وزير الري يتابع إجراءات تدريب الكوادر الشابة في مجال إدارة المشروعات    بحوث الإسكان والبناء يواصل ريادته العالمية في اختبارات الخط الرابع للمترو    كامل الوزير: إلزام كل مصنع ينتج عنه صرف صناعي مخالف بإنشاء محطة معالجة    وزير الكهرباء: نعمل على نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة وتعظيم الموارد والأصول    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 26-12-2025 في قنا    جيش الاحتلال يشن غارات مكثفة على محيط مدينة الهرمل شرقي لبنان    زيلينسكي: اجتماع مع ترامب قريبا    ذكرى سعيدة ل حسام حسن قبل مواجهة جنوب أفريقيا اليوم (فيديو)    تشكيل منتخب مصر المتوقع أمام جنوب إفريقيا في كأس الأمم    حالة الطقس ودرجات الحرارة اليوم الجمعة 26-12-2025 في محافظة قنا    مصرع سيدتين في انقلاب سيارة على طريق «قنا - سفاجا»    مدير دار سما للنشر يكشف خطوات الدولة لمواجهة قرصنة الكتب وحماية المؤلفين    فضل شهر رجب.. دعاء مستحب واستعداد روحي لشهر رمضان (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26-12-2025 في محافظة قنا    متحدث الوزراء: مشروعات صندوق التنمية الحضرية تعيد إحياء القاهرة التاريخية    كيف تستخدم النقاط من بطاقات بنك القاهرة؟    مباراة مصر وجنوب أفريقيا تتصدر جدول مباريات الجمعة 26 ديسمبر 2025 في كأس أمم أفريقيا    أسعار الفراخ في البورصة اليوم الجمعة 26 ديسمبر    شروط التقدم للوظائف الجديدة بوزارة النقل    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    خطوات مهمة لضمان سلامة المرضى وحقوق الأطباء، تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسؤولية الطبية    رابط الموقع الإلكتروني المعتمد لشراء تذاكر المتحف المصري الكبير    محمد صبحى ضمنهم.. مجلس جامعة القاهرة يقر ترشيح 25 شخصية عامة لجوائز الدولة    متحدث الوزراء: مشروعات صندوق التنمية الحضرية تعيد إحياء القاهرة التاريخية    زعيم كوريا الشمالية يدعو إلى توسيع الطاقة الإنتاجية للصواريخ والقذائف    مسؤول أمريكي: إسرائيل تماطل في تنفيذ اتفاق غزة.. وترامب يريد أن يتقدم بوتيرة أسرع    مفاجأة للأمهات.. أول زيارة للأطفال لطبيب الأسنان تبدأ في هذا العمر (فيديو)    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    مستشفى العودة في جنوب غزة يعلن توقف خدماته الصحية بسبب نفاد الوقود (فيديو)    وزير العمل يصدر قرارًا وزاريًا بشأن تحديد العطلات والأعياد والمناسبات    أخبار فاتتك وأنت نائم| حريق منشأة ناصر.. وتمرد لاعبي الزمالك.. وأمريكا تضرب داعش    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 26 ديسمبر 2025    شعبة الأدوية: موجة الإنفلونزا أدت لاختفاء أسماء تجارية معينة.. والبدائل متوفرة بأكثر من 30 صنفا    عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!    الزكاة ركن الإسلام.. متى تجب على مال المسلم وكيفية حسابها؟    وداعا ل"تكميم المعدة"، اكتشاف جديد يحدث ثورة في الوقاية من السمنة وارتفاع الكوليسترول    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    استمتعوا ده آخر عيد ميلاد لكم، ترامب يهدد الديمقراطيين المرتبطين بقضية إبستين بنشر أسمائهم    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    سكرتير محافظة القاهرة: تطبيق مبادرة مركبات «كيوت» مطلع الأسبوع المقبل    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    أردوغان للبرهان: تركيا ترغب في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة أراضي السودان    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    ناقد رياضي: تمرد بين لاعبي الزمالك ورفض خوض مباراة بلدية المحلة    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    كشف لغز جثة صحراوي الجيزة.. جرعة مخدرات زائدة وراء الوفاة ولا شبهة جنائية    فاروق جويدة: هناك عملية تشويه لكل رموز مصر وآخر ضحاياها أم كلثوم    جلا هشام: شخصية ناعومي في مسلسل ميد تيرم من أقرب الأدوار إلى قلبي    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    أمم إفريقيا - طالبي: آمل أن يستغل الركراكي قدراتي.. وعلينا أن نتعامل مع الضغط بإيجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشير الدامون: لماذا علينا أن نصغي بعمق إلى النساء؟
نشر في نقطة ضوء يوم 10 - 02 - 2016

السيدة الحرة بطلة رواية المغربي البشير الدامون الأخيرة “هديل سيدة حرة”، هي المرأة التي حكمت مدينة تطوان المغربية، بداية القرن السادس عشر، وخاضت حروبا وقادت معارك ضدّ الأطماع الأسبانية كما البرتغالية. هي سليلة أمير مغربي هو أبوها مولاي علي بن راشد، مؤسس مدينة شفشاون، أما أمها فهي سيدة أسبانية اسمها للا الزهرة رودريغيث، القادمة من بلدة بيخير دي لا فرونطيرا في إقليم قادش.
