على طريقة "الكتاب الأخضر" للقذافي فوجئ الكتاب والمثقفون بكتاب هيئة قصور الثقافة بالقاهرة الذي يطرح مبادرات عشرة لتحرير الثقافة المصرية! ودون الجلوس مع المثقفين والكتاب أنفسهم وهم المخاطبون بهذه المبادرة وعلى مبدأ أن الهيئة بالضرورة تعرف مصلحة الكتاب والأدباء أكثر منهم! فقد هبطت علينا من السماء المبادرات العشر، والذي يقرأ هذه المبادرات سيعرف أنها لا تحوى سوى عبارات إنشائية لا قيمة لها طالما ترددت على مسامعنا كثيرا وهي من قبيل الكلام المعسول الذي لا يسمن ولا يغني من جوع مثل "وإيماناً من الهيئة العامة لقصور الثقافة بأهمية الفترة القادمة في تغيير وجه التاريخ المصري"! وإذا لم يكن هذا كلاما فارغا فما معنى قولهم "تغيير وجه التاريخ المصري!"؟ ومن أين أتت الهيئة ورجالها بيقين أن في الفترة القادمة سيتغير وجه التاريخ المصري"؟! هذا كلام مضحك والله وعيب أن يقال في محفل أو أن يدون في كتاب، وأيضا ما جاء بالمبادرة عن المفاهيم الأساسية؟! حين قالت المبادرة " وطرح المفاهيم الأساسية ومناقشتها مع الجمهور؛ للوقوف على المعاني الحقيقية لهذه المفاهيم، بهدف تنوير المجتمع"؟!! فما هي تلك المفاهيم الأساسية التي ستطرحها الهيئة؟! وعن أي مفاهيم أساسية تتحدث؟! أم إنه مجرد كلام نطلقه في الهواء لا معنى له ونصك مصطلحات وأكلشيهات للترويج الإعلامي ولنصفق لقائلها إلا إذا كانت الهيئة ورجالها يعرفون تلك "المفاهيم الأساسية"! بالطبع وأنه في ملحق لهذه المبادرة ستوضح لنا الهيئة هذه "المفاهيم الأساسية" التي تعرفها الهيئة ولا نعرفها طبعا وكما قالت للوقوف على المعاني الحقيقية لهذه المفاهيم! ولا أعرف كيف تبنت الهيئة هذه المبادرات العشرة لتطلقها على الملأ دون أن يدرك القائمون على أمر الهيئة أنهم فعلا قد تبنوا مشروعا ثقافيا هاما قد أعلنوا عنه في مؤتمر أدباء مصر الذي عقد في شرم الشيخ والذي حمل عنوان "نحو عقد ثقافي جديد" وكيف تبنت الهيئة مشروعا ثقافيا كبيرا صاغه مثقفون كبار؟! أم أن الهيئة تتعامل بذاكرة دجاجة وأننا سرعان ما ننسى؟ ثم نتابع مبادررات "الكتاب الأخضر" للثقافة الجماهيرية لنقرأ فيه كلاما ضحلا عن إنشاء مائة ملتقى ثقافي والإحتفاء بالكاتب "تهدف المبادرة الى تأسيس 100 ملتقى ثقافي سنويا مزودة بمكتبات .... على أن يضاف كل عام 100 ملتقى جديد بأسماء جديدة وصولا الى إيجاد شبكة ملتقيات ثقافية لكل أدباء مصر في الأقاليم .. ويتم ذلك بإقامة احتفالية كبيرة تحمل اسم المثقف في مكان إقامته يحضرها من 500 الى 1000 مواطن إلخ". ولا أعرف ما الهدف من إنشاء "شبكة ملتقيات ثقافية"؟! كما نسمع عن شبكة الطرق! وما تعريف تلك الشبكة؟! كما أسمتها المبادرة الميمونة ولماذا حددت المبادرة عدد الحضور من 500 إلى 1000 هل لأن هذا العدد ذكر مثلا بأحد الكتب المقدسة! والذي كتب هذه المبادرة والذي تبناها كلاهما لا يعرف أن واقعنا قد تغير وأن ما تبنته المبادرة مجرد مظهر إحتفالي لا قيمة له على أرض الواقع, مظهر احتفالي اتضح في النهاية ومع أول مبادرة لتطبيقه أن الهيئة تلعب برؤوسنا وأنها تخص المقربين منها لتكريمهم! وأن الحديث عن "شبكة الملتقيات والطرق" تلك التي ستحدثها الهيئة ما هو إلا حديث وهم في ظل العولمة ووسائل الإتصال الحديثة، ولأن الهيئة العامة لقصور الثقافة تغط في نوم عميق فهي لا تعرف أن الدنيا تغيرت وأن القرية لم تعد تلك القرية البعيدة المنعزلة بل إن الوسائط الحديثة أتاحت لأبناء القرى البعيدة أن يتصدروا المشهد على كافة الأصعدة الثقافية، ولم تعد هناك عزلة بالمعنى الضيق المكاني. وأنه كان يجب على القائمين على أمر الهيئة أن يدركوا أن الدنيا تغيرت تماما وأن المبادرة الجديدة يجب أن تستلهم روح العصر, ليكون هناك حديث عن الكتاب الرقمي وعن تحميل الكتب التي تطبعها الهيئة على شبكة المعلومات بدلا من الحديث المكرور والممل عن إنشاء مكتبات لا وجود لها وهي مسألة صعبة ولأنه الفكرة تتعثر لعدم توفير المكان الملائم والمبنى فما بالك بحديث المبادرة عن مئات المكتبات! وكم سيتكلف ذلك أما أننا نتحدث عن كتب توضع في مخازن وكفى، بينما يصرخ بعض الكتاب من أنهم يودون التبرع بمكتباتهم للهيئة