أكد الناقد والشاعر د. جمال نصاري أن حركة قصيدة النثر العربية في إيران تأسست نتيجة ردة فعل على ما عاناه الشعراء الشباب من المنظومة التقليدية الشعرية والعقلية الرجعية التي ترى في كل تغيير انسلاخا عن الهوية والابتعاد عن الموروث المقدس أدبيا كان أو علميا. وأضاف في كتابه "القصيدة النثرية العربية في إيران" أن القصيدة النثرية العربية في إيران إرتأت أن تضع على عاتقها مسيرة الشعر الحديث بصورة منهجية وإبداعية، وتؤسس لمنظومة نقدية حديثة تستطيع أن تؤول الشاعر الناثر. وقال "بعد أن قررت لجنة شاعر النبي بأن تحذف القصيدة النثرية من الأجناس الشعرية، اجتمع شعراء القصيدة النثرية في مكتبي وتداولنا المنهجية التي من خلالها نؤسس للقصيدة النثرية العربية في إيران، وبمجهود كوكبة من شعراء وناشطي الأهواز وعلى رأسهم يوسف السرخي ومجتبى سواري. حاضرت في منتدى علوي حول القصيدة النثرية في إيران، بعد ذلك انهالت التهم حول مصداقية هذه الحركة وهمومها الوجودية. كما أن اعتراف الكلاسيكية بوجود القصيدة النثرية في العالم العربي ونفيها على اللسان الأهوازي، حفزتني لكي أحاضر حول قصيدة النثر في خوزستان وناقشت نماذج محلية. إن شعراء المرحلة الأولى في العمل التأسيسي لحركة قصيدة النثر في إيران هم: كمال سلمان العنزي، وحمزة كوتي، ورسول عوده زاده، ويوسف السرخي، وسيد سعيد خجستة، وجمال نصاري. ولفت نصاري إلى أن الكلاسيكية الأهوازية لم تقف مكتوفة الأيدي وبدأت تتهم القصيدة النثرية بالابتعاد عن هموم الشعب ومعاناة الإنسان وتجسيد البيئة الأهوازية، لأنها ترى قصيدة النثر العربية في إيران متأثرة بالفكر الغربي والاتجاهات العلمانية التي تريد للشعوب الإسلامية الميوعة والخنوع. وردا على هذه التهمة كتبت مقالا بعنوان "الالتزام في القصيدة النثرية العربية في إيران" تطرق إلى القضايا الوطنية والإنسانية التي عالجتها القصيدة النثرية العربية في إيران. وأوضح أن القصيدة النثرية العربية في إيران حاولت أن تتجاوز المراحل الشعرية من تفعيلة وقصيدة عمودية معاصرة لخلق منظومة شعرية تعتمد على الحركة المابعدية أو ال "post"، فال "post" كما يقول إيهاب حسن "لا يعبر عن انفصال بقدر ما يعبر عن استمرارية" ويعتقد عبدالوهاب المسيري أن الحركة المابعدية هي نهاية الحداثة ونهاية الميتافيزيقا، لأن الحداثة لم تأت بالسعادة والتعددية فحاولت القصيدة النثرية الأهوازية كنظيراتها أن تتشبث بفضاءات ما بعد الحداثة وتعدديتها، وفضلا عن ذلك حفظت ملامحها الجغرافية وألمها السوسيولوجي، وهي تنبعث من قلب المجتمع ورؤاه، لأن الشاعر النثري له رسالة تجاه شعبه وأمته وهذه الرسالة تظهر بصورة فنية وجمالية في نصه. من خلال هذه الرؤية يقدم د. جمال نصاري الملامح الإبداعية في القصيدة النثرية الأهوازية في خمسة أبعاد، الأول تعدد الأصوات، الثاني