«حين أسمعكِ أيتها الأنغامُ، حين أقف، حين أتربَّص بكِ ..أيتها الرسومُ ذاتُ الأصداء.. جسدي يعلو غَرَق اللذَّة.. ويُقال لي: الوقتُ الذي سبقني طعنني في ظهري!».. كلمات احتضنتها إحدى قصائد «أنسي الحاج» لتصبح هي آخر ما تبقى من الشاعر اللبناني الذي غيبه الموت عن عالمنا. ويبقى «أنسي» من القلائل الذين استجاب القدر لأشعارهم، لما لا وقد أفرز إحدى قصائده قائلا فيها: «كلُّ قصيدةٍ هي بدايةُ الشعر.. كلُّ حبٍّ هو بدايةُ السماء، تَجذري فيّ أنا الريح.. اجعليني ترابًا، سأعذبكِ كما تُعذب الريحُ الشجَر.. وتمتصّينني كما يمتصُّ الشجرُ التراب». أُنسي الحاج شاعر لبناني الأصل، ولد عام 1937 وهو ابن الصحفي لويس الحاج، والتحق بمدرسة مدرسة الليسيه الفرنسية في معهد الحكمة، وبدأ حياته بنشر قصص قصيرة وقصائد في مجلات أدبية وهو في الدراسة الثانوية منذ 1954. الحاج دخل عالم الصحافة اللبنانية وعمل كمحترف بجريدتي «الحياة» ثم «النهار» عام 1956، كمسؤول عن الصفحة الأدبية، وحول الزاوية الأدبية اليومية إلى صفحة أدبية يومية ثم إلى ملحق ثقافي أسبوعي عن جريدة النهار وظل يصدر حتى 1974. ساهم أنسي في تأسيس مجلة «شعر» اللبنانية عام 1957وأصدر في منشوراتها ديوانه الأول «لن»، وهو أول مجموعة قصائد نثر في اللغة العربية، كما أن له ستّ مجموعات شعرية أخرى ومجموعة مؤلفات لم تنشر بعد، وله كتاب في التأمل النفسي والوجداني «خواتم» من جزأين، والجزء الثالث قيد الإعداد. وأهم دواوينه: «لن»، «الرأس المقطوع»، «ماضي الأيام الآتية»، «ماذا صنعت بالذهب.. ماذا فعلت بالوردة؟»، «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع» «الوليمة». ترجم أكثر من 10 مسرحيات إلى العربية لشيكسبير، ويونيسكو، دورنمات، كامو، بريخيت، وسواهم، وتُرجمت مختارات من قصائده إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية والبرتغالية والأرمنية والفنلندية. رحل أنسي الحاج أول أمس 18 فبراير، عن عمر يناهز 77 عامًا. من مقتطفات أعمال «الحاج» قصيدة «شتاء الحاج»: «حين أسمعكِ أيتها الأنغامُ، حين أقف، حين أتربَّص بكِ ..أيتها الرسومُ ذاتُ الأصداء.. جسدي يعلو غَرَق اللذَّة.. ويُقال لي: الوقتُ الذي سبقني طعنني في ظهري!» وكفتاةِ أعمالٍ عيناها جدولٌ من الجلد .. وكفتاة أعمالٍ عيناها أوسعُ من التاريخ الحيّ أقذف القائلَ كما فتاة الأعمالِ تقذف خادمَ القهوةِ الصغيرِ.. من رأس الدَّرَج .. وينكبّ الماءُ الساخن على عينيه وبطنهِ .. ويجلدها تعذيبه..لأنه حمل القهوةَ في وقتٍ كانت تريد إما أنا أو رأسي. «كُل قصيدة كُل الحُب» كلُّ قصيدةٍ هي بدايةُ الشعر.. كلُّ حبٍّ هو بدايةُ السماء تَجذري فيّ أنا الريح.. اجعليني ترابًا. سأعذبكِ كما تُعذب الريحُ الشجَر.. وتمتصّينني كما يمتصُّ الشجرُ التراب. وأنتِ الصغيرة كلُّ ما تريدينه ..يُهدى إليكِ إلى الأبد. قصيدة «غيوم» غيوم غيوم، يا غيوم.. يا صُعداء الحالمين وراء النوافذ غيوم، يا غيوم.. علِّميني فرَحَ الزوال هل يحِبّ الرجل ليبكي أم ليفرح.. وهل يعانق لينتهي أم ليبدأ؟ لا أسألُ لأُجاب، بل لأصرخ في سجون المعرفة. ليس للإنسان أن ينفرج بدون غيوم.. ولا أن يظفر بدون جِزْية. لا أعرف من قسَّم هذه الأقدار.. ومع هذا فإن قَدَري أن ألعب ضدّها. هلمّي يا ليّنتي وقاسيتي.. يا وجهَ وجوه المرأة الواحدة، يا خرافةَ هذياني، يا سلطانةَ الخيال وفريستَه، يا مسابِقةَ الشعور والعدد.. هلمّي إلى الثواني المختلجة نسرق ما ليس لأحد سوانا. وهْمُكِ أطيبُ من الحياة وسرابُكِ أقوى من الموت.