النائب أحمد عبد الجواد يتقدم باستقالته من مجلس الشيوخ    قطع المياه 6 ساعات عن بعض مناطق الهرم فى الجيزة مساء الغد    شهداء ومصابون في قصف إسرائيلى مكثف على غزة.. الصليب الأحمر الدولي ينتقل لجنوب القطاع.. البحرية الاسرائيلية تحتجز مئات النشطاء على متن أسطول الصمود العالمي وتنقلهم إلى ميناء أسدود.. وتل أبيب: سنرحلهم لأوروبا    رئيس وزراء بريطانيا يقطع زيارته للدنمارك ويعود لبريطانيا لمتابعة هجوم مانشستر    لقاء الأشقاء.. نهائي مثير بين برشلونة وفيزبريم في بطولة العالم لكرة اليد للأندية 2025    بعد خروجه من القائمة.. الخطيب يتجاهل حسام غالي ويوجه رسالة ل الرباعي المستبعد    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    تجديد اتفاق التعاون الفني والمالي بين مصر وفرنسا بقيمة 4 مليارات يورو    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    الحكومة تُحذر المتعدين على أراضى طرح النهر من غمرها بالمياه    التمويل غير المصرفي في مصر يسجل 773 مليار جنيه خلال 7 أشهر    قناة السويس 2025.. عبور 661 سفينة إضافية وتقدم 3 مراكز عالميًا وزيادة الطاقة الاستيعابية ب8 سفن    4 توصيات للجنة العامة ب"النواب" حول اعتراض الرئيس على قانون الإجراءات الجنائية    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    الصحة بغزة: الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي أصبح خطيرا جدًا    زيلينسكي يحذر أوروبا: روسيا قادرة على انتهاك المجال الجوي «في أي مكان»    خبير اقتصادي: الإغلاق الحكومي في أمريكا نتيجة لارتفاع سقف الدين ويؤثر سلبًا على المواطنين    من هم شباب حركة جيل زد 212 المغربية.. وما الذي يميزهم؟    رئيس مجلس النواب: ذكرى أكتوبر ملحمة خالدة وروحها تتجدد في معركة البناء والتنمية    المستشار ناصر رضا عبدالقادر أمينًا عامًا جديدًا لمجلس الدولة    شوبير: تأجيل الإعلان عن مدرب الأهلي الجديد وارد.. وعماد النحاس يخفف الضغوط    حمادة عبد البارى يعود لمنصب رئاسة الجهاز الإدارى لفريق يد الزمالك    شوبير يكشف تطورات مفاوضات الأهلى مع المدرب الأجنبى    بعد رفض طفل الذهاب للمدرسة.. ضبط مدرس تحرش به العام الدراسي الماضي    "سحر باللبن".. مشادة سيدة و"سلفتها" تنتهى بضبطهما بعد تهديدات بأعمال الدجل    " تعليم الإسكندرية" تحقق فى مشاجرة بين أولياء أمور بمدرسة شوكت للغات    ضبط عناصر إجرامية غسلوا أكثر من 1.5 مليار جنيه من تجارة المخدرات والسلاح    هاكرز يخترقون صفحة مجمع اللغة العربية على فيس بوك وينشرون صورا إباحية    القومي للسينما يعلن عن مسابقة سيناريو ضمن مشروع "جيل واعي – وطن أقوى"    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    بعد انفصال 4 سنوات.. ليلى عبداللطيف تتوقع عودة ياسمين صبري ل أحمد أبوهشيمة    "نرعاك فى مصر" تفوز بالجائزة البلاتينية للرعاية المتمركزة حول المريض    رئيس مجلس النواب: مصر لا تهزم وجيشها هو درعها وسيفها    "مدبولي" يُوجه بتعزيز آليات رصد الاستغاثات الطبية مع تقديم أفضل استجابة ممكنة بشأنها    حقيقة انتشار فيروس HFMD في المدراس.. وزارة الصحة تكشف التفاصيل    إنقاذ حياة طفلين رضيعين ابتلعا لب وسودانى بمستشفى الأطفال التخصصى ببنها    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    رئيس الوزراء: الصحة والتعليم و"حياة كريمة" فى صدارة أولويات عمل الحكومة    مبابي يقود قائمة يويفا.. وصراع شرس مع هالاند وهويلوند على لاعب الأسبوع    مبابي ينصف جبهة حكيمي بعد تألقه اللافت أمام برشلونة    في أول عرضه.. ماجد الكدواني يتصدر إيرادات السينما بفيلم فيها إيه يعني    احتفالات قصور الثقافة بنصر أكتوبر.. 