رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي للمشروعات التنموية والاستثمارية في محافظة الإسكندرية    الاثنين 22 ديسمبر 2025.. البورصة تعاود الهبوط    تصعيد إسرائيلي.. قوات الاحتلال تهدم مبنى سكنيا في القدس الشرقية    وزير الخارجية يؤكد على الأهمية المحورية للإعلام الوطني في دعم الأمن القومي المصري    7 أهداف.. ماذا قدم محمد صلاح مع منتخب مصر في أمم أفريقيا قبل نسخة 2025    الداخلية تضبط 3 عناصر إجرامية بتهمة غسل أموال بقيمة 350 مليون جنيه    وزير الثقافة يلتقي الفنان أمير صلاح الدين لبحث إطلاق مهرجان «المسرح والموسيقى للجميع»    كأس أمم أفريقيا 2025.. تعرف على تشكيل زامبيا لمواجهة مالى    تصنيف فيفا - منتخب مصر يتراجع للمركز 35.. ولا تغييرات في القمة    إيران تجري تجارب صاروخية في 5 محافظات    فرحة وحيدة لمنتخب مصر في الاستضافة العربية لأمم أفريقيا    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    مدرب تونس: حسام حسن تحت ضغط كبير.. ونسعى لمصالحة الجماهير بعد إخفاق كأس العرب    مدير تعليم الجيزة يواصل سياسة العمل الميداني بزيارة مفاجئة لإدارتي «العياط والصف»    أبو بكر رئيسا لمجلس إدارة غرفة البترول والتعدين.. ضاحي وزاهر وكيلين    رئيس جامعة القاهرة يجري سلسلة لقاءات رفيعة المستوى بالصين لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي    الإدارية العليا تحجز 48 طعنا على نتيجة 30 دائرة ملغاة بانتخابات النواب لجلسة 24 ديسمبر    الخطيب يبحث مع وزير التجارة الكوري تعزيز العلاقات الاستثمارية    وزارة شئون القدس تطالب بتدخل دولي عاجل لوقف هدم منازل المقدسيين    مصدر من الأهلي يكشف ل في الجول تطورات ملف المحترفين والراحلين.. وموقف توروب    هل طلب بيراميدز ضم ناصر ماهر من الزمالك ..مصدر يوضح    مدرب تونس: حسام حسن يواجه ضغطا.. وأتمنى مصالحة الجماهير فى أمم أفريقيا    الانتقام المجنون.. حكاية جريمة حضرها الشيطان في شقة «أبو يوسف»    السيطرة على حريق بسوق عرفان فى محرم بك بالإسكندرية دون إصابات.. صور    حداد ودموع في طابور الصباح.. مدرسة بمعصرة صاوي تنعى تلميذين لقيا مصرعهما في حادث الطريق الإقليمي    إطلاق حملة "ستر ودفا وإطعام" بالشرقية    رئيس الشيوخ يهنئ الشعب المصري بمناسبة العام الميلادي الجديد    ريهام عبدالغفور: ترددت في قبول دوري بفيلم "خريطة رأس السنة"    شهد أمين : جوائز قرطاج ل "هجرة" هي إنجاز جديد للسينما السعودية    محافظ كفر الشيخ يوجه ببحث عدد من طلبات وشكاوى المواطنين    حكم المسح على الشراب الخفيف أثناء الوضوء.. دار الإفتاء توضح    مدبولي: الرئيس السيسي وجه بسرعة تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل في جميع المحافظات    مدبولي: توجيهات من الرئيس بإسراع الخطى في تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل    محافظ المنوفية يتفقد مركز خدمة عملاء مركز معلومات شبكات المرافق بقويسنا.. صور    رئيس جامعة سوهاج يلتقي الفريق الطبي المُنقذ للطفل «يوسف» ويشيد بجهودهم    الأزهر يشارك في احتفالية اليوم العالمي للغة العربية بجناح وورش للخط العربي وجولة لطلابه بمتحف الحضارة    كنز بطلمي يخرج من باطن الأرض محافظ بني سويف يتفقد أسرار معبد بطليموس الثاني بجبل النور بعد أكثر من عقد على اكتشافه    غرف دردشة الألعاب الإلكترونية.. بين التفاعل الرقمي وحماية الأطفال    تأجيل اعادة إجراءات محاكمة متهم بخلية اللجان النوعية بالمرج    جامعة قناة السويس تكرّم قياداتها الإدارية بمناسبة التجديد    المصري يواجه