عن رواية “الفهد” للكاتب حيدر حيدر، قدّم المخرج السوري الراحل نبيل المالح فيلمه السينمائي الذي حمل ذات الاسم في عام 1972، ليصنّف لاحقا باعتباره من الأفلام السينمائية الخالدة في العالم، عدا عن كونه أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما السورية. حصل فيلم “الفهد” للمخرج السوري الراحل حديثا نبيل المالح على العديد من الجوائز، من بينها جائزة مهرجان بوزان الدولي للسينما في كوريا الجنوبية، وجائزة تقديرية من مهرجان لوكارنو السينمائي 1972، وجائزة تقديرية من مهرجان كارلو فيفاري عام 1972. “الفهد” وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، ومن بطولة أديب قدورة وإغراء وخالد تاجا، يحكي باللونين الأبيض والأسود حياة البشر في ظل سطوة الظلم والقهر والموت، حتى بعد أن أصبحت شاشاتهم ملونة. يقارن بين الإنسان الفرد، وبين السلطة المالكة لكافة موارد المجتمع الاقتصادية والسياسية والعسكرية والإنسانية منها، أيضا. ويجعلنا ندرك معنى أن تكون هناك كرامة، حقوق ومفاهيم أخرى لا يمكنك العيش دونها، لذا لا بد من المواجهة والدفاع مهما كانت النتائج. تروي التفاصيل قصة رجل فلاح يدرك مدى القهر الذي يتعرض له من قبل الإقطاعيين والاستغلاليين، ومن خلال الموازنة بين هذا النوع من السلطة وبين مفهوم الاستعمار كقوة خارجية تجتاح بلاده وتسلب أراضيه، يجد أن المعنى واحد، ما يدفعه إلى مقاومة العناصر المجسّدة لهما على أرض الواقع، فيكون صدامه المباشر مع “الدرك” الذين يردون على ثورته بمنتهى الوحشية والهمجية، فيعتقلونه ويعذبونه. للاضطهاد ألوان متعددة ومع ذلك، وبعد أن يُفرج عنه ينظّم مقاومته كنوع من التمرّد الجماعي الثوري، ويكون الحاجز الأكبر الذي عليه مجابهته، هو الخوف لا أكثر. بداية الفيلم واعدة بما فيه، تمنحنا الخلاصة قبل أن تحكي لنا حكايته، فكانت العبارات التالية بصوت البطل، مغزى النص من بدايته وحتى نهايته، إذ يقول “دعهم يأخذون الدفء والمعاطف، جسدك والطمأنينة، وفي الليل تحوّل حلما رؤيا صوتا، صدى، ثورة، واسكن في الريح، اخفق من الشرق والغرب، والشمال والجنوب طالعا من جسد الأرض، عابرا في الصنوبر مارا فوق جراح البشر، ثم أختم الرقصة الأخيرة واسقط في حفرتك الضيقة ولا تتأوه، ولادتك تاريخ الدم، وموتك وطن رايته ممزقة”. هي الوصية إذن، بهذه الكلمات، يوصينا الفهد، أو يوصينا المالح إن صحّ التعبير، لنعيش حياة لا يليق بها الذل، ولا بأي شكل من الأشكال، وكأن كلماتها تعويذة تقينا شرور الحياة، أو أنها الخلاص بحد ذاته. يتقاطع الفيلم بأحداثه حول مواجهة السلطة الإقطاعية، مع الواقع الراهن للكثيرين، خاصة لدى أولئك السوريين الذي ينتمي الفيلم إليهم وينطلق منهم، فلم تعد مشاهد القسوة والعنف والتعذيب بغريبة عن حياتهم اليومية التي تشهد أقسى منها بطريقة غير متوقعة أحيانا ويعجز خيالنا عن تصورها. وبعد أن عرض الوصية في مشهده الأول، يعرض المالح المصير في مشهده الأخير، يستدعي حواسنا لتشهد رحيل الفهد بفعل الظلم، لكنه رحيل يولّد ثورة غاضبة، ستحرق الطغاة ولو بعد عقود من الزمن. من خلال عدة لقطات كانت الكاميرا فيها عيون البطل الشعبي “أبو علي” أو عيوننا نحن، مررنا على تضاريس الضيعة، ليس لأجل الوداع، إنما لترقب هدوء ما قبل العاصفة، حيث كانت جموع القادمين الغاضبين هي آخر ما شاهدناه.