ضمن فعاليات المعرض الصيفي في غاليري خان المغربي في القاهرة، المستمر حتى بدايات سبتمبر/أيلول المقبل، والمعنون «في البرواز»، تأتي أعمال متنوعة لعدة أجيال من فناني التشكيل المصري، سواء من خلال التقنية كالتصوير الزيتي وفن النحت، أو المدارس الفنية المختلفة، فهناك أعمال على سبيل المثال يعود تاريخها إلى عام 1919، وصولاً إلى عمل فنانة شابة خريجة كلية الفنون الجميلة عام 2016. ويبدو أنه خلال هذه الفترة فترة المعرض تتنوع هذه الأعمال وتتغير لتشمل الكثير من التجارب الفنية، التي من خلال تجاورها يمكن استنتاج التطور الذي طرأ على رؤية الفنان المصري، وطريقة معالجته موضوعاته. الواقعي والتعبيري يبدو الحِس الواقعي في تعامل بعض الفنانين مع موضوعاتهم، سواء من خلال فن البورتريه، كما في عمل الفنان محمد بك حسن تاريخ اللوحة 1919 فمن خلال وجه السيدة موضوع اللوحة، تظهر البيئة التي تنتمي إليها، وما تمثله من فئة اجتماعية. الحِس والرؤية الواقعية أيضاً مع شيء من التعبير نجده عند الفنان وائل كارم، وهو من نحاتي الجيل الجديد نسبياً، ويحاول من خلال عمله النحتي التشخيصي (الطبّال) أن يجسد حالة الشخص الذي يصبح هو والطبلة جسداً واحداً، ومحاولاً أن يستمد إيقاع جسده، بل والإيحاء بالحركة من خلال جلسة الرجل المنشغل والمتماهي تماماً مع إيقاعه الخاص. وتبدو التعبيرية في أقصى حالاتها في عمل الفنانة زهرة أفلاطون، حيث تتميز لوحتها ببساطة الخطوط ونقاء الألوان، والمبهج منها بالأساس، وكأنها طفلة ترسم عالما لا يعرفه سواها، فما بين مزهرية وعروس لعبة لهما الألوان نفسها، يبدو عالم الفنانة وما تراه من خلال مزهرية ضخمة مقارنة بالعروس الصغيرة. السيريالية ونأتي لمرحلة السيريالية في الفن المصري، وقد تمثلها في المعرض الفنان سمير رافع، الذي كان من أبرز فناني جماعة (الفن والحرية)، تنتمي اللوحة إلى منتصف أربعينيات القرن الفائت، وكعادة رافع والتيار الذي ينتمي إليه، وحاول تأصيله من خلال أعماله، يبدو العالم والتفاصيل الغرائبية، من خلال فعل يومي معتاد كتناول طعام العشاء، لكن هنا تأتي التفاصيل المتناقضة، كالغراب الذي يتكرر في الكثير من أعمال رافع. أما بالنسبة للتكوين في اللوحة فينبني على مفارقة بدوره، حيث يتمثل الفنان تكوينا يقترب كثيراً من تكوين الجداريات الفرعونية، حتى وجه إحدى الشخصيات وجلستها يقتربان من التصوير الفرعوني، إضافة إلى الأريكة التي تنتمي إلى عالم ومفردات الفلاحين. ورغم الرؤية السيريالية التي من خلالها يرى الفنان العالم، إلا أنه يقوم بتوظيف الموروث بوعي كبير، فالأمر لا يقتصر على حِرفة أو تقليد، بل الحِس والوعي في المقام الأول. الحِس الشعبي ومن خلال أعمال الفنان سيد سعد الدين نلحظ الحِس والرؤية الشعبية التي يجسدها، كالألعاب الشهيرة في القرى والحواري الشعبية المصرية (لعبة الطوق)، هنا يصبح التجسيد حاملاً لمعنى أكثر تعبيرية، بدون الاكتفاء بتمثيل انطباعي للمشهد، كذلك الاعتماد على الخطوط المنحنية للأشخاص، والتي تتشابه وتكوين (الطوق) نفسه، إضافة إلى مستويات اللوحة المتعددة، التي حاول الفنان استعراض حال أكثر من لاعب، هذه اللعبة الشعبية التي تحتاج إلى حِرفية عالية، كالقدرة على السير في سرعة مع المحافظة قدر الإمكان على الاتزان. البساطة ونختتم بعمل للفنانة روشان القرشي قد تكون أصغر فناني المعرض ليبدو مدى عمق الرؤية والبساطة المتناهية من الناحية التقنية، فلا استعراض، ولا تجريب باهت، ولا تقليد بما لا تعرف، كالكثير من مدّعي الفن، فقط امرأة تعطي ظهرها للرائي، وما الجسد وما ترتديه سوى ضربات بالفرشاة، لا أكثر ولا أقل. لكن هذه البساطة يبدو فيها التفكير والصدق الفني، الذي يجعل من العمل عملاً لافتاً، ويجعل المتلقي على درجة كبيرة من التواصل معه.