مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025 في بورسعيد    الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تستعد لاستضافة اجتماع لجنة الإيمان غدا الخميس.. صور    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025    الطماطم ب 20 جنيه.. أسعار الخضار والفاكهة الأربعاء 22 أكتوبر 2025 في أسواق الشرقية    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025    بكام الطن النهارده؟.. أسعار الأرز الشعير والأبيض الأربعاء 22-10-2025 بأسواق الشرقية    طبول الحرب تدق مجددًا| كوريا الشمالية تطلق صاروخًا باليستيًا باتجاه البحر الشرقي    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 22 أكتوبر والقنوات الناقلة    اليوم.. الأهلي يبحث عن صدارة الدوري من بوابة الاتحاد السكندري    العظمى 28.. تعرف على حالة الطقس اليوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025 في بورسعيد    مصرع شقيقين في حادث تصادم بالمنيا    خبير: تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني يعكس عبقرية الإنسان المصري    رابط مباشر ل حجز تذاكر المتحف المصري الكبير 2025.. احصل على تذكرتك الآن    القوات الروسية تقضي على مرتزقة بولنديين وتكشف محاولات تسلل أوكرانية    ألمانيا والنرويج تناقشان بناء غواصات بالاشتراك مع كندا    السوداني: الحكومة العراقية حريصة على مواصلة زخم التعاون الثنائي مع أمريكا    اليوم.. نظر محاكمة البلوجر أكرم سلام لاتهامه بتهديد سيدة أجنبية    هجوم غامض بأجسام مجهولة على القطار المعلق في ألمانيا    بعد الإكوادور، زلزال بقوة 6 درجات يهز كوستاريكا    أسعار الدواجن والبيض اليوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025    تعليم المنوفية تحسم قرار غلق مدرسة بالباجور بعد ارتفاع إصابات الجدري المائي    حسين فهمي: الدفاع عن الوطن في غزة ليس إرهابًا.. واستقالتي من الأمم المتحدة جاءت بعد هجوم قانا    ترامب: لن ألتقي بوتين إلا إذا كانت القمة مثمرة    عبد الله جورج: الجمعية العمومية للزمالك شهدت أجواء هادئة.. وواثقون في قدرة الفريق على حصد لقب الكونفدرالية    طالب يطعن زميله بسلاح أبيض في قرية كفور النيل بالفيوم.. والضحية في حالة حرجة    مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز يهدي دورته ال17 ل زياد الرحباني    سعر الذهب اليوم الأربعاء 22-10-2025 بعد انخفاضه في الصاغة.. وعيار 21 الآن بالمصنعية    عاجل- بدء التقديم لحج الجمعيات الأهلية اليوم.. 12 ألف تأشيرة وتيسيرات جديدة في الخدمات    تعليمات جديدة من التعليم للمعلمين ومديري المدارس 2025-2026 (تفاصيل)    أكثر من 40 عضوًا ديمقراطيًا يطالبون ترامب بمعارضة خطة ضم الضفة الغربية    وزير الزراعة: تحديد مساحات البنجر لحماية الفلاحين وصادراتنا الزراعية تسجل 7.5 مليون طن    عاجل- الحكومة: لا تهاون في ضبط الأسعار.. ورئيس الوزراء يشدد على توافر السلع ومنع أي زيادات غير مبررة    جداول امتحانات شهر أكتوبر 2025 بالجيزة لجميع المراحل التعليمية (ابتدائي – إعدادي – ثانوي)    موعد مباريات اليوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025.. إنفوجراف    أرتيتا: مواجهة أتلتيكو مدريد كانت