واصلت فعاليات الدورة 34 من معرض الشارقة الدولي للكتاب مناقشة القضايا الأدبية والجمالية في ندوات حفلت بثراء الرؤى ووجهات النظر المهمة وشارك فيها كتاب عرب وإماراتيون، وقد احتلت الرواية موقعا مميزا فكانت هناك أكثر من ندوة حولها، خصوصية كتاباتها وعلاقتها برؤية الكاتب ونظرته للعالم وأيضا علاقتها بالواقع وخصوصيته الثقافية من وطن لآخر، وثم كانت ندوات حول السينما ومستقبلها، وكذا مستقبل الكتاب الورقي في مواجهة تحديات العصر الرقمي. وعقدت ندوة "سحر الحكاية وتنمية الخيال" التي شاركت فيها الكاتبة الأميركية جوان باور، والروائي محمد المنسي قنديل، والشاعر النيجيري بن اوكري، وأدارها الشاعر علي الشعالي. بداية أكد الروائي محمد المنسي قنديل أن مصر وتاريخها وناسها جزء من تكوينه الأساسي، وأنه مهتم بالرواية التاريخية، لأن التاريخ كنز لا بد أن ننهل منه، ومصر تمتلك تاريخا عريقا، وقال إنه نشأ في مدينة عمالية مضطربة تشهد صراعات حادة بين السلطة وبين العمال، وكانت رائحة الغاز المسيل للدموع تملأ كل المكان، بسبب الصراع بين السلطة والعمال، والتمرد والقمع، وهو الأمر الذي انعكس عليه وعلى كتابته فكان التمرد شعلة في داخله يتمنى أن لا تنطفئ. وتابع قنديل "نلجأ إلى الخيال كي ننفذ من الواقع، والخيال مهما شطح بعيداً عن الواقع فيه جزء من الحقيقة، ويعكس الواقع بمنظور آخر، وتضفي عليه هالة من السحر والجمال". ولفت إلى أن عالمنا العربي عالم مضطرب مليء بالصراعات الدينية والسياسية، ولذلك يبحث الكاتب عن مخرج، لكنه بكل الأحوال ملزم بأن يقدم شهادته للعصر. وأوضح أن العالم أكثر تعقيداً من أن تغيره رواية، وأن الرواية أشبه ما تكون بقطار ينقلنا إلى مكان آخر، ولفت إلى أن الكتابة أكبر من الكاتب، حيث يتعامل الكاتب مع علاقات لغوية لانهائية، لذلك يتطور الكاتب من الأشكال الأدبية الأخرى إلى الرواية. وقال: لأن هذا العصر عصر مركب، تتداخل فيه السياسة بالاقتصاد والاجتماع مع طغيان رأس المال والجبروت، ولكي نعبر عن كل هذا نحتاج إلى شكل مركب كالرواية، فالرواية تتيح لك أن تفعل كل ذلك، وهي سلاح من لا سلاح له، تحاول أن تغير قدر الإمكان وتضيف لتجربة المرء تجارب أخرى، وهي تساعد القارئ على فهم مهمة هذا العالم المعقد. • الرواية والشعر وتحدثت جوان باور مؤكدة أن الكتابة لليافعين تحتاج الكثير من الوعي والفهم فضلا عن المهارات الخاصة، وقالت "تركز هذه الكتابة على الذي لا يرى إلا من خلال مجهر، والموجه لهم الكتابة في مرحلة عمرية خاصة جدا، حيث لا بد من معرفة كيف يفكرون وكيف يتصرفون وكيف يتعاملون مع الآخرين، وما هي طبيعة حواراتهم في البيت والمدرسة وفي أي مكان، ومختلف تفاصيل حياتهم وعلاقاتهم. وقال الشاعر والروائي بن اوكري "كل ما نستطيع فعله هو أن نسرد قصة، وأفعالنا هي أحلام، خلف عقولنا هناك واقع يتحرك وكأنه الظلمة التي سبقت الخلق. ومن دون القصة فإن هويتنا تتضور جوعاً، ومع القصة نحرر أنفسنا من الحماقات التي يرتكبها العنصر البشري، وكل ما نعمله هو قصة. واشار إلى أن الرواية هي التي تجمع، لكننا بحاجة إلى قوة الشعر كي نستعد لخوض غمار الرواية، نحن جئنا من الشعر والقصة إلى الرواية، والرواية تختزل الأجناس الأدبية الأخرى بدون فواصل. ولفت إلى أن الرواية في القرن التاسع عشر مثلاً، تختلف عنها في القرن العشرين، ورواية هذا العصر ليست مناسبة لأحفادنا. • خمس كاتبات يروين حنينهن وجمعت ندوة "أصوات من العالم"، بين خمس