كان نشر العلامة الراحل د. شوقي ضيف لكتاب "الرد على النحاة" لابن مضاء القرطبي سنة 1947 باعثا له - منذ تحقيقه له – على التفكير في تجديد النحو بعرضه عرضا حديثا على أسس قومية تصفيه وتروقه وتجعله داني القطوف للناشئة. ومن ثم جاء هذا الكتاب "تجديد النحو". وقد أوضح د. ضيف في مقدمته الأسباب التي دفعت إلى كتابة هذا الكتاب منذ أن قدم مقترحا لتيسيير النحو لمؤتمر مجمع اللغة العربية عام 1945، قال "قد رأيت ابن مضاء يهاجم نظرية العامل في النحو، وكل ما اتصل بها من كثرة التقدير للعوامل المحذوفة وكثرة العلل والأقيسة مما أحاله إلى ما يشبه شباكا معقدة، وكلما تخلص دراسة من إحدى شباكه تعثر في أخرى، فضلا عن شباك التمارين الافتراضية، وربما كانت حلقات نسيجها أكثر ضيقا. وأكثر هذه الشباك لا تدعو إليه حاجة لسانية في تصحيح النطق بالكلام". وأضاف "كانت الصيحات ترتفع منذ أكثر من أربعين عاما مطالبة بتيسير النحو وتخليصه مما فيه من تعقيد وعسر شديد وتألفت لذلك لجنة بوزارة المعارف (التربية والتعليم الآن) وكتبت تقريرا مسهبا ضمنته مقترحاتها للتيسير المنشود. ودرس مجمع اللغة العربية في مؤتمره سنة 1945 هذه المقترحات وأدخل عليها بعض التعديلات وألفت بعد الثورة كتب النحو التعليمي على ضوء صورة التيسير التى أقرها المجمع غير انه لم يكتب لها النجاح". ولفت إلى أنه كان قد وضع بين يدي تحقيقه لكتاب "الرد على النحاة" لابن مضاء القرطبي مدخلا طويلا اقترح فيه تصنيفا جديدا للنحو يذلل صعوباته، وقد كان هذا التصنيف الذي جاء على ثلاثة أسس مدخلا في تأليفه لهذا الكتاب، وتتمثل الأسس الثلاثة في: أولا: إعادة تنسيق أبواب النحو بحيث يستغني عن طائفة منها برد أمثلتها إلى الأبواب الباقية حتى لا يتشتت فكر دارس النحو في كثرة من الأبواب توهن قواه العقلية. والأساس الثاني: استضأت فيه بجوانب من آراء ابن مضاء في كتابه، وبمقترحات لجنة المعارف سالفة الذكر وقرارات مؤتمر المجمع اللغوي، وهو إلغاء الإعراب التقديري في المفردات مقصورة ومنقوصة ومضافة إلى ياء المتكلم ومبنية. ورأيت في أن يقال فيها جميعا محل الكلمة الرفع أو النصب أو الجر. كما رأيت إلغاء الإعراب المحلي في الجمل بحيث لا يقال مثلا: الجملة خبر محلها الرفع بل يكتفيي بالقول إن الجملة خبر ومثلها جملة النعت وجملة الحال وجملة الصلة وجواب الشرط. والأساس الثالث: أن لا تعرب كلمة لا يفيد إعرابها أي فائدة في صحة نطقها، ويتضح ذلك في إعراب النحاة كلمة "أنْ" المخففة – في رأيهم – من "أنَّ" الثقيلة وأختها "كأنْ" المخففة وإعراب لاسيما، وبعض أدوات الاستثناء وكم الاستفهامة والخبرية وأدوات الشرط الإسمية. وأشار د. ضيف إلى أنه في سنة 1977 قدم إلى مجمع اللغة العربية مشروعا لتيسير النحو أقامه على الأسس الثلاثة السابقة وأضاف إليها أساسا رابعا وهو وضع تعريفات وضوابط دقيقة لأبواب المفعول المطلق والمفعول معه، والحال، تجمع صور التعبير في كل منها