خريطة الأسعار اليوم: انخفاض اللحوم والعدس و الذهب يستقر    بعد تراجعه.. هل تستطيع مصر استعادة مستويات انتاج الغاز بحلول 2027؟    إسرائيل تشتعل.. طوفان مظاهرات لإنهاء الحرب واشتباكات واعتقالات واسعة -صور    أحمد شوبير يكشف طلبًا من الأهلي لاتحاد الكرة قبل مباراة بيراميدز    "دعم مالي عاجل".. هيئة قناة السويس تزف بشرى سارة للنادي الإسماعيلي    بالصور- ضبط 17 برميل ممبار و2 طن دهون فاسدة في حملة بالقليوبية    أحمد السبكي ينعى مدير التصوير تيمور تيمور    جامعة قناة السويس تنظم تدريبًا متقدمًا في الترجمة الفورية بالإنجليزية    وزير السياحة: حملة "إحنا مصر" تستهدف تحسين تجربة السائح والخدمة المقدمة    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    جوان ألفينا يبدأ مشواره مع الزمالك بأداء واعد أمام المقاولون العرب    أحمد فتوح يعتذر لجماهير الزمالك ويعد ببداية جديدة    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    الأعلى للجامعات يعلن موعد اختبار المواد التكميلية لشهر سبتمبر 2025    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    ضبط قائد دراجة نارية لاتهامه بالتحرش اللفظي بسيدة بالجيزة    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص بطريق "الإسماعيلية- الزقازيق" الزراعى    "الصحة" تغلق 10 عيادات غير مرخصة ملحقة بفنادق في جنوب سيناء    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    وزير الثقافة يعلن عن بدء الاستعدادات لإطلاق مؤتمر وطني عن الذكاء الاصطناعي    فنون شعبية وطرب أصيل في ليالي صيف بلدنا برأس البر ودمياط الجديدة    الثقافة تعلن إطلاق المؤتمر الوطني حول الذكاء الاصطناعي والإبداع    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    وكيل صحه الأقصر يتفقد وحدة الكرنك القديم الصحية لمتابعة سير العمل    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    إلزام المؤسسات التعليمية بقبول 5% من ذوى الإعاقة في المنظومة.. اعرف التفاصيل    رئيس شئون القران بالأوقاف: مسابقة دولة التلاوة رحلة لاكتشاف جيل جديد من القراء    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    الداخلية تكشف ملابسات تداول منشور تضمن مشاجرة بين شخصين خلافا على انتظار سيارتيهما بمطروح    عاجل| قرار وزاري جديد بشأن عدادات المياه المنزلي والتجاري    رئيسة القومي للمرأة تهنئ المستشار محمد الشناوي بتوليه رئاسة هيئة النيابة الإدارية    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    مصر تحصد ذهبية التتابع المختلط بختام بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    أحمد سعد يغني مع شقيقة عمرو «أخويا» في حفله بمهرجان مراسي «ليالي مراسي»    حكومة غزة: الاحتلال يتعمّد تجويع 100 ألف طفل ومريض.. ويمنع إدخال الأغذية الأساسية    وظائف شاغرة بالمطابع الأميرية.. تعرف على الشروط والتفاصيل    136 مجلسا فقهيا لمناقشة خطورة سرقة الكهرباء بمطروح    محافظ كفر الشيخ يدشن مبادرة لزراعة الأشجار المثمرة ضمن مبادرة 100 مليون شجرة    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    ملك البدايات .. . ليفربول يحتفل برقم محمد صلاح التاريخي فى الدوري الإنجليزي    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    الصحة: 30 مليون خدمة طبية للمواطنين خلال النصف الأول من 2025    مركز تميز إكلينيكي لجراحات القلب.. "السبكي" يطلق مبادرة لاستعادة "العقول المهاجرة"    صحفي فلسطيني: أم أنس الشريف تمر بحالة صحية عصيبة منذ استشهاد ابنها    مصرع شخص وإصابة 24 آخرين إثر انحراف قطار عن مساره في شرق باكستان    دعوى قضائية أمريكية تتهم منصة روبلوكس ب"تسهيل استغلال الأطفال"    إصلاح الإعلام    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    رويترز: سماع دوي انفجارات قرب محطة للكهرباء في العاصمة اليمنية صنعاء    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    الأونروا: معظم أطفال غزة معرضون للموت إذا لم يتلقوا العلاج فورًا    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    ملخص وأهداف مباراة ريال مايوركا ضد برشلونة 3-0 فى الدورى الإسبانى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الرسولة بشعرها الطويل..»: قصيدة لعقود مقبلة
نشر في نقطة ضوء يوم 28 - 10 - 2015

منذ صدورها قبل أربعين عاماً وحتى يومنا هذا ما تزال قصيدة أنسي الحاج الشهيرة «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع» عصية على النفاذ، ومحتفظة براهنيتها وطزاجة لغتها الباعثة على الدهشة. صحيح أن القصيدة قد لاقت لدى صدورها ردوداً متفاوتة من قبل النقاد ودارسي الأدب، حيث رأى فيها البعض نكوصاً عن حالة التمرد التي أوصلها الشاعر إلى تخومها القصوى في باكورته «لن»، وفي بيانها التأسيسي، ورأى فيها البعض الآخر تسديداً بالغ الصدق والبراعة إلى قلب الشعر، ورأى فيها البعض الثالث عودة لإبن الحداثة «الضال» نحو بيت الطاعة اللغوي «والأخلاقي». ولكن الصحيح أيضاً هو أن أنسي في «الرسولة..» لم يكن يصغي إلا لفورانات أعماقه ولجيشان اللغة في داخله، بعيداً عن التصاميم الجاهزة والأفكار المعلبة في «مشغل» المدارس والأساليب المتعارضة.