صعبة.. وجيوكيريس استحق التسجيل    اعترافات المتهم بمحاولة سرقة مكتب بريد العوايد في الإسكندرية: من قنا وجاء لزيارة شقيقته    وفاة شاب ابتلع لسانه أثناء مباراة كرة قدم في الدقهلية    ريكو لويس: سيطرنا على مباراة فياريال.. وجوارديولا يعلم مركزي المفضل    ياسر عبدالحافظ يكتب: هدم العالم عبر اللغة    د. محمد العربي يكتب: دور الأزهر في التصدي للفكر الإرهابي    باريس سان جيرمان يكتسح ليفركوزن بسباعية في دوري الأبطال    رومانسي وحساس.. 4 أبراج بتحب بكل جوارحها    تكريم ياسر جلال فى مهرجان وهران للفيلم العربى بالجزائر    فعاليات للتوعية ضد الإدمان وزواج القاصرات بعدد من المواقع الثقافية بالغربية    جامعة طنطا تحتفي بإنجاز دولي للدكتورة فتحية الفرارجي بنشر كتابها في المكتبة القومية بفرنسا    مواقيت الصلاة فى أسيوط الاربعاء 22102025    إمام مسجد الحسين: المصريون يجددون العهد مع سيدنا النبي وآل البيت    «تقريره للاتحاد يدينه.. واختياراته مجاملات».. ميدو يفتح النار على أسامة نبيه    مجلس كلية طب طنطا يناقش مخطط تدشين مبنى الكلية الجديد    استشاري مناعة: الخريف أخطر فصول العام من حيث العدوى الفيروسية.. واللقاحات خط الدفاع الأول    خطر يتكرر يوميًا.. 7 أطعمة شائعة تتلف الكبد    تخلصك من الروائح الكريهة وتقلل استهلاك الكهرباء.. خطوات تنظيف غسالة الأطباق    وزير الخارجية: نشأت فى أسرة شديدة البساطة.. وأسيوط زرعت الوطنية فى داخلى    الصليب الأحمر في طريقه لتسلم جثماني محتجزين اثنين جنوب غزة    هل يجوز تهذيب الحواجب للمرأة إذا سبّب شكلها حرجًا نفسيًا؟.. أمين الفتوى يجيب    المصري الديمقراطي يدفع ب30 مرشحًا فرديًا ويشارك في «القائمة الوطنية»    رمضان عبد المعز: "ازرع جميلًا ولو في غير موضعه".. فالله لا يضيع إحسان المحسنين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" أم " : فيلم صادم يفتح الباب مشرعا للتأويلات
نشر في نقطة ضوء يوم 11 - 09 - 2017

منذ بدء دورته الرابعة والسبعين، لم يشهد مهرجان فينيسا فيلما على هذه الدرجة من الشحن النفسي، وهذه الدرجة من إثارة الجدل واستقطاب الآراء قبل عرض فيلم "أم" !
للمخرج الأمريكي دارين أرنوفسكي، المتنافس على الأسد الذهبي في المهرجان، فبعد انتهاء عرض الفيلم تعالت صيحات الاستهجان التي بلغت درجة السباب بالقدر نفسه الذي ضجت فيه القاعة بالتصفيق ترحيبا بالفيلم. انقسام نقدي وجماهيري كبير إزاء الفيلم، ولكن أيا كان الحال، وأيا كان الجانب الذي انضممت إليه، فإن الفيلم لن يتركك قط على الحياد، وسيثير في عقلك الكثير من التساؤلات، في محاولة للوصول إلى تأويل لهذا الفيلم الصادم الذي ينقض على أعصابك وعقلك ويفتك بهما.
يبدأ الفيلم بداية هادئة لا تشي بالصدمات والذعر والاختناق الذي يثيره، خاصة في ثلثه الأخير. ليس بالفيلم الذي تسهل مشاهدته، ولكنه يفتح الباب على مصراعيه للتأويل والتحليل. يمكن، إن أردنا، أن نتابعه وفقا لأحداثه الظاهرية، ولكن يمكن أيضا استخلاص الكثير من الرمزية والبعد الأسطوري والبعد الديني في رؤيته. ويمكن أيضا قراءته كفيلم عن الإبداع الأدبي، عن «خلق» قصيدة جديدة ومولدها، ليس من رحم الأديب، ولكن من رحم ملهمته، التي تكون أولى ضحايا عملية الميلاد الأدبي تلك.
