فقدت الساحةُ الشعرية التونسية اسما لامعا من أسمائها برحيل الشاعرة نجاة المازني عن عمر ناهز 52 عاما بعد أن صارعت مرضَها بعنادٍ ورباطة لأشهر طويلة. قَدِمت نجاة المازني من محافظة الكاف في الشمال الغربي التونسي إلى العاصمة لمزاولة تعليمها العالي في كلية الآداب في منّوبة، واختصّت بعد تخرّجها الجامعي بالعمل الصحافي، حيث انصبّ اهتمامها منذ عام 1989 على النقد الثقافي، خاصة ما اتصل منه بالفن التشكيلي. وهي عضو في اتحاد الكتاب التونسيّين وفي كثير من النوادي الثقافية، منها نادي «إضاءات». عُرفت الراحلة بمشاركاتها الشعرية التونسية والعربية، وأصدرت أربعة دواوين شعرية هي «أشرعة في السحاب» و»طيف اللقاء» و»مضيق الانتماء» و»الشعر مائدة الفقراء». وجاء في نعي اتحاد الكتّاب التونسيّين للشاعرة نجاة المازني القول بأنها «تميزت بدماثة الأخلاق، وطيب المعشر، ومحبتها للجميع»، وفي السياق ذاته، قال الحبيب الصائغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في رسالة وجّهها لرئيس اتحاد الكتاب التونسيّين: «إن الراحلة الكريمة كانت مثالًا في النشاط الثقافي الدؤوب، وقد تركت ذكريات حسنة في كل المنتديات والمؤتمرات والأمسيات الشعرية والثقافية التي شاركت فيها، سواء داخل تونس أو خارجها، وأعطت صورة مضيئة عن الأدباء والكتاب التونسيين». ونشرت الروائية والقاصة التونسية مسعودة بوبكر تدوينة قالت فيها: «وداعا صديقتي… علّتي أقعدتني عن زيارتك والاطمئنان عن حالك، وعلّتك سارعت بالأجل المحتوم… أيتها الجميلة الطيبة، الشاعرة الهادئة، تغمّدك الله برحمته وأسكنك فسيح جنانه، صدري ينوء حزنا وتخونني العبارة… إلى جنان الخلد وصحبة الكريم الدّائم». وقالت الفنانة التشكيلية سعاد الشهيبي ل»القدس العربي» في حديثها عن علاقتها بالشاعرة نجاة المازني، إنّ ما يميّز الراحلة هو قدرتها على حُبِّ الآخرين، وعلى عدم كشف أحزانها لهم حتى تحافظ على صفاء أمزجتهم، فهي تحزن بصمت، وتعلن فرحتها بالأشياء الجميلة، وقد وجدت فيها إنسانة عالية الأخلاق، رهيفة الإحساس، صافية اللغة، جعلت من بيتها فضاء لمجالس ثقافية يؤثّثها أصدقاؤها ومحبّو أشعارها. يُذكر أنّ المازني قد عاشت صحبة ابنتيها (ريحان ورؤى) محنةَ فقد زوجها الناصر العوّادي، الإطار البنكي، الذي بذل كلّ جهده الماديّ والمعنويّ لمساعدتها على تأسيس «دار البدوي للنشر» صحبة الجامعي محمد البدوي، وقد ترأست إدارتها إلى حدّ وفاتها. تميّزت نصوص نجاة المازني بمزجها بين العاطفيّ والوطنيّ، وبانسيابية جُملتها الشعرية التي لا تهدر وقتها في مناورة فكرتها، وإنما تقبض عليها مباشرة وتُحاورها بعفوية لغوية ممزوجة بيقظة فنية عالية قلّما نجد لها مثيلا في نصوصنا الشعرية الحديثة. وفي هذا الشأن، قال الناقد الليبي يونس شعبان الفنادي، إنّ نصوص المازني قد «تأسست على لغة عذبة رصينة، وجرس موسيقي يضبط ميزان إيقاعات الحروف والكلمات المتراقصة في اصطفاف جميل كصورة تعبيرية متعددة الإيحاءات. وقد أدت جميع هذه العناصر دورها واستطاعت أن تنقل للقارئ جملة المشاعر والأحاسيس المرهفة التي تتفاعل في أعماق الذات الشاعرة، وترسمها قصائد شعرية بكل إتقان. كما يظهر بشكل واضح وجلي مضمون هذه النصوص متمثلاً في الإنسان والوطن وصور المعاناة الحياتية والمكابدات الوجدانية التي نعيشها في حياتنا، سواء على صعيد التراشق الفكري أو الاستحقاقات المادية التي تطالب بها المرأة العربية لنيل حقوقها الاجتماعية». ونعرض هنا مقطعا من أحدى قصائدها: «أنا صوتُ الحقيقة خانَ نفسَه وصدّق حلو الأكاذيبْ فاندثر.. وتبخر في صدى عزفٍ مُريبْ أنا دخانُ بركانٍ خصيبْ أسكنُ الآفاقَ والأحلامَ والأبعادَ ونمارقَ الودِ والقلبَ الرحيبْ أنذر الكون بالخطر الرهيبْ فكان أولَ مَنْ دكَّه اللهيبْ أنا أرضٌ معطاء كلما تألمتْ وازدادتْ جروحاً أمطرتْ من التمر الرطيبْ بل أنا عودٌ ذكيٌ حبيبْ كلمَّا تأذّى حرقاً فاحَ عذب العطرِ وشذى الطيبْ».