في اتجاهات النص كخطاب وضمن هذه المساجلة يفتتح بول ريكور معرفته بتسمية النص بأنه: كل خطاب يتم تثبيته بواسطة الكتابة، والكتابة تأخذ صيرورتها وبناءها من نمطية اللغة المستخدمة واللغة المستخدمة يبلورها الأسلوب المستخدم، والتباين في الأسلوبية يعني المغايرة في إيصال النص بين خطاب وآخر ليحل المتلقي بدلا من الخطاب ويأخذ بدور الراوي للسّرد النّصي. يرى دي سوسير أن اللغة تتحقق بحدث مرتبط بخطاب ليتم كشف إنتاجية ذلك الخطاب الخاص، ولذلك فهي باعتقادنا تقدم عروضها من خلال بُنى سياقاتها التتابعية التي تربط بعضها مع البعض لتأسيس قاعدة للتفسير تكون مرتكزا كقاعدة للفهم، تستند في ذلك على قدرات المتلقي في صياغة خطاب جديد أثناء استرساله بالقراءة وفق خصائصه التي تُنظم في لحظة معينة. ولا شك بالعلاقة القائمة ما بين التفسير والتأويل فمن خلال منظومة الفهم يستطع المتلقي خلق منظومته التأويلية أو التفسيرية ويبدو أن هذه إحدى مشكلات النص وصعوبة اليقين من إدراك الوسط الظرفي للخطاب ومنها سلطته ولذته ورسوخه والعمليات الإستبدالية داخله أي قدراته التكيفية مع العالم المُخاطب الذي سيصبح بعد الكتابة عالما خارج خطابه بعد أن يحل النص محل الكلام. إن كل ما يجري هو شكل من أشكال التوسع في إعادة الجزئية للفكرة. هذه الجزئية التي أحيانا تُفتقد أثناء الإسترسال في نقل الكلام إلى اللغة في الوقت الذي يرى الكاتب النص قبل الكتابة. يرى رموزه وإشاراته ومعرجات حروفه ومميزات كل حد فيه، فأحيانا تكون الفكرة صورة، وأحيانا تصوراً، وأحيانا جاهزة ومتاحة، وأحيانا منضوية تحت سطوة عرض رمزي أو تحت سطوة ألاعيب العقل. والنص يقوم على سمات بنيوية وعلى مفاهيم مرجعية، والقدرة على إنجاز هذه المفاهيم، ومقابل ذلك لا شك من وجود ثقل فلسفي يقف حائلا دون شغل النزعات العشوائية حيزا في مساحة النص. إذ أن عملية التفسير أو الفهم لا بد أن تتأثر أو قد تستعير الموروثات أو المعارف أو المؤثرات النفسية بحسب تأثيرها في تكوين المرء وعمق ثقافته وقبوله للجديد من النتاج الفكري والأدبي. يشير ريكور وضمن نظرية التأويل عن إدراك الخطاب وفهمه بإعتباره - أي الخطاب - معنى، والمعنى هنا بتقديرنا ما يقدم على أساس محتوى الخطاب وما يحتويه وما يبتغية مُنتج الخطاب ضمن مرجعيات لغته وقدرة المخيلة ورموزه ومكثفاته الفلسفية لكي لا يبدو الخطاب مترهلا فاقداً لأهميته الجمالية وقواه المنتجة وبنفس الوقت مُعبرا عن هوية صاحب الخطاب. ولا شك - وبحسب رأي ريكور - أن للمعنى مظهرين؛ المعنى المحمول من قبل قائل الخطاب، والمعنى الذي ينقله الخطاب نفسه، ويؤكد ريكور - وضمن هذا المنحى - على أهمية وظيفة الهوية، وهي إحدى الوسائل التي يستدل من خلالها على ما يعنيه صاحب الخطاب في خطابه مادامت الكتابة مشروعا للإنفتاح على الذات وعلى العالم الخارجي. إن فلسفة ريكور تتسع لتشمل أغلب الفروع المعرفية وكذلك إقتراب دراساته من الخطاب الذي يأخذ شكلا فلسفياً.