تؤكد د. إيمان فوزي عمر أستاذ علم المكتبات جامعة حلوان في كتابها "المستودعات الرقمية على الإنترنت" الصادر أخيرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة أن الوصول للمعرفة يعد مطلبا جوهريا لمختلف جوانب التنمية البشرية، ابتداء من الصحة والتعليم إلى تحقيق الأمن الغذائي، وتشييد القدرات والبنية الاجتماعية. وتشير إلى أن هناك عددا من القيود والعقبات التي تحول دون الوصول إلى المعرفة من خلال المنشورات العلمية الأكاديمية في جميع أنحاء العالم وخاصة في البلدان النامية. وتلفت إلى أن تلك القيود والعقبات تتمثل بشكل أساسي في التزايد المستمر لأسعار الدوريات العلمية التي أصبحت حكرا على مؤسسات ودور النشر الكبرى، وعجز القدرات الشرائية للمكتبات البحثية والجامعية على ملاحقتها، الأمر الذي أدى إلى بزوغ حركة الوصول الحر للمعلومات والدعوة إليها والمناداة بها كأحد أساليب الاتصال العلمي بين الباحثين من خلال الوصول للإنتاج الفكري العلمي وتحريره من تلك القيود دون مقابل مادي وبحد أدنى من القيود القانونية؛ للتخفيف من وطأة عدم الوصول للمعرفة وخاصة في المجالات العلمية المتحركة من خلال آليتين أساسيتين هما الدوريات المجانية والمستودعات الرقمية المفتوحة لتتعايش وتتكامل هذه الآليات جنبا إلى جنب مع وسائل النشر التقليدية دون منافسة أو تقويض لها. وترى أن القيمة الأساسية التي يرتكز عليها مفهوم الوصول الحر للمعلومات وممارساته تكمن فى مد نطاق الوصول والإتاحة من خلال تخطى حواجز الترخيص والقيود المادية، لكن رغم تخطى تلك الحواجز والقيود فهناك قصور يحول دون الإتاحة العالمية الحقيقية ويتمثل ذلك القصور في أربعة معوقات الأول: عوائق الإتاحة للمعاقين، وذلك لأن معظم مواقع المستودعات والدوريات المجانية غير ملائمة من حيث التصميم لاحتياجات المستفيدين المعاقين. ثانيا القيود اللغوية: معظم الإنتاج الفكري متاح باللغة الانجليزية أو بلغة واحدة فقط، والترجمة الآلية مازالت تنطوي على كثير من القصور والضعف. ثالثا: قيود الرقابة والتنقية وتتمثل في الحد من الإتاحة وما يمكن الاطلاع عليه من قبل الكثير من المدارس والكليات والحكومات. رابعا قيود الاتصال والتى يعنى بها في الفجوة الرقمية التي تبعد بلايين البشر من بعض القارات التى قد تتضمن ملايين من الكليات الجادة عن التواصل مع الآخرين. ولكي يتحقق الوصول الحر الكامل للمعلومات فلا بد من التغلب على كل هذه المعوقات أو بعضها للوصول إلى الإتاحة الحقيقية للمنشورات العلمية للعالم كله. وحول استراتيجيات الوصول الحر للمعلومات تقول المؤلفة "تتمثل حركة الوصول الحر للمعلومات في إستراتجيتين أساسيتين لإتاحة الإنتاج الفكري العلمي، وكانت مبادرة بودابست أول مبادرة تدعو للوصول الحر للمعلومات، وقد حددت آلياته في الآتي. أولا: دوريات الوصول الحر وهي الدوريات التي تتيح الوصول الحر للمقالات والبحوث دون مقابل مادي - أو ما يطلق عليها الطريق الذهبي وتسمح للمؤلفين باسترداد حقوق النشر الخاصة بهم، وبعض ناشري هذه الدوريات قد يكوّن مؤسسة غير ربحية كالمكتبة العامة للعلوم، أو مؤسسات ربحية. ويبلغ عدد دوريات الوصول الحر وفقا لدليل directory of open access journals والمعروف بDOAJ5977 حتى يناير/كانون الثاني 2011 ما يقارب 496814 مقالا في جميع المجالات العلمية. ثانيا: المستودعات الرقمية المفتوحة وتتيح الوصول الحر للمقالات والبحوث وأشكال أخرى من الإنتاج الفكري لأعضاء الجهة التي تتبعها - ويطلق عليها الطريق الأخضر، ويبلغ عدد المستودعات الرقمية المفتوحة وفقا لدليل المستودعات الرقمية المفتوحة Directory of Open Access Repositories والمعروف ب 1800 مستودع مؤسسي وموضوعي حتى يناير/كانون الثاني 2011 من جميع أنحاء العالم. ومن مشروعات تأسيس المستودعات الرقمية المفتوحة التي توردها المؤلفة: مشروع OpenDepot: يعد جزءا من مشروع SHERPAبالمكتبة البريطانية، وينصب اهتمامه فى المقام الأول على المقالات المحكمة التي خضعت للتحكيم وقُبلت للنشر، وهو مشروع يمكن المؤسسات الأكاديمية ببريطانيا التي لا تمتلك مستودعا من إيداع البحوث فيه، وكذلك الباحثين غير المنتسبين لمؤسسة معينة. وفى حالة ما أنشأت المؤسسات (المنتسب إليها الباحثون الذين أودعوا بحوثهم فى المشروع) مستودعات تابعة لها - يتيح المشروع نقل البحوث إليها بشكل آلي، كما يقدم المشروع إمكانية الوصول للمستودعات المؤسسية عن طريق البحث. مشروع لجنة العلوم والتكنولوجيا Sciences