القصائد .. هذا الكون المفعم بالتأمل حيث لا عبارة خارج شغف السؤال والذكرى والهمس، ومن هنا تبرز المفردة الشعرية تقول حالاتها وتحولاتها في ضرب من تمثل الراهن بأحلامه وانكساراته وخساراته الجميلة. نعم الشعراء يغنمون من خساراتهم هذه حرير المعاني ولا عزاء لهم غير القصيدة تطرق باب التمني لديهم ويمضون اليها طوعا وكرها. إنها لعبة السراب الفادحة حيث اللهاث وراء الكلمات وتلك متعة لا تضاهى. " تحرك مياه الأسئلة ترفض بديهيات الأجوبة تلبس العري رداء تزاوج الخطيئة بالحقيقة تنفخ في صمت الروح تلهب المواقد من دفء الهمس من رعدة الرجفة رعاف الجبل ينبجس أنات ضمير مستتر أداة نداء لامرأة من سراب أنت هي.. هن هي من ستشهق النهاية اسمها ..." هكذا نلج عوالم القصيدة لدى شاعرة ترى الكتابة ضربا من الاقامة المربكة بين الحلم والأسطورة وراهن الأحوال للقول بما يعتمل في الذات من شجن دفين وتبثه في الكلمات تخاطب الذاكرة والرجل ولا ترتجي غير الذهاب عميقا في الجنون بما يعنيه من الوله والعشق لاستنهاض الكامن في الإنسان من وعي وخيال قتلا للوهم وما يجر اليه من خيبات. " لك في كل قصيد حرف وبكل رواية عشق خيال .. وهما شيدته أفكارك وتعلو بك الهامات وتظل أنت خاليا الا من فراغك ". الشاعرة نائلة طاهر في هذه المجموعة الشعرية الصادرة مؤخرا وضمن عنوان هو " عاشق النرد" تأخذ القارئ طوعا وكرها الى هذه العوالم الشعرية التي تكتظ بالبوح الباذخ في هذي الأكوان التي تشهد السقوط والتداعيات المريبة حيث الحب ذاك الملاذ في عتمة الأشياء والعناصر والتفاصيل. "أمس كتبتك حياة والليلة سأميتك أنت تعلم أمتع جرائم الحب وأشرف الحروب هي التي تدخل باسم الانتقام وبإرادة العاشقين". قصائد "عاشق النرد" نهج شعري تخيرته الشاعرة نائلة طاهر بين البوح والتلميح والتصريح أحيانا لتكشف حيزا من مرارة السؤال والتجربة ربما. فنحن بصدد شعر يرج الذات ليكشف تفاصيل تداعياتها وهي تحفل بالمراوحة بين أمجاد الحب والوجد والهيام وقسوة الأحوال وما آلت اليه من تحولات مدمرة. والليل يظل ملاذ الشعراء والقصائد ليجهش الكائن بانكساراته ويفشي شيئا من خيباته في ما يشبه ذاك النواح الخافت. " أيها الليل المسافر فينا خذ ودائعك مني من أنفاسي وما أورثتني من جنون هذا قدري بقيد أسر يسحب ما تبقى من ورد وجهي ..." إنها الكتابة الشعرية بوعي الذات الحارق زمن الأفول في حاضرها المشوب بالمرارة وقادمها المجهول وهنا لعبة النرد التي لا تكشف عن مآلها. إنها المغامرة والشاعرة تعي لعبتها جيدا مع الكلمات والمعاني، فأسئلة الوجود والحيرة والخيبة والماضي تجتمع وبأسلوب الشاعرة في قصائدها هذه ضمن الاشارة الى الحلم. إنها لغة الحلم الفارق الطالع من أعمدة النسيان والخيبة. " حالم بالسرمد في رحم الموت رفات تستحيل جسدا بوحي روح صامتة تغرس أحلامك في سماء الغيم تبكي في حرقة السحاب تستعير من مساءات الخريف لغنه الفارقة تدفن خارطة الخزائن في صدر أنثى السراب تراودك الأسرار تستدعي ركام دمارك من ثمالة الحقيقة". عمل شعري سعت فيه وخلاله الشاعرة نائلة الطاهر إلى ضرب من القول يذهب الى أعماق الذات يفكك شيئا من قلقها ويعلي من شأن البوح في مواجهة السقوط والصخب واعتلالات القلب ونبشا في خرائب الرجل حتى ينهض ليبارك لون الحب كتعويذة تجاه الخراب. خراب الروح والقيم والأمكنة. "عاشق النرد" ديوان شعري للشاعرة نائلة طاهر صدر مؤخرا وهو من الحجم المتوسط في 117 صفحة عن "السوتيباقرافيك " للنشر.