لم يكن في بال أنسي الحاج حين كتب «الرسولة» أن ينشق على حداثته، كما فعلت نازك الملائكة في بيان ارتدادها عن تجربة الشعر الحر، بل كان في تقديري يقارب الشعر من مكان مغاير تفرضه الوطأة العنيفة للحب حيث تعود اللغة إلى براءتها، والكلمات إلى غابتها الأم، والصرخة إلى ينابيعها. ولم يكن في بال أنسي أن يتبرأ من لعنة «لن» ليكتسب نعمة التطهر من الإثم، بل كان في الحالين منسجماً مع مشروعه الحداثي الذي يرفض التحنيط والتحول إلى وثن رمزي، ومنسجماً مع إنسانيته التي تقيم بين الأضداد، وتتمظهر في حالات ومواقف شديدة التباين. أما الذين أطلقوا على الشاعر إسم القديس الملعون، فربما كانوا يستعيدون من خلاله الوجه البودليري لانقسام الإنسان على نفسه وهو يقف على الشفير الخطر بين الجهنمات والفراديس.
ليس الحبّ في «الرسولة» مجرد علاقة عاطفية بين رجل بعينه وامرأة بعينها. بل هو العالم مطهواً على نار الشغف، ومعادة صياغته في ضوء التناغم الجوهري بين حركتي الذكورة والأنوثة. لكن الشاعر لا يكتفي بذلك بل هو يعمد في ضوء حبه المحاذي لوجد الصوفيين إلى تصحيح حكاية الخلق وكتابة «الوجه الآخر من التكوين» حيث الأنثى هي الأصل، على قول نوال السعداوي، وحيث الرجل هو الذي انشق عن المرأة، على حد أنسي في مطالع قصيدته. نحن هنا أمام سفر تكوين جديد يعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر، بقدر ما يكشف النقاب عن ضعف الرجل المتباهي بقوة العضل وسطوة الطغيان، وعن قوة المرأة المتماهية مع صبر الأرض على ظلامها، والمترفعة بالحب عن الانتقام. وفي كلمة «مغلوبك» التي استهل بها أنسي قصيدته، تصحيح لمسار التاريخ وإعادة للأمور إلى نصابها، وإقرار للمرأة بالغلبة في صراع الإنسان مع عقد نقصه، كما في صراعه مع المرض والعوز والظلم والموت.
إعلاء الجسد
وخلافاً لمعظم النصوص الحداثية التي تقوم على إعلاء الجسد وعلى النزوع الإيروتيكي الذي راح، بتأثير فرويدي واضح، يحقن اللغة بصيحات الاشتهاء المكشوفة، فإن المرأة المعشوقة في هذه القصيدة تتجرد من حضورها الجسدي التفضيلي لتتحول إلى نور محض أو طاقة خلاقة أو روح أنثوية حاضنة للعالم. وحيث لا أنبياء ذكوراً في الكتب السماوية، تخرج رسولة أنسي من وراء قضبان المهانة والاستبداد لتنشر على الملأ تعاليم الجمال وشرعة الحب والبذل، بوجهها الأنثوي والأمومي. و «حيث الأنوثة الأبدية تجرنا وراءها»، على ما يذهب غوته، تخرج الأرض من شريعة الغاب الذكورية التي يفتك فيها القوي بالضعيف وتسبح العروش فوق برك الدم، إلى الغابة الأولى ليوتوبيا الأرواح المتآلفة حيث يتعايش الأسد مع الثعلب والذئب مع الحمل والإعصار مع الفراشة. والمرأة التي تحضر في القصيدة ليست صنواً لسالومي التي ترقص حول رأس يوحنا المعمدان، بل هي التي تطهر بمياه المعمودية المقدسة أجساد الخطأة، وهي التي تستل هالة بجمالها من وجه مريم الناظر بحنوٍّ إلى صليب المخلص.
