قالت الكاتبة نوال السعداوي: إن كتاب "المرأة والصراع النفسي" دراسة أعدتها لنيل الدكتوراه، لكنها رُفضت في البداية ونُبذت، واعتبرتها إدارة الكلية "عيب" و"حرام"، نظرًا لما تتعرض له من جوانب عديدة تحيط بالنساء في المجتمع المصري والعربي، كجسد المرأة، ومراهقتها والزواج والتعليم، وختان الإناث، وكذلك العلاقات الجنسية المُحرمة، وغيرها. وأضافت "السعداوي"، خلال ملتقاها الشهري الثالث عشر، بالمعهد الفرنسي، أنه لا يمكن فهم قضايا المرأة، والقهر الذي يقع على عقلها وجسدها، إلا بعد فهم الجوانب السياسية والاجتماعية، والاقتصادية، والأخلاقية لها، لارتباطها وتأثرها ببعض، مشيرة إلى أنها تعلمت في كلية "الطب" بطريقة غير صحيحة، نتيجة فصل الطب عن العلوم الأخرى. وتطرقت "السعداوي"، في حديثها إلى قضية "أطفال الشوارع"، الذي يبلغ عددهم 3 ملايين طفل، بحسب بعض الإحصائيات، وأغلبهم يُسمون ب"غير الشرعيين"، وصفتها ب"الكارثة"، لا يحلها قانون الطفل، لأن الأزمة اجتماعية واقتصادية وأخلاقية، وجنسية أيضًا، تُحل متى تتغيّر جذور الثقافة في المجتمع، والفكر الذكوري الطبقي الأبوي الذي يجعل الرجولة هي الغطرسة، والأنوثة هى الخضوع والصمت، والصدق هو الشرف، وليس العذرية، بحد تعبيرها. ورأت "السعداوي" أن المجتمع المصري، يعود إلى الوراء بطريقة مخيفة، بسبب ما اعتبرته تقييدا للحريات -على حد زعمها- وبالرغم من دعوات تجديد الفكر الديني، مع ذلك لا نتقدم، حتى بعد تخلصنا من الحكم الديني المُتمثل في جماعة الإخوان المسلمين وقضت عليهم ثورة 30 يونيو. وتابعت: "ثورة يناير ثورة عظيمة، لكن للأسف شبابها في السجن، وثورة 30 يونيو، ليست انقلابًا، فقد قضت على الحكم الإخواني الديني، علينا أن نعود للأمام ونتخلى عن الدولة الدينية، لأن الدولة الدينية ضد المرأة، نحن نريد دولة مدنية ديمقراطية، كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي". وانتقدت "السعداوي" التعليم في مصر، ورأت أنه لا ينتج مفكرين، وإنما يُنتج موظفين، مشيرة إلى أنها تخرجت في كلية الطب أجهل مما دخلت، بحد قولها. وقالت "السعداوي" إن النساء عقدن آمالًا كثيرة على الثورة لتغيير أوضاعهن، لكن للأسف ثورة 25 يناير أُجهضت من الداخل والخارج، مما أثر سلبًا على أحوالهن، لذلك لن يحرر النساء إلا النساء، ولكن عليهنَّ أن يكّض مستعدات لدفع الثمن، ثمن الحصول على حريتهنَّ. وأوضحت "السعداوي" أن القانون لا يعني العدل، فأغلب القوانين ظالمة لأنها ناتجة من المجتمع، وبخاصة قانون الأسرة، ولأن النساء اللائي يشكلن 50% من المجتمع، معظمهن غير واعيات، لذلك لا توجد قوة اجتماعية في المجتمع تسعى إلى تغيير قانون الأسرة، وحتى النساء الواعيات والرجال المستنيرين، غير منتظمين ولا يشكلون قوة اجتماعية، يمكن لها أن تتخذ القرار أو تصنعه. واستطردت: "بعد أن خرجت من السجن سنة 1981، شكلنا تضامن المرأة العربية عام 1982، وكنا حوالي 6 آلاف عضو، شكلنا مجلة نون، لكن الحكومة أغلقتها سنة 1991، بقرار من وزيرة الشئون الاجتماعية الدكتورة آمال عثمان، لأننا وقفنا ضد حرب الخليج واحتلال