دكرنس اليوم في بطولة كأس مصر    مصر تواصل تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة إلى قطاع غزة    محافظ سوهاج يعلن إتاحة التصديق القنصلي على المستندات بمكاتب البريد    اتحاد المهن الطبية: 30 ديسمبر آخر موعد للاشتراك في مشروع العلاج    ننشر مواعيد امتحانات الفصل الدراسى الأول بمحافظة القاهرة    وكيل الأزهر يحذِّر من الفراغ التربوي: إذا لم يُملأ بالقيم ملأته الأفكار المنحرفة    بعد قليل.. أمين «البحوث الإسلامية» يشهد مراسم صلح في خصومة ثأريَّة بالأقصر    معلومات الوزراء: ارتفاع الاستثمارات المخصصة للتنمية البشرية ل28% 2025/ 2026    جيفرى إبستين.. العدل الأمريكية تدافع عن النشر الجزئى وعودة صورة ترامب المحذوفة    روائح رمضان تقترب    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظتي الجيزة القاهرة    وزير قطاع الأعمال: نحرص على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي    وزير الثقافة ورئيس صندوق التنمية الحضرية يوقّعان بروتوكول تعاون لتنظيم فعاليات ثقافية وفنية بحديقة «تلال الفسطاط»    شعبة الملابس الجاهزة تكشف ارتفاع الصادرات بأكثر من 21% منذ بداية 2025    نائب وزير الصحة والسكان يعقد اجتماعاً مع وفد رفيع المستوى من دولة ليبيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    ويتكوف: روسيا لا تزال ملتزمة تماما بتحقيق السلام فى أوكرانيا    أستاذ بالأزهر يوضح فضائل شهر رجب ومكانته في ميزان الشرع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشمندورة .. رواية «متجاهلة» أسَّست الأدب النوبي
نشر في نقطة ضوء يوم 24 - 11 - 2016

فَتحتْ الطبعة الثانية من رواية «الشمندورة» (دار الكرمة) للكاتب محمد خليل قاسم (1922 - 1968) جراحاً نوبيةً ووطنية عدَّة، لكون دار نشر خاصة وليس مشروع «مكتبة الأسرة» التابع لوزارة الثقافة، هي التي تذكَّرت تلك الرواية المؤسِّسة للأدب النوبي. وكانت الطبعة الأولى من العمل نفسه قد صدرت عن دار «الثقافة الجديدة»، الخاصة أيضاً. ومن بين أسوأ المفارقات، أن الجميع - نقاداً ومثقفين وقراءً - يعترفون لهذه الرواية، بوصفها العمل الأدبي المؤسس، في الرواية المصرية الحديثة، عموماً، والعمل المؤسس للرواية النوبية، على وجه الخصوص، تماماً مثلما يشهدون أيضاً وبالحماسة ذاتها، على أن «الشمندورة» - ويا للغرابة - تعتبر واحدة من أهم الروايات العربية، التي تعرَّضت للظلم والاستبعاد من مؤسسات النشر الرسمية، والتجاهل النقدي والأكاديمي في الجامعات، لأسبابٍ تتعلق بأحداثها بالذات، وبالقضية العادلة جداً لهؤلاء الذين تحكي عنهم الرواية. تجاهلُ أول رواية نوبية، وصل إلى حد أن مشروعاً للنشر بحجم «مكتبة الأسرة»، تقوم عليه وزارة الثقافة المصرية منذ أكثر من عشرين عاماً، ويطبع العشرات من الروايات سنوياً، للأحياء والأموات، لم يتذكر القائمون عليه أبداً، إصدار طبعة من رواية «الشمندورة»، ولو على سبيل «التعويض» المتأخر للكاتب، الذي فضح كثيراً من «مهازل تعويضات» الحكومة. جزء كبير من الصيت الذي حصلت عليه الرواية، يأتي من شخصية صاحبها، نوبي الأصل، الذي انتمى إلى اليسار المصري، وعمَّر طويلاً في سجون الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، خلال عقدي الخمسينات والستينات، من القرن الماضي، وربما لأن روايته - الوحيدة - ذاتها كُتبت خلف أسوار السجن، حيث دوَّنها بقلم «كوبيا»، على ورق «بفرة»؛ مُخصَّص للسجائر. وهُرِّبت الأوراق إلى خارج «سجن الواحات»، لتنشر في ما بعد مُسلسلةً، في مجلة «صباح الخير» القاهرية، وتصبح درّة الأدب النوبي.