لا ينصت أنسي في هذه القصيدة إلا إلى صوت نفسه، وهو يقع مغشياً على لغته في هاوية الشغف بالأنوثة. ومع أنه لا يأبه هنا بحداثة الأشكال المنمطة وهندسة التأليف البارد، فإنه يتقاطع مع الحداثة في خروجها على النموذج الفحولي للكتابة، وفي انتصارها لجوهر الأنوثة الليّن والإنسيابي. كما يتقاطع معها في بعدها اللازمني الذي لا يعطي اللاحق بالضرورة أفضلية على السابق، خلافاً لما هو شائع في مجالات العلوم والتكنولوجيا. فالشعر في «الرسولة» ليس انفصالاً عن التاريخ ولا قطيعة مع الماضي بل هو يتغذى من النسغ الحي لشجرة اللغة، بدءاً من سفر التكوين والعهدين القديم والجديد، مروراً بأغاني الرعاة وتعاويذ السحرة ورقى الأولياء والقديسين، وليس انتهاء بنشيد الإنشاد الذي اعتبره صاحب «الوليمة» أجمل نصوص الحب عبر التاريخ، ولم ينكر في أي يوم استلهام مناخاته العاطفية المدهشة، وصوره المفرطة في حسيتها، وصيغه التعبيرية المتنوعة. هكذا لا يكاد ينتبه قارئ «الرسولة» إلى حضور الوزن أو غيابه عن القصيدة، ما دام لا يجد الوقت الكافي لالتقاط أنفاسه بين العبارة والعبارة أو بين المقطع والمقطع. كأن القصيدة مصنوعة من شهقات متواصلة، لا من مجرد جمل إسمية وفعلية واستعارات وأفعال تفضيل. فهنا يتم الانتقال بخفة نادرة بين ضمائر المتكلم والمخاطب والغائب، وبين المفرد والمثنى والجمع، وبين التضرع والقسم والابتهال والدعاء «أيها الرب إله الجنود والأحلام/ إحفظ يا رب حبيبتي/ مهِّد أمامها/ تعهَّد أيامها/ موِّج حقولها بعشب الخيال».
وهنا يكفُّ التكرار عن أن يكون باعثاً على الفقر والسأم ويصبح تموجاً متواصلاً في بحار النشوة والانخطاف. وهنا تتداخل الضمائر وتتشابك كما تتشابك الحيوات في غابة الموسيقى الكونية: «حبيبتي نشبتني واختبأتني وأطلَّتني... أنا من سَقَطَكُم ومن نجَّاكم».
لا أعرف أخيراً من هي المرأة التي عناها أنسي الحاج في «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع»، وليس مهماً، ربما، أن أعرف هويتها الكاملة. ولكن ما أعرفه هو أن الشاعر قد كتبها في ذروة الوجد، أو في لحظة الانقضاض الحاسمة على موسيقى اللغة وروح الأنوثة المصفاة من كل رجس. وإذا كانت القصيدة قد صمدت أربعين عاماً أمام عتو الزمن وميزانه الذي لا يرحم، فهي في اعتقادي قادرة على تجديد عقدها مع الزمن لعقود طويلة مقبلة.
الرسولة.. تعود بالفرنسية
«تعود» قصيدة أنسي الحاج (1937 2014) «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع» إلى بيروت، السادسة مساء اليوم، «باللغة الفرنسية»، عبر طاولة مستديرة تقام في «معرض بيروت للكتاب الفرنكوفوني» (البيال)، بمناسبة صدور الترجمة الفرنسية للقصيدة كما قصائد أخرى، عن منشورات «أكت سود/ شرق الكتاب»، التي قام بها الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي وماري تيريز هوريتا. يشترك في الندوة كلّ من أنطوان الدويهي ومارلين كنعان وفاروق مردم بيه، وتعقبها قراءات من القصيدة لندى الحاج ويارا بو نصار. تدير اللقاء جورجيا مخلوف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.