العراق، واعتبروا أننا انحرفنا عن قضية المرأة، لكن بالأساس قضية المرأة قضية سياسية واقتصادية واجتماعية، ليست مجرد قضية جسدية". فيما قالت الدكتورة والباحثة النسوية مي عامر، في تقديمها لكتاب "المرأة والصراع النفسي"، للكاتبة نوال السعداوي، تجربة إنسانية قررت بوعي أن تجمع البيانات وتبني فروضًا منطلقة من المشاهدة العيان، لتطرح الأسئلة وتحصد النتائج لتكوّن وتُحلل مواطن العطب في المجتمع، التي تأكل في أول طريقها رغبات ودوافع النساء. ورأت "عامر"، أن "السعداوي" تمردت على مفهوم الصحة النفسية، الذي عُرّف باعتباره درجة التوافق مع المجتمع المحيط، ذلك التعريف الذي يُقصف بأفعال التغيير والتمرد، حيث يُفترض أن الأصحاء هم من يتوافقون ويتواءمون مع المجتمع، كما حذرت الكاتبة من الوقوع في مدلول السعادة المُزيف، والتي اسمته في كتابها "سعادة العبيد"، وهي السعادة التي تولد مبتسرة بمنطق ليس الوضع حسنًا، ولكن يكفي أنه ليس بأسوأ. كما أن "السعداوي" أعادت تعريف مرض "العصاب"، واعتبرت في دراستها أن النساء الذكيات الطموحات في الحياة اعتبرن نساء عصابيات لأن القلق لا يصيب إلا النساء اللائي يتمتعن بدرجة من الوعي والرغبة في الحياة، وبالتالي رغبة في الحقوق، أم النساء الطبيعيات المتوافقات مع المجتمع فهن تلك النساء القابلات بوضعهن الأدنى ومستسلمات، وأخيرًا عرّفت النساء الثائرات بأنهن من يملكن أمرهن ويرفضن تكبيل حريتهن ووحدهن القادرات على التغيير. وفي تقديري - تضيف "عامر" – أن اختيار الباحثة لمتغير التعليم كان اختيار شديد الذكاء في مقابل متغير الصراع، حيث قامت الدراسة على 160 سيدة، نصفهم متعلمات والنصف الآخر غير متعلمات، أما عن الصراع فكانت في نفس العينة 100 من العصابيات و60 من الطبيعيات، وعليه فقد كانت النتيجة الأهم للبحث أن أنواع العصاب أكثر انتشارًا بين المتعلمات وهذا معناه أن التعليم يجعل المرأة أكثر وعيًا بوجودها ومن ثم أكثر وعيًا بالصراع. ويقع مرض العصاب في رهين قبضتين، الأولى هي اعتيادية أعراضه بالنسبه للمجتمع، وهي الصداع والضيق والقلق والكسل والعصبية والشعور بالإجهاد والضغط النفسي ووساوس الأفكار، والقبضة الأخرى هي ذكورية الأطباء النفسيين باعتبارهم رجال متوائمين مع النظام الأبوي، ومستفيدين من امتيازاته، وجهل بقضايا النساء ومشاعرهن ومواطن قهرهن الفكرية والجسدية، وبالتالي يكون العلاج بالأقراص والحقن، التي تساعد العصابية في دفن رأسها في رمال العادات والتقاليد، بحد قولها. وتُنهي "السعداوي"، الكتاب بقصص واقعية مروية من بعض المشاركات في البحث في أغلب الظن، رأت الباحثة أنهن من القيمة التي يصعب المرور عليها وتحويلها إلى رقم الجداول الإحصائية، وإنما يجب تقديمهن كدراسة حالة حتى يصعب توثق وتكشف السياق المجتمعي التي خرجت منه نتائج البحث. وختمت "عامر" كلمتها بأن العصاب هو أنين الذكيات الطموحات في مجتمع نكّل برغباتهن ووصمهن حين عبرن عن حقوقهن ورفضن التواءم مع الموازين المنقلبة لصالح الأبوية والسلطوية، لصالح الأصولية والقبلية والقولبة التي تصيب المجتمع وتطعنه بالصحة النفسية.