ترتكز التجربة التشكيلية للمغربي المهدي واثيقي على نمط تعبيري يستمد كينونته من الواقعية، ويمتح مقوماته من الأسس الفنية للتشخيص في شموليته، حيث تتبدى أعماله وصفا يعبر عن واقع متعدد المضامين. فالفنان المهدي يصنع شخوصات تعبيرية متنوعة، يصيغها في ألوان متعددة حسب تصوراته ورؤاه الفنية، وأحيانا يستعمل اللون الواحد ويردفه بجنسه ويعتمد التدريج لينسج من ذلك المادة اللونية التعبيرية، ثم يشكل منها شخوصات مرتبطة بمضامين حمالة لعدد من الدلالات. ولصنع ذلك، فإنه يعمد إلى روابط علائقية يكثف بها الفضاء، تتمظهر بين كتل من العلامات المضمرة داخل اللون، فيعمد من خلال عملية البناء إلى إنتاج توليف بين مختلف العناصر المكونة لأعماله، خصوصا أنه يجمع في اللوحة الواحدة بين المتناقضين على مستوى اللون، وعلى مستوى الشكل. فهو إما يجمع بين الأبيض والأسود أو بين شكل كبير وآخر صغير، ثم يطبع ذلك بمساحات محجبة، وبذلك يفصح عن التراكمات الرمزية، والدلالات العميقة، التي تنبثق من اللون أو من الشكل، والتي تؤصل لفلسفة قيمية تستجيب لضرورات العمل حتى يتفاعل مع القارئ ومع الثقافة التشكيلية التفاعلية. إن خاصية التشخيص الإيحائي في عمقه التشكيلي، يحدث حركات فنية قادرة على منح المجال الواقعي تعبيرا صادقا يؤهله إلى تعددية القراءة، فالمبدع المهدي واثيقي يبلور العملية الإبداعية الواقعية وفق خاصيات جديدة وأساليب واقعية معاصرة في التعبير، وإنه كذلك يؤثث لمجال واقعي دلالي يتطور في عمق الصورة التشخيصية الواقعية بصيغ جمالية تفاعلية تتجاوب بشكل تلقائي مع نظام الفضاء الواقعي التعبيري، بأنساق دلالية متلائمة ومنسجمة في ما بينها، تُطاوع الحس الانفعالي، وتستجيب بسهولة إلى تصورات المبدع، الذي ينعم بقدرة تحكمية في الفضاء وفي المادة التشكيلية. فهو يربط بين العناصر المكونة لأعماله، باستخدامات تحولية يروم من خلالها تثبيت الانسجام بين مختلف المفردات التشكيلية ومختلف الأشكال بصيغة تُعصرن أسلوبه الواقعي وتقوده إلى عوالم التجديد في الفن الواقعي. فمجمل المفردات التشكيلية التي يستعملها يستقي مادتها الخصبة من الواقع بفنيات لونية وبنماذج واقعية، ينسجها وفق بنائه الفضائي بإضافة عناصر جديدة مما تحمله تصوراته وأفكاره، ومما تحمله كذلك تقنياته العالية من تغيرات، تجعل من اللون بناء فنيا منظما في تواشج عميقة الدلالات، عن طريق التعبير بمفردات الواقع التي تعتبر جوهر أعماله الواقعية، فاستخداماته الشخوصية وتثبيته لعناصر الواقع بانسجام فني ودلالي، يعكس ذاك النسق الجمالي المتجدد، الذي يميز الخطاب التشكيلي الواقعي لديه. وتلعب الموتيفات التي تطال مجال الشكل أدوارا مهمة في صياغة أنواع متجددة من الحركة التي تبعث نبرات موسيقية، تحرك الفضاء الناعم، بتقنيات تمزج بين المنحى الجمالي والتعبير بأسلوب واقعي معاصر. فيتبدى الحس الفني من خلال الحركة والخيال، ومن خلال الوصل بين مختلف المفردات الفنية التي تحمل مضامين أخلاقية، والتي تشكل حيزا مهما في التعبير، فيتحقق في أعمال المبدع التجاور والتنوع بين ما يضمره مجال الشكل وما تفصح عنه المادة الفنية عامة، عبر وحدة البناء والرؤية والأسلوب، فيفضي ذلك إلى حوارات مستمرة تتوالى بين المبنى والمعنى، ما يمنح أعماله التكامل والانسجام في التنفيذ. يُعضّد ذلك مختلف الخطابات المخفية وراء فنه الواقعي الرهين بالقراءات الجمالية بالغة الجودة..