كاتبات من دول مختلفة، تبادلن الحديث حول تجاربهن ورؤيتهن للكتابة باعتبارها عملاً إنسانياً ومهنة إبداعية، وناقشن أهمية الوطن والثقافة في مضمون رواياتهن، وهن الكاتبة الفلسطينية الأميركية سوزان أبوالهوى، صاحبة روايتيّ "الصباح في جنين" و"الأزرق بين السماء والماء"، والمؤلفة المسرحية سيفي آتا، ومؤلفة الروايات الرومانسية إليزابيث بوتشان، والروائية العراقية هدية حسين، والكاتبة الباكستانية فاطمة بوتو. قالت فاطمة بوتو، ابنة أخ بنظير بوتو، رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة والمؤلفة والشاعرة والتي قتل والدها عندما كان عضواً في البرلمان الباكستاني عام 1996 بمدينة كراتشي، أنها أرادت أن تكون فقط روائية، وأن تبتعد عن العمل السياسي. وأضافت: "منذ نشأتي وأنا أبحث عن الوطن. لم تكن بداياتي في باكستان، ولكنني ذهبت هناك عندما كان عمري 11 عاماً. لقد ولدت في كابول ووجدت نفسي أتساءل منذ صغري: أين وطني؟ أعتقد أنه عندما يطرح هذا السؤال في ذهنك فإنه لا يذهب أبداً". ووافقت سوزان أبوالهوى ما قالته فاطمة وقالت: "كثيراً ما أكتب عن الاحتلال والمنفى، فأنا أبحث عن الوطن. تعطيك كتابة الروايات الفرصة لكي تطرح أسئلتك وتحلل الإجابات. أسأل عن الوطن لأننا كفلسطينيين نعتبر أنفسنا زواراً أبديين لدول العالم. بالرغم من أن عائلتي تسكن في القدس منذ أجيال إلا أننا أرغمنا على الرحيل. لقد ولدت في الكويت، فلم أعرف بلداً آخراً، ولكنني اكتشفت أنني ضيفة هناك، وأنه ليس وطني. عشنا في الأردن أيضاً كضيوف ثم ذهبت لكي أستقر في أميركا، ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 أصبحت شخصاً غير مرحب فيه هناك. أعتقد أنه عندما تفقد وطنك تفقد جزءاً من روحك". • الحنين للوطن وقالت الروائية سيفي آتا، والتي ترعرعت بعيداً عن وطنها، إن ذلك أثر على أسلوب كتابتها، حيث أرسلتها عائلتها التي كانت تقيم في لاجوس بنيجريا إلى مدرسة داخلية في إنجلترا، وأكدت أن نتيجة ذلك كانت كتاباتها التي تمحورت حول الانفصال والتأقلم. وأضافت: "سأستمر في الكتابة حول الانفصال والبحث حتى أشعر بالسلام. حتى هنا أشعر بالانفصال. بالرغم من أنني ترعرعت في المملكة المتحدة وأعيش الآن في الولاياتالمتحدة نادراً ما أكتب عن هذه الأماكن. تدور قصص معظم رواياتي حول مدينة لاجوس". أما الكاتبة البريطانية إليزابيث بوتشان، والتي أمضت معظم طفولتها وهي تتنقل من بلد إلى آخر بما في ذلك مصر ونيجيريا قبل انتقالها إلى جيلدفورد ويورك وإدنبره بالمملكة المتحدة، فقالت إن شعورها بالانفصال والذي يظهر في رواياتها سببه دراستها في نيجيريا بينما كان والداها في إنجلترا. وأضافت: "لقد كنت أشعر بالوحدة وعندما بدأت بالدخول في مرحلة المراهقة شعرت بأهمية السرد القصصي. إن القصص هي حلقة الوصل فيما بيننا بالرغم من المنفى وفقدان الوطن". أما الروائية العراقية هدية حسين فقالت إن للمكان أهمية قصوى في رواياتها وأضافت: "أريد أن أخبركم عن المكان لأنه عامل مهم جداً في أي عمل روائي خيالي. لقد دُمر مكان ولادتي ولكن بقيت هذه المنطقة في عقلي ممزوجة بحس من الحنين ينافس شخصيات وأبطال رواياتي. أضع كل شيء على الصفحات ولكنني عندما بدأت كتابة أول رواية عام 1999 أدركت أنه يجب أن أترك وطني وإلا سأُسجن". • الكتاب الورقي والإلكتروني تناولت ندوة "نور الكتاب" مستقبل الكتاب الورقي في مواجهة الإلكتروني، وما طرأ على القراءة من تغييرات على ضوء هذا الانتشار