يعرض كتاب “طرائف على شواهد القبور” لأبرز وأغرب العبارات المكتوبة على شواهد المقابر، ويحاول أن يوضح كاتبه عبدالرحمن بكر ما وصفه بالسر وراء هذا الكتاب، بما اعتبره طرفة قرأها في إحدى مراسلات القراء لإحدى الصحف، عندما أرسل قارئ للصحيفة ما رآه من كتابة على قبر أحد الأشخاص جاء فيها “يا من مررت على قبري انظر أمامك، هنا ترقد عظامي ليتها كانت عظامك”. يقول عبدالرحمن بكر إنه في هذا الوقت، وبعد أن قرأ هذه العبارات ظل يضحك على صاحب القبر الذي وصفه بأنه ”الميت الحاسد لكل حي“، وعندها قرر الكاتب أن يتتبع في الكتب وفي الترجمات الكثير مما أوصت به بعض الشخصيات التاريخية ليكتب على قبورها، حيث اعتبر أن هذه الشخصيات إنما أرادت أن تترك بعد رحيلها رسالة لكل من يأتي بعدها فيها خلاصة أفكارها وتجاربها في الحياة، حيث اعتبر المؤلف أن بعض هذه المقولات المأثورة منها ما هو وصية لم تنفذ، ومنها ما تم تنفيذه بالفعل، وتضمن الكتاب أيضا بعض المواقف النادرة لهذه الشخصيات. يرتب عبدالرحمن بكر المقولات المأثورة التي يسردها ترتيبا تاريخيا من القديم إلى الحديث، فيبدأ بالفيلسوف اليوناني سقراط الذي مات في سبيل ما يؤمن به، حيث حُكم عليه بالإعدام عن طريق شرب السم، حيث قال سقراط لتلاميذه وهو يموت “لقد حان وقت الفراق، فليذهب كل منا إلى سبيله.. أنا إلى الموت وأنتم إلى الحياة، أما أي السبيلين أفضل؟ فهذا ما لا يعلمه إلا الله”. أما نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا الذي مات في منفاه بجزيرة سانت هيلانة، فنقل المؤلف ما تمت كتابته على قبره “هنا أغمد نابليون سيفه”، وفي هذا السياق يورد الكاتب ما كتبه رستم زازا، خادم نابليون بونابرت على قبره، حيث جاء على شاهد خادم أشهر قائد عسكري في تاريخ فرنسا “هنا يرقد رستم زازا، والمسمى أبجاهيا وباباتام المملوك القديم للإمبراطور بونابرت من مواليد تفليس بجورجيا”، ورستم زازا مملوك نابليون كان عبدا تعرض للبيع عدة مرات في أكثر من بلد عربي حتى استقر به المقام في مصر، وعندما عثر عليه نابليون خلال الحملة الفرنسية الشهيرة على مصر طلب من طبيبه الخاص أن يفحصه ثم جعله خادمه، وكان هذا الخادم يلازم نابليون أينما ذهب، وتزوج رستم زازا من ابنة خادم نابليون في حفل زفاف كبير تكلف نحو 1341 فرنكا فرنسيا وكان مبلغا باهظا في تلك الأيام. أما على قبر طارق ابن زياد، فجاءت العبارة المكتوبة كالتالي “هذا طارق بن زياد.. جاءه الطارق قائلا: أنا الموت ولم يزد”. أما الشاعر فيكتور هوغو فقد نقشت على ضريحه هذه الكلمات “ينسى الموت أنه الموت فيطرح منجله بين قصائده الخالدة مستغفرا، وينشد له البعض منها فيطرب كل من في القبور”. طرائف عن الموت مما يورده بكر في كتابه حكاية طريفة حول الشاعر الإنكليزي ريارد كبلنج فقد قرأ خبر وفاته في إحدى الصحف بينما كان يجلس في منزله، فبادر بكتابة خطاب لصاحب الجريدة يقول فيه “سيدي: لقد نشرت جريدتك اليوم خبر وفاتي، ولما كانت الجريدة من الصحف التي لا تنشر الخبر إلا بعد التحقق من صحته، فلا شك إذن أن خبر موتي صحيح، ولهذا أرجو شطب اسمي من قائمة المشتركين، لأن جريدتك لن تفيدني بعد اليوم ما دمت قد انتقلت إلى عالم الأموات”. أما فولتير فقد صارع الموت كما صارع من قبل ذلك الحياة، وقد تعرض للنفي والاضطهاد أكثر من مرة، وعندما عاد إلى وطنه كان في الثالثة والثمانين من عمره، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة أملى على سكرتيره قولته “أموت وأنا أعبد الله، وأحب أصدقائي وأكره الخرافات”، وقال في لحظة موته ”أريد أن أموت في سلام لم أعرفه حتى الآن”. ويذكر أن السلطات الكنسية في بلاده رفضت دفنه، وهو ما دفع أصدقاءه للخوف من احتمال أن يصدر قرار بحرق جثته، فقاموا بتهريبها من الكنيسة إلى خارج المدينة لدفنها في قبر يليق به. أما هيلين كيلر فنقل عنها الكاتب قولها عن الموت “كل الإيمان، فالموت ليس سوى انتقال من حجرة إلى أخرى”، وتضيف “لكن هناك فرق بالنسبة إلي، ففي الحجرة الأخرى سوف أبصر”. وحول الموت تقول هيلين كيلير أيضا ”مع كل صديق أحببته وأخذوه إلى أحضان الأرض السمراء دفن جزء مني هناك، ومع ذلك فسوف تبقى مساهمتهم في إسعادي وقوتي وإدراكي لتعضدني في عالم متقلب”. وكتب شعب روما على شاهد قبر نيرون، الذي أحرق مدينتهم “هنا يرقد نيرون بجانب ضحاياه”. وينطق شاهد قبر كليوباترا بسحرها وجمالها حتى اللحظة الأخيرة، فقد نقشت على قبرها عبارة ” ظلت ساحرة حتى اللحظة الأخيرة.. أعرفتها؟ هي كليوباترا”. أما جورج برنارد شو، الكاتب الساخر الأشهر في تاريخ الأدب العالمي، فقد انشغل وهو في السبعين من عمره بالبحث عن منزل مناسب يسكن فيه، وراح يطوف في شتى المدن والقرى الإنكليزية ليعثر على مسكن مناسب، حتى رأى شاهد قبر مكتوب عليه “هنا يرقد هنري توماس مات في ريعان شبابه في سن الخامسة والسبعين”، وهنا تأمل برنارد شو هذه العبارة وقال “القرية التي تعتبر الخامسة والسبعين سن شباب جدير بالمرء أن يعيش فيها”، فاشترى بيتا وسكنه وعاش فيه حتى وصل للرابعة والتسعين من عمره. جدير بالإشارة إلى أن كتاب “طرائف على شواهد القبور” للكاتب عبدالرحمن بكر صدر عن دار جنا للنشر بالقاهرة، ويقع في نحو 154 صفحة من القطع المتوسط. خدمة ( وكالة الصحافة العربية )