جمعا وافيا. وقد أحال المجمع المشروع على لجنة الأصول وتدارسته دراسة علمية قيمة أفاد منها وانتفع بها. وأقرت اللجنة شطرا كبيرا من مقترحات المشروع معدلة في جوانب منها واعتمد مؤتمر المجمع قراراتها في سنة 1979. وقال: "ظلت – بعد ذلك – أفكر في وضع كتاب أجدد به النحو وأقربه من دارسيه بحيث يصبح مذللا سائغا لهم وأخذت في وضعه مهتديا بالأسس الأربعة التى تضمنها مشروعي لتيسير النحو الذي قدمته إلى المجمع بادئا بتنسيق أبوابه تنسيقا جديدا بحيث حذفت منها ثمانية عشر بابا فرعيا كانت تثقل النحو وتجهد دراسة وترهقه من أمره عسرا. واهتديت إلى أساسين جديدين: خامس وسادس ضممتهما في تأليف الكتاب إلى الأسس الأربعة السابقة وكنت قد بسطت القول فيهما بمحاضرة لي في مؤتمر المجمع لسنة 1981". الأساسان الجديدان اللذان أضافهما د. ضيف هما "الأساس الخامس فحذف زوائد كثيرة في أبواب النحو تعرض فيه دون حاجة، وهي تارة تتصل بشروط تقتحم على الباب تغني عنها الأمثلة، وتارة ثانية تتصل بأحكام تحشد في الباب تغني عنها أيضا أمثلته وصيغه، وتارة ثالثة تتصل بصيغ نادرة أو شاذة يزج بها في الباب زجا، وتارة رابعة تتصل بعقد وألغاز في بعض الأبواب لا تكاد تفهم إلا بأن يجدد لها الأفهام مرارا وتكرارا، وكثيرا ما تدفع إلى بلبلة في الحكم النحوي السليم. وكل هذه المتسلقات والأعشاب التى ملأت كتب النحو نحيتها عن الكتاب. والأساس السادس لا يقل أهمية عن سابقه وهو خاص بزيادة إضافات لأبواب ضرورية – بجانب إضافات فرعية تتخلل الكتاب – لتمثل الصياغة العربية وأوضاعها تمثلا دقيقا. والكتاب موزع على مدخل وستة أقسام: قسمان للصرف وأربعة أقسام للنحو. وقد بين د. ضيف في المدخل أسس تجديد النحو في الكتاب وتوالت في أقسامه الإضافات الفرعية، فقد أضاف في فاتحة القسم الأول الصرفي منه قواعد لنطق الحروف وصفاتها وحركاتها وما يداخلها من التشديد والتنوين والمد والإدغام والإبداع مع عرض مواضع ألف القطع وألف الوصل. ورأى د. ضيف أن معرفة ذلك كله ضرورية لنطق الكلمات وحروفها في العربية نطقا سليما، وأضاف إلى هذا القسم الصرفي الأول في الكتاب وعرضه فيه لأقسام الفعل: جداول تصريفه مع ضمائر الرفع المتصلة ومع نون التوكيد، حتى يتمثل دارس النحو هذين النوعين من التصريف تمثلا حسنا. وفي القسم الصرفي الثاني الخاص بتقسيمات الاسم وتصاريفه أضاف د. ضيف "الاستعلامات المتنوعة لتاء التأنيث اللفظي والفرق بين نون المثنى وجمع المذكر السالم ونون الافعال الخمسة، كما أضفت اسم الجمع واسم الجنس الجمعي والمصدر الصناعي، إلى غير ذلك من استعلامات وصيغ مهمة، ووضعت في هذا القسم باب المضاف والمضاف إليه وباب المتبوع والتابع: نعتا وعطفا وتوكيدا وبدلا ليستقر في ذهن دارس النحو ان هذين البابين من أبواب الأسماء المفردة لا من أبواب الجمل. وأضفت في القسم الثالث الخاص بالمرفوعات إلى باب المبتدأ والخبر صيغا مستعملة قلما اهتم بها النحاة وتدور على