بعثة مصر للطيران تعقد اجتماعًا تنسيقيًا بجدة استعدادًا لعودة حجاج بيت الله    العدوان على غزة، موقف عمال ميناء مارسيليا يكشف عورة الإدارة الأمريكية    قراركم مخالف، رد رسمي من الزمالك على اتحاد الكرة بشأن عقد زيزو    مدبولي يطلق رسميا خدمات الجيل الخامس في مصر    انضمام ماجد المصري لفريق أبطال الجزء الثاني من فيلم السلم والتعبان    صور أقمار اصطناعية تظهر قاذفات روسية مدمرة بعد هجوم أوكراني بالمسيرات    فيفا يخفض أسعار تذاكر افتتاح كأس العالم للأندية بين الأهلي وإنتر ميامى    أمريكا أبلغت إسرائيل أنها ستستخدم الفيتو ضد مشروع قرار يدعو لوقف إطلاق النار بغزة    نقابة بميناء فرنسى ترفض تحميل حاوية عسكرية متجهة لإسرائيل وتؤكد : لن نشارك بالمجازر المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني    وفد الأقباط الإنجيليين يقدم التهنئة لمحافظ أسوان بمناسبة عيد الأضحى    لبحث سبل التعاون.. نقيب المحامين يلتقي رئيس جامعة جنوب الوادي    مفتي الجمهورية: فلسطين في قلب الضمير الإسلامي والقدس جوهر القضية    طرح البوستر الدعائي ل فيلم "آخر رجل في العالم".. صورة    الإفتاء: صلاة الجمعة يوم العيد الأكمل ويجوز أداؤها ظهراً في هذه الحالة    تكبيرات العيد تتصدر البحث مع اقتراب عيد الأضحى المبارك    الصحة العالمية تقدم نصائح مهمة للحجاج قبل الوقوف على عرفات    «شوفوا وأمِّنوا».. صلاح عبدالله يوجه رسالة لجمهوره بمشهد من مسلسل «حرب الجبالي»    التعليم العالي: «القومي لعلوم البحار» يطلق مبادرة «شواطئ بلا مخلفات بلاستيكية»    عاجل- عودة إنستاباي بعد عطل فنى مؤقت وتوقف التحويلات    يوم التروية يتصدر التريند وبداية مناسك الحج تفتح باب الدعاء    اورنچ مصر تُعلن عن الإطلاق الرسمي لخدمات الجيل الخامس (5G) في السوق المصري    أول رد من الأوقاف بشأن ندب الأئمة.. ماذا قالت؟    كريم محمود عبد العزيز يحيي ذكرى ميلاد والده برسالة مؤثرة    «إحلالٌ.. نعم! إغلاقٌ.. لا!»    مصرع طالب جامعي بطلق ناري في مشاجرة بين عائلتين بقنا    يوم التروية فى الحرم المكى.. دموع ودعاء وتكبير يلامس السماء (صور)    الرقابة المالية تتقدم بمقترحات بشأن المعاملات الضريبية على الأنواع المختلفة لصناديق الاستثمار    منتخب شباب اليد يتوجه إلي بولندا فجر 17 يونيو لخوض بطولة العالم    الوداد المغربى يستعجل رد الزمالك على عرض صلاح مصدق    حريات الصحفيين تطالب بالإفراج عن 22 صحفيا معتقلا بمناسبة عيد الأضحى    أهم أخبار الكويت اليوم الأربعاء.. الأمير يهنئ المواطنين والمقيمين بعيد الأضحى    محمد بن رمضان يعيد أمجاد هانيبال مع الأهلي.. من هو وما قصته؟    قرار عاجل من الزمالك بفسخ عقده لاعبه مقابل 20 ألف دولار    بعد اهتمام برشلونة والنصر.. ليفربول يحسم موقفه من بيع نجم الفريق    القاهرة تستضيف النسخة الرابعة من المؤتمر والمعرض الطبي الإفريقي «صحة إفريقياAfrica Health ExCon»    المفوضية الأوروبية تعطي بلغاريا الضوء الأخضر لاستخدام اليورو    صعب عليهم نسيان الماضي.. 5 أبراج لا يمكنها «تموڤ أون» بسهولة    محمد رمضان يقترب من الانتهاء من تصوير «أسد»    اتفاق تعاون بين «مصر للمعلوماتية» و« لانكستر» البريطانية    سيراميكا كليوباترا يفتح الخزائن لضم «الشحات وعبد القادر»    بعد نشرأخبار كاذبة.. مها الصغير تتقدم ببلاغ رسمي ل«الأعلى للإعلام »    برسالة باكية.. الشيخ يسري عزام يودع جامع عمرو بن العاص بعد قرار الأوقاف بنقله    خُطْبَةُ عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ 1446ه    نجم الزمالك السابق: وسط الملعب كلمة السر في مواجهة بيراميدز    رئيس هيئة الاعتماد يعلن نجاح 17 منشأة صحية فى الحصول على اعتماد "جهار"    جامعة القاهرة ترفع درجة الاستعداد القصوى والطوارئ بجميع مستشفياتها    وزيرة خارجية لاتفيا: سنعمل في مجلس الأمن لتعزيز الأمن العالمي وحماية النظام الدولي    تقرير: زوارق إسرائيلية تخطف صيادا من المياه الإقليمية بجنوب لبنان    الصحة: 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج خلال فترة إجازة عيد الأضحى المبارك    رئيس الوزراء: إزالة تداعيات ما حدث بالإسكندرية تمت فى أقل وقت ممكن    مدبولي: الإعلان عن إطلاق المنصة الرقمية لإصدار التراخيص خلال مؤتمر صحفي    الإسكندرية ترفع حالة الطوارئ بشبكات الصرف الصحي استعدادًا لصلاة عيد الأضحى    مسلم يطرح أغنية جديدة بعنوان "سوء اختيار" من ألبومه الجديد    مد فترة التشطيبات.. مستند جديد يفجر مفاجأة في واقعة قصر ثقافة الطفل بالأقصر    أول تحرك من «الطفولة والأمومة» بعد تداول فيديو لخطبة طفلين على «السوشيال»    البابا تواضروس الثاني يهنئ فضيلة الإمام الأكبر بعيد الأضحى المبارك    مسابقة لشغل 9354 وظيفة معلم مساعد مادة «اللغة الإنجليزية»    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية الأزهرية 2025.. الاستعلام برقم الجلوس عبر بوابة الأزهر فور اعتمادها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ظلمَ التاريخُ كتابَ «الفصول والغايات» للمعري؟
نشر في نقطة ضوء يوم 22 - 08 - 2017

هل علينا في الألفية الثالثة، أن نصدق كل ما ورد في الروايات التاريخية الغابرة، على أنه حقائق لا ريب فيها؟ ولماذا درجنا على ترديد أقوال بعض العلماء في بعض العصور، على أنها آراء معصومة، علىى رغم أنها مطعونة؟ وإلى متى، لا نقوم بتنقيح هذه الروايات، وغربلتها، ووضعها على ميزان الجرح والتعديل، والنقد السليم، لمعرفة الصحيح من السقيم؟
الحكاية الموجعة، أن بعض علمائنا، بدءاً من الخطيب البغدادي، والباخرزي، ومروراً بياقوت الحموي، والذهبي، ووصولاً إلى ابن تيمية، وابن القيم، ومن تابعهم على طريق قذف أبي العلاء المعري، لم يعملوا العقل، ولم يدرسوا ما قال، وادعوا أنه عارض القرآن الكريم في كتابه «الفصول والغايات في تمجيد الله والمواعظ». إذاً، فلنضرب عن هؤلاء الوالغين في لحم أبي العلاء المعري ظلماً وعدواناً وافتراء، صفحاً، أن كانوا قوماً جائرين، ولنقرأ ما قاله الإمام محمد عبده عن خطورة التكفير، في كتابه «الإسلام دين العلم والمدنية» عن أصل من أصول الإسلام الراسخة، التي خالَفها هؤلاء الفقهاء على مر العصور. محمد عبده قال إنه «إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مئة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حُمِلَ على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر»، فأين تلامذة ابن تيمية المعاصرون، من إعمال هذه القاعدة الأصولية الجامعة المانعة، في حفظ الأنفس، والدماء، والأعراض، والكرامات؟
إذاً، فليكن مرجعنا في تجلية هذه القضية، هو الارتكاز إلى كتاب الفصول والغايات عينه، ذلك الكتاب، الذي أجزم، أنه ما قرأه ابن الجوزي، ولا ابن الأثير، ولا ياقوت، ولا ابن تيمية، ولا تلميذه ابن القيم، ولا الذهبي، ولا ابن حجر، وإلا، فأين أدلة الاتهام؟ ولماذا صدَّق الناس رمي المعري بما لم يقله، جيلاً بعد جيل، حتى أضحى ذلك من المسلمات؟
بداية، فالكتاب لم يصلنا منه إلا أقل من ربعه، وهو عبارة عن تسابيح، وتهاليل، وتحاميد، واستغفارات، وإنابات، وكأني بالمعري، يعلم من وراء الغيب، أن كتابه هذا، سيصير بين يدي من لا يعرف الفارق بين القطمير وبين الفطير، فدافع عن نفسه بقوله: «علم ربنا ما علم، أني ألَّفت الكلم، آمل رضاه المسلّم، وأتقي سخطه المؤلم، فهب لي ما أبلغ به رضاك من الكلم والمعاني الغِراب». ويقول المعري في ص 219: «فأولِعْ نفسك بسبحان الله»، إذاً، فهل من قال في ص 23: «اتقِ الله بالغدو والآصال، كفيتني ربِّ شقاء الدنيا، فاكفني شقاء الآخرة، وأنت محمود معي»، يكون مزدكياً، وعلى مذهب البراهمة، كما ادعى المدعون، وتقوَّل المتقولون؟!