الواسع للكتاب الرقمي والإلكتروني، والعلاقة بينهما، شارك فيها مديرة إدارة النشر والتحرير في دار العالم العربي بدبي د. لطيفة النجار، والكاتب والأديب المغربي د. مبارك ربيع، وأدار الجلسة الكاتبة فتحية النمر. وقد ركزت د. لطيفة النجار في ورقتها على 4 محاور، هي الجانب الإحصائي وما تقوله الأرقام، والجانب العلمي وما تقوله الدراسات والأبحاث، والجانب الثقافي وما يقوله التكوين الثقافي، والجانب العاطفي وما يقوله القلب. وأشارت إلى أنه ما بين عامي 2008 و2010 زادت مبيعات الكتاب الإلكتروني بنسبة كبيرة جدا، في حين تراجعت مبيعات الكتاب الورقي، لدرجة أن هناك من تنبأ باختفاء الكتاب الورقي، وقيل أنه سيختفي مع نهاية عام 2015. وتابعت: لكن الواقع قدم لنا مشهداً آخر هذا العام، حيث تراجعت المبيعات في الكتاب الإلكتروني بنسبة 20%، وارتفعت نسبة المبيعات في الكتاب الورقي بشكل تدريجي، وفي أميركا وحدها كان عدد الكتب الإلكترونية التي تم بيعها عام 2011، نحو 20 مليون كتاباً، وتراجع العدد عام 2012 ليصل إلى 12 مليون كتاباً، وشهد العام الجاري نسبة انخفاض في مبيعات الكتاب الإلكتروني بلغت 32%، وعاد الكتاب الورقي للارتفاع. وأضافت: في الجانب العلمي يمكن الإشارة إلى عدد من الدراسات المقارنة والأبحاث التي أجريت على عدد من القراء، ففي دراسة أجريت على 50 قارئاً، حيث تم تقسيمهم إلى مجموعتين، واحدة تقرأ من الكتب الورقية، والثانية تقرأ من الكتب الإلكترونية، فجاءت النتيجة أن من قرأ من الورقي كان تَذكّرهم أفضل ممن قرأ من الإلكتروني، ودراسات أخرى عديدة أكدت أن قّراء الكتاب الورقي كانوا أفضل من حيث الفهم والاستيعاب، والوضوح ودرجة التفاعل مع النص المقروء، وكذلك الحال بالنسبة لحالة التعاطف أثناء قراءة النص القصصي، حيث كانت درجة التعاطف من قبل قرّاء الكتاب الورقي كبيرة جداً. وتاععت "من بين تفسيرات ذلك من قبل العلماء، أن ثبات النص على الورق يكشف الأحداث تدريجياً أمام القارئ، ويوفر الصلابة والثبات في النص، كما أن قرّاء الكتاب الإلكتروني صبرهم قليل، كما قال أحد الباحثين، حيث لا يستطيعون القراءة لوقت طويل، وغالباً ما تكون قراءة قارئ الكتاب الإلكتروني، متقطعة ومجزأة، ويركز القارئ على النصف الأعلى من النص، ونفس القارئ قصير جداً ولا يصبر على القراءة، وكذلك الأطفال حيث لا يصبروا على القراءة، وسرعان ما يغادروا القراءة إلى الألعاب، وكأننا في هذه الحالة نربي الأطفال على عدم الصبر، وبالتالي لن يكونوا باحثين في المستقبل، فالسمة الأساسية للباحث هي الصبر. ولفتت إلى أن الجانب الثقافي مهم جداً في القراءة، فهو ليس عنصراً منفرداً منفصلاً عن البينة الثقافية للمجتمع، والكتاب جزء من منظومة المجتمع الثقافية، ومن يتنبأ باختفاء الكتاب الورقي يشير إلى اختفاء جزء من التكوين الثقافي للمجتمع، فالمجتمعات تقاوم من يريد المس ببناها الثقافية، وأشارت إلى أن حفلات التوقيع للكتب حاضرة بالنسبة للكتاب الورقي، وهي طقس من الطقوس الثقافية. أما فيما يتعلق بالجانب العاطفي، فالارتباط بين القارئ والكتاب هو ارتباط حدث ويحدث بين القارئ والكتاب الورقي. ومن جانبه، لفت د. مبارك إلى أن الكتاب الإلكتروني هو نقلة نوعية واختلاف نوعي عن الكتاب الورقي، وفي كل مرحلة يشهد الكتاب تطوراً ما، وتبقى المسألة تتعلق بتطور شكل الكتاب وليست بحوهره، فكما للإكتروني مخاطره للورقي مخاطره أيضاً، فكم من الأفكار الهدامة والحركات الاستعمارية