"هل مات جيمس بوند؟». ليست الجملة عابرة. ليست سؤالاً عادياً. العميل البريطاني ذو الرقم الأشهر في تاريخ الأدب البوليسي وسينما التشويق بات على شفا الهاوية الأخيرة. لن يكون مُطارِداً، بل مُطارَداً. لن يقتل، بل سيتعرّض لاغتيال. لتصفية جسدية تنهي مسيرته المهنية. المعطيات المنشورة هنا وهناك تؤكّد أن الخاتمة اقتربت. مع أن هناك من يرى في إمكانية انتقال مقرّ إقامة العميل 007 إلى أبو ظبي محطّة جديدة. انطلاقة أخرى. مرحلة موقتة، قبل بزوغ فجر آخر له. المسألة مالية. استديو «أم. جي. أم.» يكاد يُعلن إفلاسه. الإيرادات العالية التي حقّقتها أفلام متفرّقة لم تستطع حمايته. هناك مأزق مالي يؤدّي، بالتالي، إلى مأزق ثقافي. صحيحٌ أن جيمس بوند لم يعد على الصورة المخترَعة له سابقاً. أكاد أقول إن منطقاً استعراضياً خاصّاً بسينما التشويق «نحره»، أو بدّل شكله، أو غيّر بعض سلوكه، ليس مجازياً، بل فعلياً. أنماط الشكل والحركة والنطق والزيّ وأساليب المخادعة وكشف المستور والانقضاض على المجرمين والقتلة والجواسيس، أمورٌ جوهرية في شخصية جيمس بوند. لكنها أمورٌ عرفت انتكاسات في آلية تقديمها. في بلورتها السينمائية. في لغتها التعبيرية. في مناخها السينمائي. أمورٌ محتاجة إلى إعادة تأهيل. لأن شخصية العميل المذكور بدت، مؤخّراً، مترهلة في كيفية إظهارها البصري. كأن خللاً ما أصابها، فباتت أقلّ إبهاراً، وأكثر تصنّعاً. المأزق المالي ليس وحده سبباً للتحوّل السلبي الطارئ على شخصية جيمس بوند. لن يكون سبباً وحيداً لموتها. المخيّلة التي صنعتها سابقاً مُطالبة بإعمال العقل بحثاً عن جديد مختلف في الصورة. في المواضيع. في مفردات التشويق والحركة. في المطاردة. في السعي إلى إنقاذ العالم من سفّاحيه. في ابتكار أنماط أخرى من التعبير عما يعتري العالم من أزمات وتحوّلات خطرة. المال أساسي في صناعة السينما، كما في مكافحة التجسّس والإرهاب. كما في اختراع أعداء، وتصفيتهم. لكن المال وحده لا يصنع هذا كلّه. أو ربما يصنعه كلّه، لكن من دون نكهة. من دون جاذبية تستقطب ملايين المُشاهدين في الأمكنة كلّها. مع هذا، فإن الاستديو معرّض للإفلاس. أو بالأحرى واقعٌ في الإفلاس. هذا يعني أن شخصيات أخرى مُصابة بالتلف، وأن مواضيع عدّة لن تُعرض بالطريقة الخاصّة بهذا الاستديو، وبالمخرجين المتعاملين معه. حسناً. ربما لن يُقتَل جيمس بوند هذه المرّة. ربما سينجح في التخلّص من قاتليه، سواء أكان القاتل أزمة مالية، أم ضحالة في المخيّلة، أم شحّا في الأفكار. ربما سيعود قريباً، بشكل أو بآخر. لكن، هناك دائماً ما يدعو إلى التفكير بمصير الفن السابع نفسه، وليس إنتاجاته فقط: هل لا يزال هذا الفن قادراً على ابتكار الجديد والجاذب والمثير للمتعة والاهتمام؟ التقنيات الحديثة مستمرّة في اختراع الأشكال. لكن بعض الأشكال محتاج إلى «عامل جذب» في معالجة مواضيعها.