جمعت السيدة الحرة بين ثقافتين وذاكرتين، فقد تزوجت من ملكين مغربيين اثنين، مثلما قاومت وعاندت إمبراطوريتين استعماريتين هما أسبانيا والبرتغال، ودخلت في حروب لا تنتهي، قتلت زوجها الأول الأمير المنظري، الهارب من الأندلس بعد سقوطها، مثلما قتلت الحروب زوجها الثاني أحمد الوطاسي زعيم الوطاسيين، الذين حكموا المغرب 80 حولا، كما قتلت الحروب عاشقا من عشاقها، وقتّلت أهلها وعشيرتها والأقربين.
تبلغ المفارقة مداها حين نتذكر أن السيدة الحرة، وعندما كانت تنتصر في حروبها، إنما كانت تنتصر على أبناء أخوالها وخالاتها من الأسبان، وحين تنهزم تفقد أبناء عمومتها في المغرب. وفي الأحايين جميعها كانت تفقد الأحلام كلها، وتوقن أن الحرب تجارة خاسرة وآلة مدمرة للجميع.
لكن، لماذا يقتادنا الروائي إلى متابعة الأحداث الحمراء لهذه الحروب التاريخية، بينما نحن نحيا هذه الحروب الدموية في الحاضر، ونعيشها مرارا وباستمرار، وما دام الحاضر أفظع وأبشع، والواقع آلم وأفجع؟ يجيب البشير الدامون، في هذا اللقاء مع “العرب” بأن رواية “هديل سيدة حرة” إنما هي “دعوة صريحة إلى نبذ الحروب وإدانتها، والتي تندلع بغطاء ديني أو سياسي أو بسبب مصالح اقتصادية… على أن الغطاء الديني هو الذي يغلف الحروب الآن في الواقع العربي الدامي”. ولا يرى الدامون أنه يذكرنا بالحروب، أو يقلب مواجعنا، وهو يستحضر حروبا متوسطية وعربية سحيقة، ما دامت “ذاكرة المتوسط ذاكرة من الحروب والندوب”، على حدّ تعبيره.
وإذا كان بيير لويس روي يلخص لنا الفرق بين المحكي الروائي والمحكي التاريخي، حين يؤكد أن “التاريخ هو رواية ما كان، في مقابل الرواية التي هي تاريخ ما كان يمكن أن يكون”، على أساس أنه “ليس هنالك من تاريخ محض ولا من متخيل محض”، كما يقول أندري فاليط، أيضا، فإن الدامون يعتبر روايته “محض خيال”، وإن كان “التاريخ أسطورة في حدّ ذاته ويبقى مبنيا على بعض الحقائق”، يضيف محدثنا، معتبرا أن كاتب الرواية التاريخية إنما يعتمد بدوره على بعض الأحداث. وهذا ما قام به في هذه الرواية، حيث استعرض عددا من المعطيات التاريخية وبعض الوقائع والحروب، وما تبقى فهو ذاتي تخييلي، كما يقول حول أحداث “هديل سيدة حرة”.
وحسب مبدع هذه الرواية، فإن الرواية مزج بين ما هو تاريخي وتخييلي في الحكي عن أميرة وابنة أمير مغربي هو مولاي علي بن راشد، الذي تزعم مجموعة من المورسكيين المطرودين من الأندلس لمواجهة الحملات التي كانت تشنها الجيوش القشتالية والبرتغالية على مدن المغرب، مثلما عاصر حروبا داخلية بين الوطاسيين الذين حكموا المغرب حينها، وبين السعديين المناوئين لهم، والذين سيطروا على جنوب البلاد، حتى قرروا الاستيلاء على باقي مناطق المغرب. وقد تزوجت ابنته السيدة الحرة من أمير أندلسي من آل المنظري، الذين طردوا من الأندلس وحلوا بتطوان، وكانت قلعة دمرها البرتغاليون من قبل.
وبترخيص من علي بن راشد وضعوا على عاتقهم إعادة بناء القلعة وتحويلها إلى نواة مدينة، لصدّ غزوات البرتغاليين والقشتاليين، ومحاولة تحرير المدن المغربية التي وقعت في قبضتهم.
