أكثرُ ما ميّزَ الدورة الثانية لأسبوع الكوميكس في مصر (الذي دار مؤخراً في القاهرة) هو الانفتاح والتفاعل بين فنانين قادمين من خلفيات فنية وثقافية مختلفة من العالم، بالإضافة إلى تنوع المشاركة المصرية «القاهرة والصعيد والدلتا»، الأمر الذي أغنى المهرجان وأعطاه مقومات ثريّة للنقاش والمتابعة، عبر فعاليات أثبتت أن القلم جسر للتواصل بين الثقافات، وأن الصورة هي الأداة الأصدق في التعبير عن الواقع. ولأن الرسم هو الشكل الأرقى للتعبير عن الحرية، والحرية هي شراع الفنان نحو ما ينشده، عُقد أسبوع الكوميكس تحت شعار «الرسم حرية» بالتعاون بين مؤسسات ثقافية عدة منها «الصندوق العربي للثقافة والفنون» (آفاق) و «معهد غوته» و «المعهد الفرنسي» و «المجلس الثقافي البريطاني»، و «المؤسسة الثقافية السويسرية»، و «دار صفصافة للنشر» في مصر، بمشاركة فنانين من سويسرا وألمانيا وبريطانيا وأميركا. يؤكد مدير دار صفصافة محمد البعلي أن الأسبوع الثاني للكوميكس حمل المزيد من التنوع في المدارس الفنية، وشمل عدداً أكبر من البلدان المشاركة، مضيفاً ل «السفير» أن المنظمين سعوا هذا العام لأن يكون محتوى المناقشات والمحاضرات أكثر عمقاً، وأن هذه المرة الأولى التي تحوي فعالية في الصعيد، بهدف تطوير المهرجان وانتشار مساحة التفاعل. ويضيف «ممّا لا شك فيه أن فن الكوميكس في مصر يعيش تحديات كثيرة، ويحتاج المزيد من التغيرات في سوق الكتاب، وفي توجهات ميزانية نشر وزارة الثقافة».. استُهل الافتتاح باستعراض تاريخ الكوميكس في الوطن العربي والتحوّلات التي شهدها متأثراً بالمتغيّرات السياسية والاقتصادية والذي أدّت إلى صعود بعض المجلات المصوّرة الساخرة، وأفول أخرى، كمجلة «مترو» التي كانت أشبه بنص ثوري يواجه الفساد الحكومي والمجتمعي. الباحث الأميركي جوناثان جاير صاحب مدوّنة «أم كرتون» شارك في الافتتاح بورقة بحثية حول نشأة الكوميكس العربي، مشيراً فيها إلى الانتعاش الذي شهدته عدد من البلدان العربية كمصر وتونس والجزائر والمغرب ولبنان، لافتاً إلى أن الطابع السياسي هو الأكثر وضوحا في مجلات الرسوم العربية، باستثناء تجربة الفنان اللبناني جاد خوري في مجلة «من بيروت» التي قدمت قصة عالم النفس «فرويد» في اسكيتشات مصورة. الكاتب والمدوّن أحمد ناجي استعرض خلال الافتتاح تطور الكوميكس في مصر منذ العام 1946، حيث صدور مجلة «البلبل»، معرجاً على ثورة 1952 التي فرضت حسب قوله «ايديولوجيا الدولة» على مجلات الأطفال، ما أدى إلى تحول أغلفتها إلى مواد مصورة تُعنى بالقضايا والمشاريع الوطنية مثل بناء السعد العالي. وأشار صاحب مدوّنة «وسع خيالك» إلى احتكار مجلات الأطفال في الخليج لجهود الفنانين من خلال السخاء المادي عليهم، في حين أخفقت في ملاحقة التطور التقني والتوعوي وكانت ذات طابع محافظ مقتصرة على ترسيخ الوازع الوطني. معرض وورشات ومجلات تخلل الأسبوع معرض فني قدمته الفنانة السويسرية باربارا مولي، إلى جانب ورشتي عمل لعدد من الفنانين المصريين، قدم الورشة الأولى الفنانتان السويسريتان جوليا مارتي وليكا نوسيلي، في حين أدارت الورشة الثانية الفنانة الليبية آسيا الفاسي التي تؤكد أن الفنانين في بلادنا العربية لا يأخذون الاهتمام الكافي للرعاية وتطوير مواهبهم، في حين أن لديهم من الإمكانات ما يجعلهم جديرين بالدعم والمساندة، لافتة إلى أن الكوميكس هو فن وعلم قائم بحد ذاته، وله قواعده وأسسه الخاصة. آسيا الفاسي رسامة متخصصة في فن المانغا، الذي تعلمته في بريطانيا، حيث تقيم منذ طفولتها، لتبدع في ما بعد أعمالاً مصورة ضفرت فيها الثقافة الإسلامية الليبية والإنكليزية، حيث تعيش والثقافة اليابانية التي هي مهد فن المانغا. تؤكد أن الفنانين المشاركين في ورشة الرسم التي أدارتها قدموا أعمالاً مبهرة، مضيفة ل «السفير» أنها قابلت خلال المهرجان فنانين يشكلون جيلاً بارعاً يعطي الأمل في مستقبل الكوميكس والسينما المرسومة. مجلة «نور» آخر إصدارات الكوميكس في مصر، (صدرت منذ أسبوع) وبرغم تمويلها من مؤسسة الأزهر إلا أنها بعيدة عن أي توجه ديني، حسب قول رئيسة التحرير نها عباس، مضيفة – خلال اختتام أسبوع الكوميكس - أن المجلة تنويرية تثقيفية، هدفها ملء الفراغ الفكري لدى الطفل المصري، بتقديم الترفيه والإمتاع، ثم القيمة الأخلاقية والاجتماعية والعملية»... تكريم ضفة أخرى لأسبوع الكوميكس، كُرّمَ فيها الرسام خالد الصفتي، مبدع سلسلتي الجيب «سماش» و«فلاش» في تسعينيات القرن الماضي، مجلتان ما تزال رسومهما الرشيقة وأفكارهما القيمة متجذرة في وجدان الجيل الذي تداولهما. أكد الصفتي أن أسبوع الكوميكس نافذة مشرعة لمزيد من التقدم والمشاركة لفناني الكوميكس المصريين، في وقت يعاني فيه هذا الفن من إهمال وعدم تقدير، داعياً الجهات الحكومية والمؤسسات المعنية بتقديم المزيد من الاهتمام والدعم. قدّمت سلسلتا «فلاش» و «سماش» مجموعة من الشخصيات التي تجاوز عددها الستين، تحكي يوميات المواطن المصري المطحون بطريقة نقدية ساخرة، موجهة لجميع الأعمار، فيضحك الأطفال من خفة ظلها، في حين يصل المغزى والرسالة النقدية اللاذعة لباقي الأعمار. الناشر محمد البعلي يؤكد اعتزام المنظمين عقد هذا النشاط سنوياً، آملاً أن يعتلي فن الكوميكس المكانة التي يستحق في بلد وثّق يومياته على الجدران والمعابد منذ آلاف السنين في نقوش ورسوم، رافقتها كتابات باللغة الهيروغليفية.