الالسنة وفيها يربط بين المبتدأ المفيد للعموم والجملة الخبرية بالألف والواو. وفي باب الفاعل أوضحت جواز التذكير والتأنيث للفعل إذا كان الفاعل جمع تكسير للذكور أو الأناث، كما أوضحت وجوب تأنيث الفعل وإفراده مع جمع ما لا يعقل وعادة لا تهتم كتب النحو ببيان ذلك، وأضفت بيان حذف الفاعل أحيانا وكيف أنه قد يأتي مجرورا لفظا ومحله الرفع وأيضا أن الفاعل قد يكون جملة ومثله نائب الفاعل وذكرت طائفة من الأفعال المستعملة بصيغة الفعل المبني للمجهول". وفي القسم الرابع الخاص بالمنصوبات أضاف د. ضيف إلى باب المفعول به "كاد وأخوتها" و"ظن وأخواتها" و"أعلم وأخواتها" كما أضاف مفعولات تأتي منصوبة وحقها الجر وأخرى تأتي مجرورة لفظا وحقها النصب. وفي باب المستثنى أوضح الفرق بين "إلا" أداة للاستثناء و"إلا" أداة للحصر وأخرجت من الباب "غير وسوى" ليطرد إعرابها في صيغهما المستعملة. وأضاف "كان وأخواتها" إلى باب الحال ونسقت باب التمييز مدمجا فيه صيغ الصفة المشبهة واسم التفضيل وفعل التعجب وأفعال المدح والذم وكنايات العدد وصيغة الاختصاص. كما أدمجت في باب النداء صيغ الترخيم والاستغاثة والندبة. وأضاف في القسم الخامس الخاص بالتكملات في باب الممنوع من الصرف صيغة أخر جمعا لأخرى وصيغ أُحاد ومَوْحد إلى عُشَار ومَعْشر وفتحت بابا لعمل المصدر والمشتقات وبابا ثانيا لحروف الزيادة جارة وغير جارة. وخصص د. ضيف القسم السادس كله للإضافات لأبواب مهمة بدأها ببابين للذكر والحذف في عناصر الصيغة العربية، وللتقديم والتأخير وفي تلك العناصر، ثم أضاف بابا للجملة الأساسية، وبابا لأنواع الجمل وقد قسمتها تقسيما جديدا: جملا مستقلة قائمة بنفسها وجملا خاضعة غير مستقلة ترتبط بكلمة أو جملة قبلها في الكلام ولا تستقل عنها أي استقلال. وأكد د. ضيف أنه بهذا الكتاب حقق أملا طال انتظاره بتجديد النحو على منهاج وطيد يذلِّله ويبسطه ويعين على تمثل قواعده واستكمال نواقصه. الكتاب جاء في قسمين أولين بأقسام الفعل والاسم وتصاريفهما المتنوعة وقد حذف فيه من أقسام النحو التالية ثمانية عشر بابا فرعيا اكتفاء باستيفاء أمثلتها في الأبواب الباقية وحذف كل ما لا يفيد إعرابه صحة في النطق والأداء ووضع ضوابط مستحدثة لبعض الأبواب المبهمة تجمع أمثلتها جمعا بينا وطرح الزوائد والفضول التي كانت عالقة بالأبواب. وأضاف أبوابا جديدة كما أضاف كثيرا من الدقائق المهمة في الصياغة العربية. يذكر أن كتاب "تجديد النحو" للدكتور شوقي ضيف صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وجاءت طبعة 2016 في 282 صفحة من القطع المتوسط. أما الدكتور شوقي ضيف فهو أديب وعالم لغوي مصري والرئيس السابق لمجمع اللغة العربية المصري، ألف حوالي 50 كتابا، أشهرها سلسلة تاريخ الأدب العربي، وشملت مراحل الأدب العربي منذ 15 قرناً من الزمان، من شعر ونثر وأدباء منذ الجاهلية وحتى عصرنا الحديث، ونشر وحقق كتابه الرد على النحاة لابن مضاء.