500 فعالية بالمحافظات تعكس دور الثقافة في ترسيخ الهوية المصرية    مفهوم "الانتماء والأمن القومي" في مناقشات ملتقى شباب المحافظات الحدودية بالفيوم    حقيقة فتح مفيض توشكى والواحات لتصريف مياه سد النهضة.. توضيح من خبير جيولوجي    أرتيتا: جيوكيريس يتحسن باستمرار حتى وإن لم يسجل    الداخلية تضبط 100 حالة تعاطٍ للمخدرات وقرابة 100 ألف مخالفة مرورية في 24 ساعة    الرقابة المالية تصدر ضوابط إنشاء المنصات الرقمية لوثائق صناديق الملكية الخاصة    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    إصابة شقيقتين في انهيار سلم منزل بأخميم بسوهاج    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 فى المنيا    مصرع وإصابة 11 شخصا إثر حريق هائل يلتهم عقارًا في فيصل    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    بقرار جمهوري، مجلس الشيوخ يفتتح اليوم دور الانعقاد الأخير من الفصل التشريعي    ترامب يقرر اعتبار أي هجوم على قطر هجومًا على أمريكا    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية مجهولة تكشف بداية جورج بيريك المتعثرة
نشر في نقطة ضوء يوم 21 - 12 - 2016

نعرف جيداً الصرح الأدبي الذي شيّده الكاتب الفرنسي جورج بيريك (1936- 1982)، لكنّ الأساس الذي ارتفع عليه هذا الصرح كان لا يزال مجهولاً حتى هذا العام. والمقصود هنا، الرواية الأولى التي وضعها بيريك بعنوان «اعتداء ساراييفو»، وأصبح في إمكاننا اليوم قراءتها بعد صدورها حديثاً عن دار «سوي» الباريسية.
مخطوط هذه الرواية كان ضائعاً، قبل أن يُعثَر أخيراً على نسخة مصحّحة منه لدى ابنة عم الكاتب، إيلا بيينينفيلد، وعلى نسخته الأولى لدى إحدى زميلاته من أيام الدراسة. وكانت هذه المرأة لعبت عام 1957، دور السكرتيرة التي أملى بيريك عليها شفهياً نصّه بظرف خلا ثلاثة وخمسين يوماً. وفي ذلك العام، كان صاحب «الحياة، دليل الاستعمال» في سنّ الواحدة والعشرين وكان يرغب بقوة في الكتابة، لكنّ عدم تمكّنه من ذلك دفعه الى السفر إلى يوغوسلافيا لمدة ستة أسابيع. رحلة منحته مادة هذه الرواية التي أرسلها، بعد رفض دار «سوي» نشرها، إلى الناقد الكبير موريس نادو. وقد أثنى على موهبته لكنه دعاه، في الرسالة التي وجّهها إليه، إلى وضع هذه الرواية جانباً والانطلاق في كتابة رواية أخرى.
وبغية فهم مضمون «اعتداء ساراييفو» وظروف كتابتها، لا بد من العودة مجدداً إلى عام 1957 للإشارة إلى أن بيريك كان يعاشر في تلك الفترة مجموعة من الكتّاب والفنانين اليوغوسلافيين، أبرزهم مؤرّخ الفن زاركو فيدوفيتش الذي صادقه وعرّفه إلى عشيقته ميلكا كاناك، فوقع بيريك في حبّها فوراً ولحق بها إلى بلغراد على أمل إغوائها. ومع أنه فشل في بلوغ مبتغاه، ساهمت هذه التجربة في شفائه من مرض النهك العصبي (neurasthénie)، فأوقف التحليل النفسي الذي كان بدأه قبل عام، وأملى على زميلته روايته الأولى.
ماذا حصل في ساراييفو؟ السؤال المطروح منذ الفصل الأول من الرواية ذو طبيعة مزدوجة. فهل يكشف بيريك في هذا العمل سرّاً حول ظروف اغتيال وليّ العهد النمسوي، الأرشيدوق فرنسوا فردينان، وفي الوقت نفسه، ظروف علاقته بالشابة ميلكاو وتفاصيلها؟ الأكيد أنه لم يكن يملك بعد القدرات الكتابية واللعبية المذهلة التي تجلّت لاحقاً في مجموعة «أوليبو» الطليعية، ولا النظرة المحرّرة من الأوهام لصاحب «الأشياء» (1965) و«رجل نائم» (1967). فما أن نبدأ القراءة حتى يتبيّن لنا أن الرواية المكتوبة بصيغة المتكلم هي كلاسيكية، ترتكز عملية السرد فيها على الاستنباط والتحليل السيكولوجي، وتتبع في بدايتها حرفياً ما نعرفه عن قصة الكاتب مع زاركو وميلكا، مع تعديل بسيط في الأسماء.