النهايات غير المتوقعة، الثالث: البياض، الرابع اللغة البصرية، الخامس الآيروسية. وأشار إلى أن القصيدة النثرية العربية في إيران ليست رؤى ذاتية بحتة بل تفاعلا جماليا مع المجتمع وهمومه، لكن القصد من التفاعل الجمالي، هو تجسيد معاناة الشعب مع حفظ الجوهرة الشعرية والابتعاد عن اللغة الجماهيرية. وقدم نصاري نماذج تطبيقية في مجمل قراءاته لملامح وقضايا ورؤى القصيدة النثرية العربية في إيران، كما وضع بنهاية الكتاب ملحقا لنماذج شعرية لشعراء وشاعرات من بينهم إبراهيم الديراوي، الهام لطيفي، رسول عوده زاده، سيد سعيد خجسته، صادق آلبوغبيش، فهيمة كعبي، كمال سلمان العنزي، هادي سالمي، يوسف السرخي. من النماذج قصائد لالهام لطيفي بعنوان "للنهد تاريخ": نهدان مضطربان ... يلتقيان على صدر الفلق من أنت…؟ من أنا…؟ جسدٌ بلا هوية.. هوية بلا جسد حبة رمل... متبقيَّة بين أقدام السابحين فی يمَّ الخیال وجه جامد... يتدَّلى من غصن الجدار من منَّا يبرعم فصلا خامساً في بؤرة الأمد؟؟ *** في تنّور الخريف أمّي... أوقدتني كومة شِعر فصار الدخان خُبزَ ماءٍ يُعمّد جوع المدى. *** المسافات كّلها خلعت أرجلها... وإقتدت الطريق وأنت تفرّط الوقت رمّانة حامضة لا تفرح بقطع أطرافي! للنِهد تاريخ يداعب الحقيقة... *** حبَّتا قلق وشطّ وجع بوجهك المسافر في غابات جسدي.. أصبحُ كرة.. عربةً من نار أنمو وردة فحم.. أقطرُ وطنا.. قل لي ! كيف أوقظ هذا العصر الخامد بدمي؟ *** حلمي وخدّ الشمس على ذِراع الكون راقدان... وظلّك الناعس المكحّل بحزن "عيلامي" سجين.. تائه.. ما بين ذا وذاك. *** قميص الريح في بئر الخمود مرمي.. على حبل الأثير شُرّي تعبك لِ يجفّ على جمر إشتياقي. *** قَدَري قصيدة برية تفترش الرمل ضاجعها البحر فضّوا عذرية بياضها ليشفوا غليل شكوكهم شيوخ العروض... لا تقف في عراء الزمان بُعداً حائراً ! *** هناك.. أتسمع ؟ عواء ذئاب حارتهم ينخر الحيطان.. يحاولون رصّ خرز مسابيحهم.. وسنابلنا... في أمّ الخريف بدأت تذهب خدود الشمس لا تبالي! ستبيد ليل خيوطهم.. في لحظة عناق. *** إلى أين تعدو الظلال؟ لا ضوء يعبر الجسد.. لا سهم يخرق العدم.. مبتور إصبع الظلام.. شطان ملتهبان. نَم يا ولدي.. سأروي لك “بنت السلطان.." *** الأرض طفلة تحبو على جمر في كفّها نقش حناء سرّا يداهم الصباح أطفأ شموع الكون أبسط حرير الحلم دعنا ننام. *** عندما اُولد ثانيا.. سأبحث في ملفّ القمر.. لماذا بات ناقصا ساكنا.. لائذا بغصن السماء؟ سأعرف كيف استقالت الأرض عن أنوثتها وسلّمت مقاليد الخاصرة لحضرة الدوران؟ *** هوى مثقل بالزحمة يتسكّع في أضلع الرصيف روح عارية بين جنبات الحب تحتسي نشوة الصقيع شاحب لون المساء متعبٌ.. حائرٌ ما بين: رغبة عينيك التي لا تقترب وعناد صدري الملتهب.. *** ليس لي قبيلة بين القطيع وحدها… مسْبَحة أمي تدرك عتمة الطريق