and technology committeeمشروع منبثق عن house of commons UK لمناقشة الحكومة ببريطانيا ومطالبتها بميزانية لكل جامعة للبدء فى إنشاء المستودعات المؤسسية، والتأكد من أدائها لدور الحفظ طويل المدى long-term preservationللمواد العلمية. مشروع Connecting Africaيعد أول مبادرة تسعى لتقديم الوصول الحر للبحوث الأفريقية فى هولنداNetherlands أو فى أي مكان آخر بتمويل من مؤسسة Surf foundation وشبكة تنمية السياسات ومراجعتها Developing policy review Network (DRRN) وبدعم من قبل جمعية الدراسات الأفريقية، ويستضيفه مركز الدراسات الأفريقية African studies centre (ASC) الذى يقدم الدعم الفني والصيانة من خلال العاملين بقسم المكتبة والمعلومات والتوثيق والذي يتولى أيضا تقييم المصادر الرقمية واختيارها، ويقدم هذا المشروع الخدمات التالية: إتاحة تفاصيل عن الخبراء والباحثين والأكاديميين الأفريقيين لتسهيل تتبع الأفكار وإجراء المناقشات وتحفيز التفاعل المهني، إتاحة التفاصيل عن أهم التطورات، وإتاحة عناوين البحوث المنشورة فى أفريقيا وفى أى مكان آخر، وكذلك النص الكامل للمنشورات الأفريقية وملفات الصوت والصورة من 55 مستودعا عن طريق جمع الميتاداتا من خلال بروتوكول مبادرة الأرشيف المفتوح. مستودع الدراسات الأفريقية African studies repository (ASR) وهو أحد المشروعات الأفريقية التي تحاول اختزان الدراسات الأفريقية فى عدة مجالات هي السياسة والاقتصاد والجغرافيا، وعدد من المجالات الأخرى، لتجاوز الفجوة الرقمية والتواصل مع الباحثين، والوصول للمصادر بتطبيق إمكانات الجيل الثاني للويب، ومن أهم ملامح هذا المستودع ما يأتي: إنشاء صفحة شخصية لكل مؤلف التحميل الصاعد للمقالات وإتاحتها للمتصفح تحديد مستوى السرية والخصوصية إمكانية البحث والاسترجاع إضافة التعليقات إنشاء مجموعات من ذوى الاهتمامات المشتركة. مشروع المكتبة الإفريقية Project the African library وهو أحد المشروعات التي تسعى للتخفيف من وطأة المشكلات على الجامعات الإفريقية، وعجز ميزانياتها أمام احتكار الناشرين للدوريات العلمية، وكذلك للتعريف بالنتاج الفكري للباحثين والحد من تكرار البحوث العلمية، ومحاولة تخطى الفجوة الرقمية. ويرى Johnpaul Anbu أن على الجامعات الأفريقية التي تعانى من تراجع الميزانيات والعجز أمام احتكار الناشرين للدوريات العلمية أن تؤسس كل مؤسسة أو جامعة مستودعا ثم تسعى للتعاون فيما بينها لتأسيس شبكة أو اتحاد يضم هذه المستودعات للتعريف بالبحوث الأفريقية وبكل مؤسسة على حدة، وكذلك العمل على الحد من تكرار البحوث العلمية، ومحاولة تخطى الفجوة الرقمية، على أن يدعم ذلك جهات للتمويل، والتشريع للإلزام بإيداع البحوث بالمستودعات. وتستمر المؤلفة في تناول المستودعات الرقمية المفتوحة من خلال ثلاثة فصول يرصد أولها نشأة وتطور المستودعات الرقمية المفتوحة ويلقي الضوء على المحاور الرئيسية لحركة الوصول الحر للمعلومات من حيث تعريفها وأسباب الدعوة إليها وأهم المبادرات والبيانات التي دعت إليها، ثم يتطرق إلى نشأة المستودعات الرقمية المفتوحة سواء الموضوعية أو المؤسسية وتعريفها وأنواعها وعوامل انتشارها، ويشير خلال ذلك إلى الجهود العربية المبذولة في دعم الوصول الحر للمعلومات. وتخصص المؤلفة الفصل الثاني لتقييم المستودعات الرقمية المفتوحة على الإنترنت من حيث الأهداف والمسئولية والمحتوى وإمكانيات التصفح والبحث والإيداع وحقوق النشر والخدمات التي تقدمها المستودعات، والبرنامج المستخدم في تأسيس المستودعات وإدارتها، وتسجيل المستودعات الرقمية المفتوحة بأدوات البحث في مصادر الوصول الحر، وكذلك إتاحتها بفهارس شبكات المكتبات، فضلا عن السياسات والقواعد الإرشادية التي توفرها للمستفيدين، وأخيرا وسائل الدعاية والترويج ومصادر الدعم والتمويل الحالي والمستقبلي للمستودعات، ومدى إسهامها في التغلب على أزمة ارتفاع أسعار الدوريات للمؤسسات التابعة لها. في الفصل الثالث والأخير تضع المؤلفة تصورا مقترحا لتأسيس مستودع مؤسسي جامعي على الانترنت من حيث الأهداف والقائمون على المستودع والمحتوى والميتاداتا والبحث والتصفح والإيداع وحقوق النشر والحفظ طويل المدى، والبرنامج المستخدم في تأسيس المستودعات وإدارتها والمتطلبات التكنولوجية الأخرى، والسيياسات الإرشادية والروابط وتسجييل المستودع بأدوات البحث على الإنترنت، وفهرس المكتبة، والدعاية والترويج ومصادر الدعم والميزانيية وأخيرا تقييم المشروع.