بطل الرواية وراويها هو فعلاً شاب فرنسي يرتبط في باريس بصداقة مع مفكّرين وفنانين صربيين، واحدٌ منهم يدعى برانكو ويعرّفه إلى عشيقته ميلا حين تأتي إلى باريس لزيارته، فيقع الراوي في حبّها. وبما أن هذه الشابة الجميلة تعيش في بلغراد، يلحق بها إلى هذه المدينة عازماً على الارتباط بها بأي ثمن، بينما يعود برانكو إلى ساراييفو حيث يعيش مع زوجته. وبعد محاولات حثيثة، ينجح الراوي في كسب قلب ميلا. لكن بما أن برانكو يملك سطوة كبيرة عليها، يسافر الراوي إلى ساراييفو من أجل إقناعه بضرورة التخلّي عن عشيقته لمصلحته. وحين يفشل في ذلك، يدبّر مكيدة له عبر دفع زوجته إلى اغتياله.
وتمنح هذه المكيدة المحاكة بدهاء بيريك فرصة للعودة إلى عملية اغتيال نفّذها الصربي القومي الشاب غافريلو برينسيب عام 1914 ضد الأرشيدوق فرنسوا فردينان، وكانت الشرارة التي أشعلت الحرب العالمية الأولى. وفي هذا السياق، نراه يخطّ مرافعة يعيد فيها تأهيل الشاب برينسيب الذي لم يفلت من حبل المشنقة إلا لأنه لم يكن قد تجاوز سن العشرين أثناء فعلته. عمليتا اغتيال إذاً، تتشابك فصولهما داخل الرواية ويطرح بيريك عبرهما مجموعة أسئلة تليق بشخصية راسكولنيكوف في رواية دوستويفسكي «الجريمة والعقاب». أسئلة كثيرة تتقاطر نحو سؤال جوهري واحد: مَن المسؤول الحقيقي عن جريمة، منفّذها أم مَن هيّأ ظروفها وأوحى للمنفّذ بارتكابها؟
«اعتداء ساراييفو» ليست رواية ناجحة، بل تعاني من شوائب عدة لعل أبرزها إسهاب أو ربما حشو في بعض فصولها، ما أنتج خللاً في إيقاعها السردي، وضعفاً في تصوير عذابات بعض الشخصيات وتحليلها. وبالتالي، إن دلّت هذه الرواية على شيء فعلى أن عبقرية بيريك، التي ظهرت لاحقاً، لم تكن تكمن في النوع الروائي السيكولوجي ولا في سرد قصص عاطفية. وهذا ما يفسرّ عدم محاولته إعادة كتابتها، ملتزماً في ذلك بنصيحة الناقد موريس نادو.
لماذا إذاً عمدت دار «سوي» إلى نشرها اليوم؟ لأنها تحمل توقيع عملاق طبعاً، لكن خصوصاً لأنها تحمل في طيّاتها بذور أعمال بيريك اللاحقة. ففي هذا النص، يمكننا أولاً قياس مدى استعانة الروائي بسيرته الذاتية منذ بداية مساره. يمكننا أيضاً الاطّلاع على الإطار الروائي الأول الذي أدرج فيه قصة شخصية ضمن حدث تاريخي كبير، سارداً القصة والحدث بطريقة موازية، تماماً كما فعل لاحقاً في روايتي «ذكرى طفولية» و«سرديات من جزيرة إيليس».
أكثر من ذلك، يتجلّى بيريك الذي نعرفه من خلال النظرة التي يلقيها الراوي على الشابة ميلا. فقبل أن يتعرّف إليها، يُفتَن بصورتها التي يراها في غرفة عشيقها برانكو، ثم يمضي وقتاً طويلاً في تحليل الفارق بين الصورة والواقع، وهي وضعية اعتدناها في روايات الكاتب اللاحقة. يتجلى بيريك أيضاً من خلال سخرية الراوي الثابتة من نفسه وموقفه السلبي من منافسه برانكو الذي تعسكه الجملة التالية: «تجاه هذا الرجل الذي اختطفتُ منه امرأته، لم أكن أشعر بأي ذنب».
وفي السياق نفسه، يمكن الإشارة إلى الحضور الكلي لفكرة «اللعب» الغالية على قلب بيريك. فخلال تنافسه مع برانكو على حب ميلا، يقول الراوي: «أستخدمُ دائماً عبارات مستعارة من عالم الرياضة، مثل فرصة مواتية، تسجيل نقاط، تعادُل، ضربة حاسمة... كما لو أن ميلا هي كرة روكبي». وفعلاً، تبدو هذه الشابة في «اعتداء ساراييفو» كأنها رهانٍ ومحطّ أطماعٍ أكثر منها شخصية بذاتها، ويتطلب بلوغها تطوير استراتيجيات هجومية ومناورات وخداعاً واحتلال مواقع، كما في ألعاب مختلفة.
أحياناً، يمكن أن نستدل عبر نبرة الرواية إلى بيريك الذي نعرفه، علماً أننا نفتقده عندما نتأمّل في شكل الرواية الذي تنعدم فيه تلك الهندسة البهلوانية الرائعة التي عوّدنا عليها، أو حينما نفتّش عن تلك الطرافة الفريدة التي ألهبت نصوصه اللاحقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.