ترك لنا الحياة، ترك لنا هذا العبث، هذه السريالية التى نعيشها بعد ثورة يناير، وهذه الخيانات للثورة من الجنرالات والإسلاميين على حد سواء. لقد ذهب الكاتب الكبير مقاما وعقلا وروحا أحمد بهجت إلى الأبدية، لقد انتقل بجوار من يحب ويعشق بجوار الله ورسله وملائكته.. بجوار من كتب عنهم.. بجوار "أنبياء الله" هذا الكتاب الذي طبعتْ منه الشروق 36 طبعة.. اى ما يزيد علي مائة ألف نسخة من كتاب واحد بين أيدينا في مصر وفى كل العالم.. هو الآن سيكون بجوار جبريل الذي أحبه كثيرا، لقد ترك لنا الدنيا وذهب إلى الآخرة.. بعد أكثر من ربع قرن ظل يفتح لنا صندوق الدنيا.. لقد مات صاحب صندوق الدنيا.. وسوف ألحق به قريبا وسوف نلحق به جميعا، من المؤكد أننا سنلتقي عند رب هذا الكون.. سيظل صندوق الدنيا مفتوحا ولكن لن يُضاف إليه جديد لان صاحبه ذهب لفتح صندوق آخر هو صندوق الآخرة انتقل من مجاورة من كان يُعلمهم الطريق إلى الله ومحبة الأنبياء إلى من أحب إلى جوار الله وأنبيائه وملائكته. ظل احمد بهجت صندوقا منفتحا علينا وعلى العالم عبر الصفحة الثانية من الأهرام وكأنها نافذة لنا على الدنيا نقرأها ونرى بها العالم في هدوء ونقلب الصفحة في هدوء شديد. في رحاب هذا الرجل ومحبته سيعيش جميع الحاضرين ومن لم يُولدوا بعد انه هو الوحيد القادر حتى في موته على فتح صندوق القلب والعقل ربما نصنع عقلا نافعا لنا وللناس لابد أن نبدأ جميعا في فتح الصندوق الذي تركه لنا وبه أكثر من أربعة آلاف مقال وفكرة وترنيمة ورسائل حب وعقل لقد ترك لنا كل ما يملك ورحل تاركا لنا إرثا فكريا وثقافى وخلاصة مخلصة لله وأيضا لنا ولابد أن نتشاجر وبقوة على إرثه فهو حق لنا ولكل الاجيال القادمة والحاضرة لابد ان يكون هو المرشد العام لقلوبنا وعقولنا حتى نعرف كيف نتعامل بحب وود مع المختلفين معنا فى الفكر والدين، لابد أن نتعلم منه محبة الأعداء من البشر والكائنات الأخرى. وسيظل بهجت بالنسبة لى روحا خالصة من الفكر لم أقابل جسدها يوما ما وسيظل له دين في عنق الكثير منا وليس بلال فضل فقط الذي اعترف بهذا علنا في احتفالية نظمتها دار الشروق احتفالا بعيد ميلاد الكاتب الساخر أحمد بهجت السابع والسبعين حيث بدأ بنظرة اعتذار إلى صديقه المخرج خالد أحمد بهجت، ثم قال: لابد أن أعترف بأنني صادقت خالد لأتخذه معبرا إلى معرفة والده، الذي له دين في عنقي لا أنساه، إذ إنني ولدت في بيت لا يتعاطى سوى الكتب الدينية التي اقترنت عندي بتوبيخ أبى لي، مما جعلني أنفر من تلك الكتب، حتى وقع في يدي كتاب الأستاذ بهجت "أنبياء الله" فعرفت كيف يمكن أن يكون المتدين رقيقا وبسيطا وفاهما لحقائق الدين. لذا كان من الطبيعي جدا أن يقول علاء الأسواني إن الكاتب الشاب يبحث في بداية طريقه عن نموذج، وأنه وجد نموذجه في شخص وكتابة أحمد بهجت، صاحب القلم الذي يجمع بين الفن القصصي والعمود الصحفي والسخرية الراقية والتدين الصحيح. وأن عمود "صندوق الدنيا" تربتْ عليه أجيال، لأن الأستاذ بهجت يستطيع الإمساك بتفاصيل فكرته وتقديمها كاملة إلى القارئ في أقل عدد ممكن من السطور، مع إمكانيات القصة الواضحة، وقد قال الأسواني عن "ثانية واحدة من الحب" إنه يمكنه الحديث ساعات عن كل قصة منها، إضافة إلى كتابه الرائع "قصص الحيوانات في القرآن" الذي لم يكتف فيه بإيراد القصة كما جاءت في القرآن إذ راح يحلق بها في آفاق الفن الصافية. لذا كان من الطبيعي أيضا أن يتمنى عمر طاهر مقابلة واحدة معه لتمنحه نفحة مهنية للبقاء على قيد الكتابة فهو في مقاله الذي أعاد نشره عند وفاة الكاتب الكبير احمد بهجت يقول فيه: "تعلمت على يديه الكثير دون أن ألتقيه مرة واحدة، طالما مررت بمكتبه فى "الأهرام" داعيا الله أن يمنحني شرف مقابلته، لم أكن أعرف ماذا سأقول له إذا قابلته، لكننى أعرف أن مقابلته فى حد ذاتها نفحة مهنية تمنح الواحد سببا جديدا للبقاء على قيد الكتابة". ترك أحمد بهجت صندوق الدنيا مفتوحا لنا لنتعلم ونعرف ونقرأ ونتغير ونثور ربما نصنع حياة راقية وبلد حر وحقيقي.