وهل من قال مخاطباً ربه العظيم في خشوع وخضوع ص 29، 30: «شهد بك البرق والرعد، والنبات الثغد (الغض)، والثرى الجعد، وخضعت قحطان لك ومعد، وجرى بقدرك النحس والسعد، وصدق منك الوعد، لا تظلم أحداً ولا تعد، كنتَ من قبل، وتكون من بعد، لا تفتقر في عزك إلى الخلفاء»، يكون ملحداً؟
وهل من عظَّم آلاء مولاه مقراً بلسان الذكر، وقلب الإخلاص، ولب الانكشاف قائلاً ص 17: «نِعَم الله كثيرة العدد، يحصيها العباد، تجدّد كنبات الأرض، وقطر السماء، هذه في كل حين، وذانك في كل عام. هل تشعر أيها الساهر ما تنطق ذات الشعَر، كأنهن قيان يشربن الدم بكاسات من الشعر، كما يشرب غيرهن الرحيق، وليس ذلك عليهن بحرام، ويذكرن الله بغرائب ألحان، ما عرفهن معبد ولا الجرادتان»، فهل يكون هذا الشخص منحرفاً عن الحق، مائلاً إلى البهتان، صاداً عن طريق الله، كما يصوره ألد أعدائه في ترجماتهم المعوجة له؟!
هو لم يضل أبداً، عندما تحدث عن صفات الله، جامعاً بين العقل والنقل، فقال في ص 174: «يقدر الله على المستحيلات، رد الفائت، وجمع الجسمين في مكان، وما لا تحتمله الألباب، إذ كان لا يُنسب إلى عجز ولا انتقاص، فإذا مررتَ بعودٍ بالٍ، فأعلم أن الله يستطيع أن يكسوه أخضر، كخضرة الحسام، حتى يورق ورقاً بعدد الرمال، ويقف على كل ورقة ورقاء تعبّد بألحان معبديات، بغرض الغريض، والأسماع إليها غرضات»، فهل هذا المتبتل يعد ساقطاً في هوة الكفر؟
لا، بل اقرأ معي قول المعري، الذي ينضح توحيداً، ويشع عبادة فكرية، وتفكيراً، ما عرفه المدعون عليه، فقد أحال دروس علم الصرف الجوفاء الصماء إلى سيمفونية من النغم الإيماني، عالي السبك، قوي الأداء، جيَّاش العاطفة، ففي ص 142: «لا تجعلني ربِّ معتلاً، كواو يقوم، ولا مُبدلاً كواو موقِن، تُبدل من الياء. ولا أحب أن أكون زائداً مع الاستغناء، كواو جدول، وعجوز، فأما واو عمرو، فأعوذ بك ربِّ الأشياء، إنما هي صورة، لا جرس لها ولا غناء، مُشبهها لا يُحسب من النسمات». وفي صفحة 137، يناجي المعري ربه، بلغة الفن، ونبراس الجمال، وقسطاس الذوق، وسكينة الإيقان، فيقول ضاماً بين الدعاء الحار، وبين مصطلحات علم العَروض الصعب، وهو الصابر القانع التائب الرجَّاع: «ربِّ، وألبسني من عفوك جلالاً مرفّلاً يوم القيامة مذالاً، أختال بين عبادك فيه، كسابغ الكامل وأخيه، مخلَّداً في العيش الرفيع، تاماً أُلحِق بتسبيغ، كرابع الرَّمل، مُراحاً ليس بالمستعمل، ولا تُنهِكْ ربِّ عملي، فيصبح كخامس الرَّجز، قلَّ حتى ذلَّ وعجز. أشكرك بغير تشعيث، فِعْلَ اليشكري بالوزن الحثيث. وإني سائلك: هل أبقت السيئات عندك موضعاً للحسنات»؟
إذاً، فلنا أن نتساءل: لماذا لم يقرأ أعداء أبي العلاء كتابه هذا الساحر الأسلوب، الممتلئ بالحكمة العالية، والشفافية التامة، والإيمان اليقيني؟ ولماذا غابت كلمات أبي العلاء وإيمانياته، فاختفت، وحلَّ مكانها النشاز، والعوار، والدسائس، والمين، والوضع، والانتحال، والاختلاق؟ وأكاد أوقن، أنهم وجدوه يهجو أفعال الناس، من العلماء وغيرهم، التي لا يرتضيها دينٌ ولا خلق، فحقدوا عليه، وتمالأوا ضده، بعدما رأوه أمير النثر والشعر، وفيلسوف الأدب، وقلعة اللغة التي لا تجارى، فأوصوا بعدم قراءته، وتواصوا به، وأجهزوا عليه بخيلهم الباطشة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.