لفن الكوميكس العربي تاريخ من النجاحات والإخفاقات، منذ إرهاصاته الأولى في بداية القرن الماضي، حين تعرف الجمهور العربي على هذا النوع من القصص عبر الإصدارات الإنكليزية والفرنسية المترجمة، ثم ظهور عدد من المحاولات الجادة في هذا المجال على أيدي بعض فناني الكاريكاتير العرب، وكانت في أغلبها محاولات واعدة. ومع ذلك، لم يكتب لها الاستمرار كمجلة “الأولاد والبنات” التي ظهرت في عشرينات القرن الماضي ومجلة “السندباد في مصر”، وفي لبنان ظهرت العديد من مجلات الكوميكس الموجهة للكبار منذ الستينات. وفي الوقت الحاضر تعد مجلة “السمندل” واحدة من أنجح التجارب اللبنانية في هذا المجال، وفي تونس أسست الفنانة ناديا خياري مجلة “ويلي فروم تونس” على فيسبوك، وكانت لسان حال الثورة التونسية منذ بدايتها. ومن المحاولات الناجحة التي ظهرت في مصر خلال السنوات الأخيرة مجلة “الجراج” و”فوت علينا بكره” و”خارج السيطرة”، ولكن تظل مجلة “توك توك” واحدة من بين أنجح التجارب التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة في مصر، نظرا لقدرتها على الاستمرار والتطور منذ ظهورها لأول مرة في يناير عام 2011 حتى اليوم. “توك توك” هي مجلة موجهة للكبار ينصحك أصحابها على الغلاف بأن تحفظ العدد بعيدا عن متناول الأطفال، في إشارة إلى الأفكار التي تطرحها المجلة، وربما الكلمات والتعبيرات أيضا، فالمجلة تستلهم أفكارها من الشارع المصري وتعتمد على مفرداته وكلماته الشائعة، إشارة ساخرة تلفت الانتباه إلى المحتوى وما فيه من نقد اجتماعي لبعض مظاهر المجتمع والشارع المصري. ولا تتطرق “توك توك” إلى السياسة بشكل مباشر، وربما كان ذلك من أسباب استمرارها، إذ لا تلتفت السلطة إلاّ لمنتقديها، إلاّ أن المجلة لا تتوقف عن السخرية من توابع السياسة وآثارها، كالعلاقة بين الرجل والمرأة وظاهرة التحرش والعنف الأسري وأطفال الشوارع والفروق الطبقية والثقافية وتناقضات الشارع وحكاياته العبثية. وبدأت فكرة المجلة وتطورت بشكل تدريجي على يد الفنان محمد شناوي الذي تعاون مع أربعة من أصدقائه المهتمين بفن الكوميكس، وهم: هشام رحمة وقنديل ومخلوف وتوفيق، ليقرروا معا القيام بعمل مشترك فيما بينهم، خاصة أن الساحة المصرية تفتقد إلى مثل هذا النوع من الفن المنتشر في بلدان العالم المختلفة. “شكل العمل لم يكن واضحاً في البداية”، كما يقول شناوي، لكنهم رغم ذلك قرروا البدء في خوض التجربة بشكل عملي، وتم الاتفاق بالفعل على العنوان “توك توك”، وهو اسم وسيلة المواصلات الصغيرة التي غزت معظم الأحياء الشعبية المصرية منذ سنوات، كما تم أيضا الاتفاق فيما بينهم على السياق العام الذي سوف تتبعه المجلة في إصداراتها. ومن ثمة بدأت الخطوات التنفيذية لإصدار العدد الأول باختيار الموضوعات والشكل النهائي للمجلة الوليدة، وما ساعد المجلة حتى اليوم على الاحتفاظ بسياق عام مميز، هو أن المجموعة المؤسسة لها تحمل نفس الهموم والموروث البصري والتوجهات. ويهتم محمد شناوي بتلك الموضوعات المتعلقة بالشارع، وكانت شخصية “السايس” إحدى الشخصيات التي أثارت انتباهه لتكون بطلا لسلسلة من القصص المصورة تضمنتها أعداد المجلة منذ إصدارها الأول، و”السايس” هو شخص يساعد سائقي السيارات على الانتظار على جانب الطريق، يظهر فجأة من دون مقدمات ليعرض خدماته عليك حتى إن لم تكن في حاجة إلى هذه الخدمات، ووجوده في الشارع يخلق نوعا من العلاقات العبثية، هي مزيج من التعاطف والتذمر منه.