراطورية الشرقية في ما بين (408 م و450م)، وكان بعثهم استجابة من الله لدعاء هذا الامبراطور الذي طلب من ربه أن يظهره على برهان محسوس لحقيقة البعث، فبعث الله اولئك الفتية، ولكن توفيق الحكيم يأخذ بما ورد في القرآن الكريم حيث جعلهم ينامون ثلاثة قرون وتسعة أعوام لا مئتي سنة، كما ورد في التاريخ المسيحي، وقد أخذ الشخصيات مما ورد في تفاسير النسفي والبيضاوي والطبري والزمخشري ( مرنوش، يمليخا، مشلينيا والكلب قطمير) وزاد عليهم شخصيتي (بريسكا والمربي غالياس). تدور أحداث هذه المسرحية حول محور أساسي، وهو صراع الإنسان مع الزمن، وهذا الصراع بين الإنسان والزمن يتمثل في ثلاثة من البشر يبعثون إلى الحياة بعد نوم طويل، ليجدوا أنفسهم في زمن غير الزمن الذي عاشوا فيه من قبل، وكانت لكل منهم علاقات وصلات اجتماعية تربطهم بالناس والحياة، وتلك العلاقات والصلات التي كان كل منهم يرى فيها معنى حياته وجوهرها، وعندما استيقظوا مرة أخرى يسعى كل منهم ليعيش هذه العلاقة الحياتية، لكنهم سرعان ما يدركون أن هذه العلاقات قد انقضت بمضي الزمن، الأمر الذي يحملهم على الإحساس بالوحدة والغربة في عالم جديد لم يعد عالمهم القديم، وبالتالي يفرون الواحد تلو الآخر إلى كهفهم مؤثرين موتهم في داخله على حياتهم في ذلك الزمن المختلف. اختار المؤلف من بين شخوص أهل الكهف ثلاث شخصيات ليكونوا أبطال مسرحيته، وهو يعتمد في ذلك على الحرية التي تركها القرآن الكريم له، حيث اختار صاحب المسرحية من بين هذه الأسماء أخفها على السمع العربي، وهم "مرنوش الوزير" صاحب يمين الملك، وهو يمثل العقل والمنطق، و"ميشلينيا" صاحب يسار الملك، وهو يمثل العاطفة والاندفاع، ثم "يمليخا الراعي" وهو يمثل البساطة والإيمان الساذج، ثم كلبه قطمير وقد ربطه المؤلف بالراعي ربطا حياتيا، وأقام بينهما وحدة عاطفية، إذ يعد إحدى الشخصيات الرئيسة في المسرحية، ويعيش فيها الصراع النفسي والقلق الوجودي الذي يعيشه أصحاب الكهف في مواجهتهم لعالمهم الجديد. على الرغم من الإنتاج الأدبي الغزير للحكيم، الذي يجعله في مقدمة كتاب المسرح العربي، وفي صدارة رواده، فإنه لم يكتب إلا النزر القليل من المسرحيات التي يمكن تمثيلها على خشبة المسرح ليشاهدها الجمهور، لأن معظم مسرحياته كانت من النوع الذي يمكن أن يطلق عليه المسرح الذهني، الذي كتب ليقرأ، فيكتشف القارئ من خلاله عالما من الرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع لتسهم في تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع، تتسم بقدر كبير من الوعي والعمق، وهو يحرص على تأكيد تلك الحقيقة في العديد من كتاباته، ويفسر صعوبة تجسيد مسرحياته وتمثيلها على خشبة المسرح فيقول «إنني اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن، وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني، مرتدية أثواب الرموز، لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح، ولم اجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة». اختار توفيق الحكيم مدينة "طرسوس" مكانا لأحداث المسرحية، مستبعدا رواية الطبري التي تذكر أن اسم المدينة هو أفسوس، واستند المؤلف في اختياره هذا إلى رواية أخرى ذكرها الزمخشري والبيضاوي من أنه قيل إن مدينتهم هي طرسوس، ولعل ما دفع الكاتب إلى هذا الاختيار هو أن مدينة طرسوس متواردة لدى العرب القدماء والمحدثين على السواء، فهي ترتبط بتاريخهم القديم عندما كانت هذه المدينة تمثل الحدود بين العرب والروم، ولما كان المؤلف يريد أن يكتب تراجيديا إسلامية مرتبطة بالعرب، فقد أراد أن يحيطها بالجو المعروف لديهم. ينقسم زمن المسرحية إلى قسمين:. الأول: ما قبل الحدث بثلاثمئة سنة عصر دقيانوس الملك الوثني. الثاني: زمن الحدث ما بعد دقيانوس، أي عصر تيدوسيوس ويرتبط زمن المسرحية بالحدث ارتباط كبيرا، حيث برزت صورتان صورة للعصر الذي عاش فيه أصحاب الكهف قبل نومهم والصورة الثانية للعصر الذي استيقظوا فيه وما استتبع ذلك من أحداث مرتبطة بهذا التغير الزمني.