والعرقية والصهيونية حملتها كتب ورقية، كما أن أغلب الكوارث التي حلت بالمجتمعات جاءت من الكتاب. • السينما العربية ازدهار ونكوص وأكد سينمائيون في ندوة "السينما العربية بين الازدهار والنكوص" أن وجود الأنظمة الرقابية أثرت على تطور السينما العربية، ودعوا إلى ضرورة الاهتمام بإنشاء المعاهد المتخصصة في التدريب السينمائي وأشاروا إلى ما تواجهه السينما العربية من تحديات حالية. المخرجة والأديبة نجوم الغانم التي سبق لها تقديم نحو 10 أفلام وثائقية وروائية، حاولت في مداخلتها أن تبين طبيعة وضع السينما العربية على الخريطة العالمية، من خلال مجموعة من الاحصائيات، التي تبين الدول الأكثر إنتاجاً على مستوى العالم، وكذلك قائمة أعلى 10 دول تحقيقاً لعوائد السينما، حيث خلت المنطقة العربية من كلاهما. أوضحت أن السينما حققت لها مكانة في الثقافة العربية، إلا أن الكثيرين ظلوا يربطون بين السينما والفيلم الطويل، وذلك كونه قادرا على الوصول إلى دور العرض، وتحقيق الإيرادات على شباك التذاكر ويبين قدرات المخرج، كما يبين الحدود التي وصلت إليها صناعة السينما. وأشارت الغانم إلى أن بدايات السينما في أوروبا والمنطقة العربية تعود إلى القرن التاسع عشر، وأن الدول العربية التي وقعت تحت الاستعمار كانت الأكثر استفادة مما حققه الأجانب في عالم السينما، مؤكدة أن التطور الكبير الذي شهده العالم، لم ينسحب على المنطقة العربية التي تحركت عجلتها ببطء، مسلطة الضوء على العصر الذهبي الذي عاشته السينما العربية في فترة الخمسينيات وما بعدها، وبينت أن وجود الأنظمة الرقابية أثرت على تطور السينما العربية، ودعت إلى ضرورة إعادة إحياء الانتاج العربي المشترك في السينما. وركز المخرج الإماراتي حمد صغران في حديثه على أسباب نكوص السينما العربية وحاول تلخيصها في 3 نقاط، أولها النصوص التي قال إنها تواجه رقابتين واحدة رسمية والأخرى داخليه، وتغلغل الرقابة الداخلية في المنطقة العربية أدى في بعض الأحيان إلى قيام السيناريست بإلغاء نصه تماماً، أما النقطة الثانية فكانت حول المتلقي وعلاقته بالمنتج، وفي ذلك قال صغران، إن انشغال المتلقي العربي بهمومه اليومية والبحث عن لقمة العيش جعلت المنتج يظن أنه ساذج وأنه لا يحتاج إلى أفلام عالية المستوى، وبالتالي فهو يقبل بأي شيء، ما أدى إلى قيامه بتقديم أي شيء له، متناسياً أن ارتفاع مستوى المتلقي العربي الثقافي قاده إلى عقد مقارنة بين المنتج السينمائي العربي والمنتج العالمي. كما أشار صغران في حديثه إلى الجانب التقني وقال: "بالتأكيد أنه لا يمكن مقارنة انفسنا مع الدول الغربية في هذا المجال، فقد شهدت حلال السنوات الماضية تطوراً كبيراً في هذا الجانب، ساعده في تقديم صورة جميلة وجيدة في السينما". مشيراً إلى أن هذا الجانب فقد في السينما العربية، ودعا صغران إلى ضرورة الاهتمام بإنشاء المعاهد المتخصصة في التدريب السينمائي خاصة في مجالات التصوير والمونتاج، وضرورة فتح نوافذ جديدة في الإنتاج السينمائي بحيث نستطيع اعادة السينما العربية الى عصرها الذهبي. أما د. أمل العبدولي، فقد ركزت في حديثها على الدور الذي تلعبه السينما في تعميق الفكر في المجتمع، وأثارت خلال حديثها مجموعة من الأسئلة حول مدى قدرة السينما على استغلال عائداتها في تعميق الفكر المجتمعي، وذكرت أن السينما الغربية ابتعدت في الكثير من أفلامها عن هذا الجانب، واقترابها من الجانب التجاري بهدف تحقيق ايرادات عالية.