كالعادة، لا بد أن يمرّ معرض القاهرة الدولي للكتاب تاركاً وراءه «مخالفات» يرتكبها القائمون عليه، لكنّ دورته التاسعة والأربعين- التي انتهت في 10 شباط (فبراير) الجاري- شهدت ما يشبه الإصرار على التوجه طواعية نحو الانزلاق. ومع انتهاء تلك الدورة، تبيّن أنّ لجنة تحكيم مسابقة أفضل كتاب، خالفت اللوائح «عن عمد»، ومنحت جائزة أفضل كتاب نقدي لمؤلّف لم يُسأل عما إذا كان يقبل الاشتراك في المسابقة. أما الكتاب ذاته، فلا ينطبق عليه شرط صدور طبعته الأولى عام 2017، كما تنص لائحة المسابقة. وبعدما كشف مؤلّف الكتاب ذلك في تصريحات صحافية، أصدرت اللجنة بياناً يُثبت أنها لم تقرأ أصلاً الكتاب الذي منحته الجائزة.بدأت القصة في 31 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بعد إغلاق باب التقدّم لمسابقة معرض القاهرة الدولي للكتاب، وأصبحت الأعمال المتنافسة في يد اللجنة العلمية. وبعد مرور أربعة أيام، تسرّبت أنباء عن ترشيح كتاب أيمن بكر «انفتاح النص النقدي» في طبعته الصادرة في نيسان (أبريل) 2017 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب (المنظمة للمسابقة)، والمشار إلى أنها «طبعة أولى»، في حين أنّ الكتاب ذاته صدر بطبعته الأولى عن دار «مسعى» في البحرين عام 2014، ثمّ ترشّح إلى جائزة الشيخ زايد في العام التالي. تلك المخالفة، اعتبرها رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب هيثم الحاج علي «مجرد خطأ غير مقصود»، وشدّد على ضرورة استبعاد أي كتاب يخالف شروط المسابقة، وهو ما لم يحدث.أعلنت لجنة التحكيم المؤلفة من أستاذ النقد الأدبي في جامعة القاهرة محمد الشحات، وأستاذة النقد المقارن في جامعة حلوان رشا صالح والصحافي يسري حسان، فوز أستاذ النقد العربي القديم في جامعة القاهرة عبدالحكيم راضي بجائزة أحسن كتاب نقدي، وعنوانه «دراسات في النقد العربي». والغريب أن اللجنة أصرّت على ذكر عنوانه بصيغة مختلفة، قبل أن يتبين سبب ذلك في ما بعد. فالكتاب الصادر أيضاً في 2017 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب (الخصم والحكم، بما أن المسابقة مفتوحة لدور النشر كافة) بدا أنه أيضاً «مخالف للشروط»، لكونه سبق أن طُبع عبر الناشر ذاته عام 2007. واللافت أنّ مَن نبّه الصحافة الثقافية إلى تلك الحقيقة هو مؤلف الكتاب نفسه، مؤكّداً أنه لم يتقدم أصلاً للفوز بتلك الجائزة التي لا تزيد قيمتها المادية على ما يساوي 400 دولار، بينما فوجئ باتصال رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب به هاتفياً ليخبره بنبأ فوزه. انتظر المثقفون ردّ فعل الجهة المنظمة للمسابقة، وتوقعوا أن تبادره لجنة التحكيم بالإقرار بمسؤوليتها عن هذا العبث، لكنّ الهيئة اكتفت ببيان مليء بالمغالطات، يدعى أولًا أن من اكتشف المخالفة هي إدارة النشر، التابعة لها وليس المؤلف. وزعم البيان أيضاً أن هيئة الكتاب هي التي رشّحت «الكتاب الفائز»، والحقيقة أن الهيئة استدعته أثناء المسابقة بناءً على مقترح محمد الشحات. كما اشتمل البيان على «مغالطتين» لا مجال لإنكارهما، الأولى تتمثل في الزعم بأن الطبعة «الأولى» للكتاب صدرت في 2007، بينما الحقيقة أنه صدر قبل ذلك عن «مكتبة الآداب» في القاهرة. أمّا المغالطة الثانية، فتمثلت في محاولة تحميل إدارة النشر التي تتولاها الروائية سهير المصادفة، المسؤولية، بقوله إن الكتاب الفائز «حمل خطأ» أن طبعة 2017، هي الأولى، ومن ثم انضم إلى الكتب المتسابقة، بل واختير الأفضل في فرع النقد الأدبي. لكنّ مراجعة بيانات الكتاب تفضي إلى إشارة واضحة إلى أن «هيئة الكتاب» سبق أن أصدرته في 2007، وتجاهل تلك الإشارة، يثبت أن اللجنة لم تقرأ الكتاب أصلاً، ومن ثم لم تقرأ الكتب المتنافسة الأخرى. بل مارس بيان الهيئة نوعاً من الكهنوت، بأن أطلق حكما قيمياً وتحكيمياً على الأعمال المتسابقة، لتبرير فوز الكتاب/ الأزمة، بأن أصرت على أنه الأفضل، ومن ثم فإنه سيتم الاكتفاء بسحب القيمة المادية للجائزة، مع الإبقاء على القيمة الأدبية لها! بما أنه لا يوجد سواه يستحق الفوز في فرع النقد الأدبي. الإشارة البينة، مع حادثة أيمن بكر، الذي يدرّس في إحدى جامعات الكويت، تثبت أن «ملقط» الهيئة لا يلتقط سوى الأعمال المخالفة للشروط اللائحية! وهو ما يفرض السؤال: لماذا اختارت الهيئة هذين الكتابين فقط من بين الكتب النقدية؟ وكيف رشّحت كتابين لمؤلفين كبيرين، الأستاذ وتلميذه، للمنافسة؟ أم أن الأمر فعلاً كما أصبح شائعاً في الوسط الثقافي المصري، يتمثل في أن الهيئة وقيادتها أرادت ألا يفوز كتاب بعينه، فرشّحت مرة كتاب أيمن بكر من دون إذنه، ثم عادت بعد استبعاده لتجلب كتاب عبدالحكيم راضي من دون إذنه أيضاً؟وإلى ذلك تبقى معضلة أن الهيئة المصرية العامة للكتاب تنظم تلك المسابقة سنوياً، في فروع شتى منها الرواية والقصة والشعر والنقد الأدبي، وتشكل لجنة التحكيم الخاصة بها، وتدفع من موازنتها للفائزين، مع أنها تشارك كمتنافس لدور النشر الأخرى، وتفوز دائماً بالعدد الأكبر من الجوائز. هي «خصم وحكم»، وهذا في ذاته «مخالفة جسيمة» تنسف كل ما يترتب عليها. وعموماً فإنّ البيان ذاته تطرّق إلى تلك النقطة، بأن أكد أن «الهيئة» لن ترشح إصداراتها لتلك المسابقة، بدءاً من الدورة المقبلة، لكن يظل لمؤلفي تلك الإصدارات حق الاشتراك فيها بطلبات مكتوبة، وممهورة بتوقيع كل منهم.