كلمة «الشمندورة»؛ تعني الجسم الذي يطفو على سطح الماء ويستخدم في ملاحة السفن، والرواية تنتمي جمالياً إلى تيار الرواية الاجتماعية الواقعية، إلا أن الكاتب منح هذا الشكل التقليدي للرواية، قيمة إضافية بتجسيده روح هذا العالم، الذي لم يعد موجوداً، في محاولة أدبية لاستعادتِهِ، تأخذ القارئ إلى رحلة الآلام بين دروب قرية غارقة. هي أول رواية، تتناول طرفاً من هموم «مئة ألف مصري»، اضطروا لترك ديارهم، نزولاً على رغبة حكومات ما قبل 23 تموز (يوليو) 1952، في تحويل مناطق نوبية خصبة، إلى جزء من «خزان أسوان»، بُغية توسيع الرقعة الزراعية في المحافظات المصرية. ومنذ «التنويه»؛ يلفتنا الكاتب إلى أن «الأسماء في هذه الرواية شائعة بين النوبيين، فإذا ما حدث تشابه بينها وبين أسماء أشخاص حقيقيين، فليسوا مقصودين بالمرة»، فيبدو التداخل واضحاً، بين حياة الكاتب وسيرته الذاتية من ناحية، وأحداث الرواية من ناحية أخرى. الذي لا شك فيه، هو أن محمد خليل قاسم، المولود في قرية «قته»، عاش مأساة تعرض قرية نوبية بكاملها إلى الغرق، بسبب توسعة «خزان أسوان الثانية»، وهذا ما ترويه أحداث الرواية بالضبط، باستخدام الاسم الحقيقي للقرية، «قته»، الواقعة في نطاق محافظة أسوان، في جنوب مصر.
من «بر عيد ولحظ»، و«بكر» إلى «صالح جلق»، ومن خلال المواجهة بين الفقراء؛ نساءً ورجالاً، والأفنديات والطرابيش الحمر والوجوه المستديرة، يعيش العالم الصغير لقرية على ضفاف النيل، غنياً بالعلاقات العاطفية. فأكثر الشخصيات تميزاً هن النساء، بدءاً من الأم المصابة دائماً بالإعياء، والتي كثيراً ما تسقط فاقدة الوعي، إلى «داريا سكينة» المرأة التي أجهدها الفقر وأتعبها رحيل ابنها إلى أحضان نساء القاهرة البيضاوات، إلى زوجة «جمال»، القاهرية المرفوضة، إلى «حسن المصري» الصعيدي، الذي هبط مجتمعاً مغلقاً، ليختبئ فيه من جريمة ارتكبها بذبح زوج عشيقته، لكنه يشعر في هذه القرية أنه وحيد، ويقول من أول الرواية إلى آخرها: «مصير الغريب «يردع» - يرجع - لبلده»، إلى أن يتم تهجير القرية كلها، ولا يعود الغريب إلى بلده أبداً.
لقد سجّل خليل قاسم على لسان الطفل «حامد»، الذي لم يبلغ العاشرة بعد، وصفاً مُستفيضاً للحجرات والبيوت والعادات والتقاليد والأصوات والحقول والبشر، ولمجمل الحياة اليومية لقرية نوبية تنام في حضن النهر، وكيف دخلت ضمن «توسعة الخزان الثانية» العام 1933، فأصبحت أحلام سكانها البسطاء غارقة تحت «بحر النيل»، حيث رأى المياه تزحف من بعيد لتغمرَ البيوت والأراضي الخصبة، التي عاش فيها أهالي القرية سنوات طويلة، ليقبلوا في نهاية الأمر تعويضات حكومية هزيلة ومُجحِفة، نقلتهم للإقامة في مناطق صحراوية قاحلة، اعتبرت أسوأ ما يُمكن، أن يحصل عليه مزارعون بسطاء من تعويضات. الراوي الطفل، هو ابن «الشيخ أمين»، التاجر، الذي يتعرف إلى نمط «المقايضة» الاقتصادي، المتبع في «بقالة» والده، الذي كان لايزال سائداً هناك، خلال عقد الثلاثينات من القرن العشرين.
فالأهالي غير المتعلمين - والذين لا يملكون سوى بلح النخيل وما يرسله أبناؤهم من قروش قليلة من الخارج - يسحبون ما يريدونه طوال العام، من أطعمة واحتياجات منزلية، من دكان «البقال»، ليقوم هو بتسجيل كل شيء، ويحصل على ثمنها بَلَحاً، يقوم ببيعه في ما بعد، نظير جنيهات قليلة، يشتري بها بضاعته، من جديد.
على رغم أن خليل قاسم لم يصدر سوى مجموعة قصصية واحدة بعنوان «الخالة عيشة»، إلى جوار روايته تلك، إلا أنه سرعان ما أصبح «الأب الروحي» لجيل من الأدباء النوبيين، منهم حجاج أدول الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية العام 1990 عن مجموعته القصصية المتميزة، «ليالي المسك العتيقة»، ويحيى مختار، الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية العام 1992، عن مجموعته القصصية «عروس النيل»، والراحلان إدريس علي، صاحب رواية «دنقلة»، وإبراهيم فهمي، صاحب مجموعتي «القمر بوبا» و«بحر النيل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.