الناصرة.. مدينة فلسطينية قديمة وتاريخية، وتقع حالياً تحت اللواء الإسرائيلي وأكبر مدينة في منطقة شمال إسرائيل، ويعرف عن الناصرة أنها "عاصمة العرب في إسرائيل"، نظراً لأن غالبية سكانها من عرب إسرائيل. ويرجع تسمية البلدة إلى الكنعنانية القديمة، وكان يطلق عليها "آبل"، وكان يطلق عليها المسيحيون "عصا أو غصنا"، نسبة إلى كون يسوع المسيح ينتمي إلى بيت داوود، ويُقال إن الاسم مشتق من كلمة عبرية بمعنى برج الحراسة، وذلك لوجود جبل مرتفع تقع عليه البلدة، ومع ذلك لم يستدل على أصل ومصدر تحور اسم البلدة إلى "الناصرة"، فالبعض يقول إن أصل التسمية كنعانية أو سريانية أو عبرية أو عربية. وقد كشفت الحفريات القديمة وجود آثار تعود إلى ما قبل عصر الفخار أو العصر الحجري الحديث، وقد عثر على بقايا هياكل لحوالي 65 فردا، بالإضافة إلى ثلاثة أطنان من الجص الأبيض، كما تم اكتشاف أوان من الفخار يعود تاريخها إلى العصر البرونزي الأوسط (2200- 1500 ق. م)، وأيضاً آثار وحفريات قديمة من السيراميك والصوامع والمطاحن من العصر الحديدي (1500- 586 ق. م)، ولم يتم العثور على أدلة أثرية كافية لمدينة الناصرة من الحقبات الآشورية والبابلية والفارسية والعصر الروماني الهلنستي، خلال أعمال التنقيب الكبرى في الفترة من 1955 و1990. وخلال العصر المسيحي المبكر ووفقاً لإنجيل لوقا، كانت الناصرة قرية بيت مريم العذراء، وكذلك موقع البشارة عندما أبلغ الملاك جبرائيل مريم بأنها ستلد يسوع المسيح، كما كانت الناصرة موطناً للقديس يوسف النجار ومريم بعد عودتهم من الرحلة المقدسة من بيت لحم إلى مصر. ووفقاً للكتاب المقدس، فإن يسوع ترعرع في الناصرة خلال طفولته، وخلال العهد الصليبي أصبحت الناصرة مدينة مقدسة بالنسبة للمسيحيين، وبدأت الروايات الدينية من المسيحيين المحليين عن مريم العذراء تثير اهتمام الحجاج، حيث تم تأسيس الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية "البشارة" في موقع نبع المياه العذبة، ولا تزال بقايا كنيسة البشارة باقية وصامدة حتى الآن، وكان الصليبيون معادين تماماً لفكرة الوجود اليهودي في الناصرة، وقد انتهى الوجود اليهودي في الناصرة عند نهاية هذه الحقبة من الزمن. وفي عام 1099، ترسخ الوجود الصليبي في الجليل والناصرة، وأنشأ الصليبيون عاصمة لهم في الناصرة، وباتت واحدة من المطرانيات الأربعة في مملكة القدس، ولكن عادت المدينة لسيطرة المسلمين في عام 1187، بعد انتصار صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين، واضطر الصليبيون ورجال الدين الأوروبيين إلى مغادرة المدينة، وتمكن الإمبراطور فريدريك الثاني من التفاوض مع القائد صلاح الدين، على فتح ممر آمن بشكل متواصل للحجاج المسيحيين يمر من عكا في عام 1229. وفي عام 1263، قام القائد المملوكي الظاهر بيبرس، بتدمير المباني المسيحية في الناصرة كجزء من محاولته طرد الصليبيين المتبقين من فلسطين، بينما واصلت الأسر المسيحية العربية العيش في الناصرة، وفي القرن الرابع عشر الميلادي، سمح العثمانيون للرهبان الفرنسيسكان في العودة والعيش داخل البلدة، كما نظمت جولات الحج إلى الأماكن المقدسة المحيطة بها الفرنسيسكان، ولكن الرهبان عانت من مضايقات القبائل البدوية، حتى عاد الاستقرار مع حكم ظاهر العمر الزيداني – أحد الحكام الفلسطينيين على فلسطين في فترة الحكم العثماني – وقام بتحويل الناصرة من قرية صغيرة إلى مدينة كبيرة عن طريق تشجيع الهجرة إليها، حيث لعبت الناصرة دوراً استراتيجياً في السيطرة على المناطق الزراعية في الجليل المركزي. ومع بداية فترة الانتداب البريطاني سيطرت المملكة المتحدة على فلسطين في عام 1917، حيث تزايدات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وفي