وبعد وفاة زوجها المنظري، وجدت السيدة الحرة نفسها مجبرة على تسلم حكم مدينة تطوان، وقيادة الحروب والهجمات. مثلما وجدت نفسها مجبرة على الزواج من زعيم الوطاسيين أحمد الوطاسي، قبل أن يقتله السعديون، وقبل أن تموت السيدة الحرة حزنا وكمدا، بعد انقلاب أهلها وسكان مدينتها عليها.
تجري وقائع ثلاثية الدامون الروائية في مدينة تطوان؛ في “سرير الأسرار” إبّان زمن معاصر لطفولته، وفي روايته الثانية “أرض المدامع” خلال زمن يعاصر مرحلة الشباب، وهي الرواية التي تحكي عن تجربة الجامعة في فاس، وعن انتفاضة 84 بتطوان.
وفي هذه الرواية، يكتب الدامون عن سيرة المكان تطوان في القرن السادس عشر. وإن كان الدامون يكتب بحثا عن هويته أو ترسيخا وتجذيرا وتشجيرا لها، من منطلق البحث عن شجرة أنساب وآداب، أم أنه ضد كل الهويات القاتلة، بلغة أمين المعلوف؟ يقول الكاتب: الهوية لا تعطي قيمة للإنسان، والهوية إنسانية وليست محلية.
أما تطوان فيمكن أن تكون منجما للحكايات، وهذا هو الأساس. ويبقى التساؤل عمّن يستطيع استخراج هذه الحكايات لإسماع صوت المدينة في السرد العربي والإنساني.
ويرى الكاتب أن روايته إدانة لصراعات حول الهويات والانتماءات، والتي كانت تغلف باسم الدين، وهي في جوهرها حروب مطامع من الأسبان والبرتغاليين، من أجل التوسع والاستيلاء على مكاسب اقتصادية، وهو صراع ألقى بالسيدة الحرة في لظى من جحيم، حين تجد نفسها مجبرة على خوض الحروب التي تمقتها وتدينها.
فهذه المرأة، إلى جانب شدتها وقوتها وحنكتها في الحروب أثناء مواجهة هجوم الإيبيريين، أو من خلال مهاجمة أساطيلهم البحرية الكبرى، كانت تتسم بالحكمة والدراية في تسيير شؤون أهلها، كما يرى الكاتب، حتى أنها كانت تعقد اتفاقات تجارية مع أعدائها في خضم الصراعات والحروب… كما عملت بمبدأ تبادل الأسرى النصارى بشتلات من أشجار الفواكه وأشجار التوت وغيرها، عندما لم يكن هنالك من أسرى مغاربة في الضفة الأخرى.
فكانت سيدة حرة وفية لناياتها ونشيدها الإنساني الرخيم. كانت ترى الحرب كلها هزائم للإنسان، للغالب والمغلوب على حدّ سواء. وإثر كل انتصار كانت تعيش ما تسميه هزيمة الانتصار، لأنه “لا انتصار في الحروب، من بعد الدم والدمار اللعين، وآلام الجرحى والأنين”.
في روايته الأولى كما الثانية، كما في “هديل سيدة حرة”، تضطلع المرأة بمهمة الراوي، لتحكي لنا ثلاثية الدامون الروائية. فهل اختار الكاتب هذه الاستراتيجية السردية لكي يوهمنا بأنه لا يروي سيرته هو، أم لكي يروي سيرة المرأة وسريرها وسريرتها، وأسئلتها ونظرتها إليها وإلى الآخرين؟ يجيب الدامون “ما يجرحني هو التخلف، تخلفنا الجماعي، وهذا التخلف ينزل أقسى عقوباته وفظاعاته على المرأة الأنثى. ومن هنا، كان اختيار الأنثى من أجل البوح في أقصى تجلياته، والتعبير عن هذا التخلف وعذاباته”.
على أن المرأة عند الكاتب هي من تستطيع أن تعبر عن القسوة بالقسوة وعن المرارة بالمرارة. ذلك أن المرأة هي الضحية، وعلينا أن نمعن في الاستماع عميقا إليها. ومن هنا أيضا يمكن أن نفهم أسرار هذه اللغة الشاعرية التي يكتب بها الروائي، لأنها لغة امرأة ووقائعها وفجائعها وآلامها وأيامها، كما يقول.
وقد راهن الكاتب عبر هذه اللغة، حسب قوله، على نوع من التوازن الصعب في ما بين السرد التقريري التاريخي الذي يرصد العالم الخارجي أي ما يقع في الخارج، وما بين البوح الشعري والجواني، الذي يرسم الدواخل والأحاسيس وانعكاس الأحداث على مرايا الذات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.