يبدأ الفيلم في بيت زوجين (جينيفر لورانس وخافيير بارديم)، لم يشأ أرنوفسكي أن يضع لهما اسما، في إحالة إلى أنهما قد يكونان رمزين أكثر من كونهما فردين. الزوج أديب وشاعر، نعرف في سياق الأحداث أنه حقق شهرة واسعة نجاحات كبيرة، ولكن خياله نضب ويحاول عبثا البدء في خلق عمل أدبي جديد. عقمه الأدبي يوازي عقمه في علاقته الزوجية، فهو زوج لامرأة شابة جميلة تصغره بكثير من الأعوام، ولكن رغم شبابها وجمالها، ورغم السعادة الظاهرة فوق السطح، إلا أن العلاقة بينهما فاترة لا نشوة فيها ولا جذوة متقدة.
يرسم الفيلم منذ لحظاته الأولى إطار العلاقة بين الزوجين. الزوج يبدو بعيدا منعزلا في غرفة الكتابة التي لا يسمح لأحد أن يعبر بابها إلا بإذنه. هي من تعمر البيت، وهي التي أخذت على عاتقها إعادة بنائه وطلائه، وتزيين غرفتيه. نعرف لاحقا أن البيت يعود إلى زوجها منذ أمد طويل ولكنه دُمر في حريق التهمه تماما. وعلى الرغم من أنها من يضطلع بالعمل وببناء المنزل وإعادته إلى أوجه، إلا أنه هو الذي يضع قواعد التصرف في المنزل، وهو من يمنح الإذن لمن يبقى ومن لا يبقى، وهو من يحمل سر المنزل وما حل به في الماضي. العلاقة إذن ليست متكافئة وليست مجرد علاقة زوج بزوجة. هي أشبه بعلاقة إله بسدنة المعبد، أو بين سيد بمحظيته أو ملهمته. هي تقدم الراحة والسكن وهو من يملك زمام الأمر.
ولكن ما هو هذا المنزل الذي دمر في الحريق، والذي تعيد الزوجة تشييده؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن أحداث الفيلم جميعا، باستثناء ثوانٍ معدودة تدور داخل ذلك المنزل. إنه منزل في منطقة معزولة أو نائية لا تحيط به منازل أخرى، يبدو الزوجان أول من يقطن تلك المنطقة وأول من يعمرها. هي تقول في سياق الفيلم إنها تريد أن تجعل من المنزل «فردوسا»، فهل في هذا إشارة إلى آدم وحواء وبداية نزولهما إلى الأرض لإعمارها؟ أم هل هو أمل العثور على فردوس مفقود؟ أم هل هذا البيت هو خيال الأديب، الخيال الذي يفرغ معينه فور الانتهاء من عمل أدبي، ويحتاج إلى يد وجسد ملهمة أخرى لتتجدد قدرته على الخلق؟
يبقى المنزل على هدوئه إلى أن يصل الزائر الغريب، الزائر غير المتوقع (إد هاريس). يصل هكذا يدق الباب، قائلا إنه طبيب جاء للعمل في مستشفى المنطقة، وظن البيت نُزلا، فجاء لاستئجار غرفة. يرحب به الزوج، بينما تبقى الزوجة على حذرها، رافضة أن يدخل غريب دارها، أو أن يعبث بترتيب المنزل. مع دخول الغريب، يدخل الفيلم مرحلته الكابوسية الأولى، ونشهد بدايات الدمار للمنزل الذي تصحبه بدايات من الدمار النفسي والعصبي للزوجة. هذا الغريب الذي جاء، سريعا ما تلحق به زوجته ليقوما بشبه احتلال للبيت، احتلال يبدو صاحب البيت سعيدا به، بعد أن علم أن الضيف من معجبي أدبه المخلصين، بينما تحاول الزوجة بقدر الإمكان أن تتخلص منه.