عام 1922، تم تأسيس جمعية بين المسلمين والمسيحيين في البلدة، وكانت بمثابة جبهة موحدة دينية عربية فلسطينية لمواجهة التمدد اليهودي، ومع الثورة الكبري في فلسطين عام 1930، لعب أبناء الناصرة دوراً رئيسياً في مواجهة العصابات اليهودية، وكانت الناصرة منصة انطلاق للاحتجاج على الاقتراح البريطاني لتحويل محافظة الجليل إلى دولة يهودية في المستقبل. وبحلول عام 1946، توسعت مدينة الناصرة، وتم إنشاء وحدات سكنية جديدة وبساتين وحقول زراعية، كما تم إنشاء اثنين من مصانع السجائر، ومتجر التبغ، واثنين من دور السينما، ومصنع البلاط، وهو ما عزز بشكل كبير اقتصاد وازدهار الناصرة، وقد بنيت محطة جديدة للشرطة في جنوب تل الناصرة، ونصبت أبراج المراقبة على بعض التلال المحيطة بالمدينة. وكانت الناصرة من أراضي المخصصة للدولة العربية في إطار خطة الأممالمتحدة لتقسيم فلسطين عام 1947، وفي الأشهر التي سبقت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، أصبحت المدينة ملاذا للفلسطينيين الفارين من المراكز الحضرية في طبريا وحيفا وبيسان، قبل وأثناء سقوط هذه المدن تحت سيطرة عصابات الهاغانا، حيث كانت الناصرة بعيداً عن ميدان المعركة خلال حرب 1948، لكن بعض القرويين انضموا إلى الجيوش العربية في الحرب، لكن المقاومة الشعبية لم تصمد كثيراً أمام القصف الإسرائيلي، الأمر الذي استدعى قائد شرطة الناصرة إلى رفع راية بيضاء على مركز الشرطة في المدينة، واستسلمت الناصرة للقوات الإسرائيلية خلال عملية ديكل يوم 16 يوليو/تموز عام 48، بعد رفض كبار البلدة حث الناس على المقاومة تجنباً لتدمير المدينة، وضعف التسليح في مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي. وتم رسمياً تسليم الناصرة في اتفاق مكتوب، حيث وافق زعماء المدينة على وقف الأعمال العدائية في مقابل وعود من الضباط الإسرائيليين بعدم قيام عمليات عسكرية أو أضرار إلى المدنيين في البلدة، ولكن بعد فترة وجيزة من توقيع الاتفاق، أمر القائد العسكري حاييم لاسكوف قواته إخلاء العرب من المدينة بالقوة، ولكن مع التخوفات الإسرائيلية من أن يسبب طرد المسيحيين العرب غضباً في جميع أنحاء العالم المسيحي، لم يتم تنفيذ القرار وتدفقت أعداد كبيرة من اللاجئين من المراكز الحضرية الكبرى والقرى الريفية في الجليل بعد انتهاء الحرب، وبقيت المدينة تحت الأحكام العرفية حتى عام 1966. ويقول د. وائل الشهاوي، الخبير الأثري: تعد مدينة الناصرة مركزا إداريا وثقافيا والبقعة الرئيسية لعرب 48 في إسرائيل، ومع ذلك تقف الدولة العبرية في وجه أية مشروعات اقتصادية عربية، تجنباً لعدم قيام كيانات عربية اقتصادية مستقلة في الناصرة. ويوضح أن البلدة تعدّ مركزاً حيوياً للطوائف المسيحية المختلفة، حيث توجد العديد من الأماكن المقدسة المسيحية هناك، ويشير إلى أن البلدة تشتهر بزراعة أشجار الزيتون والأشجار المثمرة والخضراوات، بالإضافة إلى انتشار أعمال التجارة والحدادة والدباغة والخياطة، ومصانع الزيتون والطحينة والصابون، وتعمل نساء الناصرة في أشغال الإبرة وأعمال النسيج. ويقول: إنه في السنوات القليلة الأولى من تأسيس دولة إسرائيل، تمت مصادرة الأراضي وحظر التجول، وفرض قيود على سفر وتنقل السكان المحليين، ورغم أن الناصرة تعدّ موطناً للأغلبية العربية في إسرائيل، قامت الدولة العبرية في عام 1957، ببناء مدينة الناصرة العليا أو "نتسيرت عيليت" اليهودية لتكون وسيلة لموازنة الأغلبية العربية في الناصرة، وجاءت التوترات بين سكان الناصرة والدولة العبرية عام 1958، حيث طالب المتظاهرون السماح للاجئين بالعودة إلى قراهم، ووضع حد لمصادرة الأراضي، وتقرير المصير للفلسطينيين، حتى انتهت الأحكام العرفية في عام 1966.