والأخيرة لا تستجيب لعدم القدرة على توفير المكان "ومنهم مبادرة د. محمد حسن عبدالله وورثة الشاعر الكبير حسن فتح الباب". وطبعا لا يفوت المبادرة أن تدلي بدلوها هي الأخرى وتحمل كلاما إنشائيا مما يروق تداوله الآن عن تصحيح الخطاب الديني ولا تحمل المبادرة أي جديد سوى ما يتردد ليلا ونهارا في الصحف مثل قولهم "كما تسعى المبادرة إلى تقديم ثقافة دينية معتدلة تعمل على تعريف المتلقين بأساسيات الفقه الإسلامي ومناهج الإسلام في التعامل مع أمور الدنيا"، وهل هذا الكلام الصحفي الإنشائي يحتاج إلى مبادرات؟! ولا يفوت المبادرة الجامعة الشاملة التي ستحل جميع مشاكل الثقافة المصرية بأن تتحدث أيضا عن دورها في دحر الإرهاب ومقاومة المخططات الخارجية، نعم صدقوني المبادرة تحدثت أيضا ولكونها جامعة مانعة عن تقديم "ليالي الشعر والشعراء" بتعبير خفيف الظل! هكذا قالت المبادرة الميمونة وقالت أيضا إنها ستقدم "موائد مستديرة وحلقات نقاشية" وفقرة "حفلات التوقيع للكتب والإصدارات". ونقدم المبادرة الأكثر حظا والأروع والأفكه! وهي المبادرة السابعة ولم تأت هكذا فقد حملت البشرى لشعرائنا العظام فالمبادرة لن تنساهم أبدا فقط طرحت مبادرة "شاعر الجماهير" وتشترط المبادرة الميمونة الآتي "يكتب بالعامية المصرية أو بالفصحي شريطة أن يكون شعره جماهيريا". ولم تقل لنا المبادرة الميمونة كيف لها أن تعرف الشعر الجماهيري من غير الجماهيرى؟! طبعا مفهوم سنعتذر مثلا للشعراء أمثال حسن طلب وأحمد عبدالمعطى حجازى لأن المبادرة لها شعراؤها الجماهيريون. كما أن للتكريم ناسه؟! أليس هذا مثيرا للضحك أن يصدر هذا الكلام عن هيئة يفترض أنها هيئة ثقافية, وكأنه لأول مرة تقيم الهيئة أمسيات شعرية وهي على مدار العام وكل عام تفعل هذا كفى عبثا والتوهم بأننا نأتي بما لم يستطعه الأوائل. أما عن المبادرة الثامنة "سيرة حياة وإبداع" فيقول صاحب المبادرة "من خلال التعرّف أكثر على الواقع الاجتماعي الذي دفع الكاتب إلى التحول من شخص عادي إلى شخص مثقف "بالذمة ده كلام؟ والأغرب أن المبادرة تشترط شرطا عجيبا ومدهشا وهو أن يعترف بأخطائه "وقد يعترف بالأخطاء التي ارتكبها في مرحلة ما من حياته" إذا كان الكاتب مثلا قد سرق كتابا من مكتبة أو عاكس فتاة في الشارع، فالإعتراف هو هدف المبادرة قإذا لم تكن لديك القدرة على الإعتراف بأخطائك فأنت صديقي المبدع لن تصلح لهذه المبادرة, وكأن الهيئة لم تقدم في كل مؤتمر جلسة شهادات إبداعية تتضمن سير الكتاب ومسيرتهم, وإذا كنت تبحث عن الحضور الجماهيري فحاول أن تقيم هذه الفعاليات في الجامعة، بالقرب من التجمعات في المدارس أما أن توهم الناس أنك تأتي بجديد فهذا أمر عبثي. أما المبادرة التاسعة عن "أعلام وأماكن" فهي لا تستحق سوى تعبير الفيس بوك المشهور "ههههههههه". ولم تنس مبادرة الهيئة الميمونة أطفالنا وتحدثت في المبادرة الأخيرة العاشرة عن "براعم" طبعا كلام عام ومرسل ولا يساوي قيمة سوى أن في الإعادة إفادة وفي التكرار إفادة للشطار عن أهمية النشء والتربية وأدب الأطفال كلام يقال ليل نهار على موائد الأدب. أظن أن هيئة قصور الثقافة لها من الآليات التي يمكنها من وضع مبادرة حقيقية إن أرادت لا أن تترك شخصا مهما ارتفع شأنه أن يضع لها مبادرة تحمل اسم الهيئة العريقة الفاعلة، ولديها أمانة مؤتمر أدباء مصر فهو برلمان حقيقي للكتاب والأدباء يمكنها من خلاله طرح أفكارها بدلا من أن تهبط على رؤوسنا بمبادرات عشرة تحوى مضامين مكرورة وكلاما إنشائيا ربما يبدو معسولا لكن بتحليله نتأكد من أنه كتب على عجل ودون مراجعة ويهدف إلى الدعاية ومخاطبة الإعلام والصحافة أكثر منه للمثقفين والكتاب والأدباء دون أن يكون له مردود حقيقي على الثقافة والمثقفين. نحتاج إلى عمل مؤسسي يستلهم روح العصر لا أن يسوق العبارات تلو العبارات دون أن يدرك أن واقعنا تغير وأن آلياتنا أيضا يجب أن تتغير لتلائم هذا الجديد الوافد وإذا كانت الهيئة ستجعل ودنا من طين وودنا من عجين! فهنيئا لكم أيها المثقفون المنعزلون هناك في قرى مصر وشعرائها الجماهيريون بمبادرة هيئة قصور الثقافة العشرة وطوبى لمن كتبها وطوبى لمن تبناها وطوبى لمن شارك فيها.