ثمة مقارنة تفرض نفسها بين العلاقة بين صاحب البيت وزوجته والضيف الغامض وزوجته. تبدو العلاقة بين الزوجين الضيفين أكثر حسية وأكثر حميمية، وهي ليست بالعلاقة العقيمة فلهما من الأبناء ولدان. تباهي الزوجة الضيفة بأبنيها قائلة إن المنزل وطلائه ليس سوى قشرة خارجية، ولكن ما يجعل الزيجة زيجة حقا ويجعل البيت أسرة هو وجود طفل. وتبدأ في توبيخ الزوجة لأنها لا تقدم الإغراء الكافي للزوج ليجعلها حبلى. هل الزوجان الضيفان موجودان حقا؟ هل يحاولان حقا فرض سطوتيهما على المنزل؟ أم هل هما مجرد هلاوس تعبث بمخيلة الزوجة التي تشعر بأن زواجها على المحك، رغم صورته الهادئة على السطح؟ هل الضيف وزوجته مصادر إلهام أخرى للأديب تأبى ملهمته أن تشاركهما فيه؟ هل هما إرهاصات لثقافة القطيع وثقافة التابعين للأنبياء مثلا، هذا إذا أحلنا الأديب إلى صورة أخرى من الأدب: الكتب التي يتبعها أصحاب الديانات، سواء كانوا أنبياء أم رسلا؟ يزداد الأمر تعقيدا بوصول ابني الضيف والضيفة، الابنان الشابان اللذان يقتتلان ويتصارعان على حب أبيهما، حتى يصرع أحدهما الآخر على أرض المنزل، في إشارة واضحة لهابيل وقابيل. هل ذلك البيت الذي تدور فيه الأحداث صورة للبشرية بكل صراعاتها وآلامها وشرورها وأطماعها؟
يراق الدم في المنزل، ويقتل الأخ أخاه، ولكن هذا الدم المراق والضيوف الكثر الذين يغزون المنزل ويدنسون حرمته لتأبين الابن القتيل، هم ما يحرك الزيجة الفاترة بين الأديب وزوجته، فتحمل الزوجة وتدب فيها حياة جديدة بينما تدب الحياة في مخيلة الأديب. إنه الخلق بكل صوره، الخلق في مواجهة شرور البشرية، الخلق في مواجهة الموت، والخلق الإبداعي شعرا. الإنسان يعيث في الأرض فسادا ويقتل ويخرب ويستبيح حرمات البيوت والحرمات جميعا، ولكنه أيضا ينتج الفن والأدب والقصيدة وينجب أبناء لعمارة الأرض!
يدخله الفيلم ثلثه الأخير الأكثر جنونا وصخبا وكابوسية بعد أن يفرغ الشاعر من كتابة قصيدته بينما تقارب الزوجة المخاض. «أنجب» الشاعر قصيدته بعد أن ألهمه حمل الزوجة أن يكتب. الزوجة هي أم الجنين المتشكل في الرحم وهي أيضا «أم» القصيدة التي كتبها الشاعر. هي الملهمة وجالبة الحياة، ولكنها لا تحظى قط باهتمام الزوج، فهي مجرد محفز له على الإبداع، يفرغ منها تماما فور انتهائه من كتابة القصيدة.
ثم يأتي الدهماء، يأتون من كل حدب وصوب ويغزون المنزل. إنهم المعجبون بالأديب ومحبوه، ولكنهم ليسوا كمن نراهم في ندوة شعرية يستمعون إلى الشاعر. إنهم الجموع حين تعتريها اللوثة، أقرب إلى تابعي رجال الدين، الذين يريدون الحصول على قطعة من أثر إمامهم أو قسهم للتبرك بها أو لتحل فيهم روحه. تحاول الأم التي على وشك المخاض الدفاع عن بيتها وعن جنينها الذي يوشك أن يولد. لكن الجحافل تأتي على كل ما في البيت. يتناكحون ويلتهمون البيت التهاما ويدمرونه بمباركة الشاعر المنتشي بمريديه وأتباعه ولا يحرك ساكنا لإنقاذ زوجته أو مولودها.
في الثلث الأخير من الفيلم يضاعف أرنوفسكي التوتر أضعافا حتى أننا نكاد نختنق اختناقا. المشاهد الأخيرة في الفيلم بما فيها من التهام للحم البشر وذلك القربان البشري الذي لا حول له ولا قوة صادمة للغاية، ولكنها أيضا تأتي محملة بمستويات المعنى والتأويل.
يمكن رؤية الدهماء الذين غزوا المنزل على أنهم الصحافة والجماهير التي تقحم نفسها في حياة المشاهير أو أنها جحافل أتباع رجل دين أو ديانة. الفيلم لا يقدم الكثير من الإجابات الشافية ويتركنا في حالة من الصدمة البالغة، ولكن ثراءه يكمن في أنه يفتح لنا أبواب الفكر والخيال والتفسير لنجد نحن تأويلنا الخاص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.