رحلت سيزاريا ايفورا التي اشتهرت باسم "المغنية حافية القدمين"، مضت عن هذا العالم بعد أن وصلت السبعين من عمرها. أتعبها المرض وجعلها تطلب من جمهورها أن يسامحها لأنها لم تعد قادرة على الغناء. لا توجد مبالغة لو قلنا أن سيزارا ايفورا، امرأة تجسد النموذج الإفريقي الأصيل، سيدة سمراء، مستديرة الجسد، شعرها خشن بجدائل رفيعة ، بشرتها لامعة وعيناها متقدتان. صوتها عذب وحنون، ورغم طبقته العالية إلا أنه مليئ بالشجن.جاءت تلك الفتاة اليتيمة من جزيرة الرأس الاخضر الافريقية (كاب فيردي)، وبدأت حياتها الفنية في الغناء في حانات ميناء مينديلو في تلك الجزيرة الواقعة غرب افريقيا. لم تنطلق شهرتها الا وهي في الخمسينيات من العمر، فحين بلغت السابعة والأربعين من عمرها كان وصل بها اليأس حدا كبيرا من إخفاق حلمها بأن تصبح مغنية معروفة، لكن في هذه المرحلة التقت رجلا فرنسيا أعجبه صوتها وعرض عليها أن تسجل ألبوما في باريس، لم يكن لديها ما تخسره فوافقت فورا على العرض وذهبت معه. وهكذا سجلت أولى أغانيها عام 1988. وهكذا بدأت مرحلة أخرى من حياتها المهنية، لكنها لم تعرف معنى النجاح إلا بعد مرور خمسة أعوام على وجودها في باريس،مع البومها الرابع الذي أطلقته عام 1992 "Miss Perfumado" الذي يُعد ضربة نجاحها الكبرى اذ بيع منه اكثر من 300 الف نسخة في العالم، وقامت بعده بعدد من الجولات الغنائية في أميركا وأوروبا. اطلقت ايفورا 10 البومات غنائية ناجحة؛ وفازت بجائزة غرامي الموسيقية عام 2004 عن البومها "Voz D Amor". ظل لقب "حافية القدمين" مرافقا لها، لانها اعتادت ان تصعد الخشبة للغناء وهي حافية دون ارتداء اي حذاء، وكما لو أنها بهذا الفعل تختار التأكيد على هويتها الإفريقية، وعلى تلاصقها مع الأرض الترابية الخصبة في غابات بلادها، مع الفقراء والأطفال الجائعين. لُقبت ايفورا بملكة المورنا (البلوز)، وتمثل هذه الموسيقى شهادة على تاريخ العبودية والرق في البلاد الافريقية الُستعمرة؛ حيث كان تجار العبيد ينقلون ابناءها في المحيط الهادئ على بعد الاف الكيلومترات من الشاطئ غرب افريقيا. و سيزارا ايفورا من أشهر مغنيات هذا النوع من الموسيقى؛ كونها نقلت موسيقى جزيرة " الرأس الأخضر" -التي كانت مستعمرة برتغالية نالت استقلالها عام 1975 – إلى العالم كله؛فقد امتلكت ايفورا قدرة غنائية على الدمج بين البلوز مع الغيتار والكمان، والأوكارديون، والكلارينيت، مع اختيار كلمات أغنياتها بعذوبة فائقة تمزح بين الحزن والحنين والحب مع موسيقى "الفادو" البرتغالية والموسيقى الكلاسيكية. لذا قارن كثيرون بين صوتها الرائع، وصوت نجم غناء البلوز الشهير بيللي هوليداي. في أغنية : " Miss Perfumado"، تقول : تموت الأحلام في ظلال "دي أودخوا" الظلال تؤذي الجسد الناعم والمعطر الأزهار تموت وبيوت الحمائم الشاحبة تذبل أيضا لكني سعيد هنا مع حبيبتي في ظلال "دي أودخوا". وفي أغنية " Besame mucho"، تقول : " قبلني كثيرا هذه الليلة قبلني كما لو أنها الليلة الأخيرة قبل أن ترحل". لم يكن تدهور حالتها الصحية مفاجئا، فقد كانت تفرط في التدخين وتناول الكحول، كانت تدخن أحيانا وهي على المسرح، بينما الفرقة تعزف الموسيقى. ساءت صحتها كثيرا في سنواتها الأخيرة مع بدء العام 2008 ؛ حيث عانت من ذبحة قلبية عندما كانت في جولة فنية في استراليا عام 2008 وخضعت بعدها لعملية قلب مفتوح عام 2010، إلى أن فارقت الحياة في وطنها، وفي بيتها في جزيرة " الرأس الأخضر"، وكان من المعروف عنها أنها تترك أبواب بيتها مفتوحة، لتستقبل جمهورها، ومن يود زيارتها، أو الحديث معها. وداعا سيزارا ايفورا، المرأة التي أثبتت أن الموسيقى هي لغة العالم الوحيدة التي لا يقف أمامها أي عائق، تعبر القارات مع النسيم الساخن، وهبات الجليد،من قلب إلى قلب، من دون حدود.