باتت المهرجانات الفنية تمثل أزمةً شديدةً عند إقامتها، حيث تقام العشرات منها في غضون الربع الأخير من كل عام، وتتزامن مواعيد بعضها دون مراعاة أيِّ تنسيق، مثلما حدث مع مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، والذي تم افتتاحه قبل أن ينتهي مهرجان الإسكندرية من فعاليته، مما ترتب عليه نوع من الارتباك بين صناع السينما ونجومها. وهناك تسعة مهرجانات سينمائية عربية تقام جميعها في نفس الوقت من السنة، بمعدل 3 مهرجانات كل شهر، وهو ما يشكل عائقًا أمام حضور نجوم السينما، وبعض المهرجانات تعمل على خطف النجوم بإغرائهم بالجوائز، وتوفير سبل الراحة لهم، مثل مهرجان دبي السينمائي، الذي تتداخل فعاليته مع أقوى مهرجان في المنطقة، وهو مهرجان القاهرة الدولي الذي يقام في نوفمبر، ويتزامن معهما أيضًا "مراكش" في المغرب، وهذا التداخل لا يتيح الفرص أمام النقاد أو السينمائيين لمتابعتها، ولم يتوقف الأمر على تضارب المواعيد فقط، بل وأصبح التشابه بينها سائدًا، حيث تركز هذه المهرجانات في دعواتها على نجوم بعينها من السينما العربية، وأن معظمهم من نجوم السينما المصرية. كافة النقاد والسينمائيين العرب أكدوا، أن عدم الدقة في تحديد مواعيد تنظيم المهرجانات لا يكون في صالح السينما العربية بشكل عام، ويؤدي إلى الفوضى والفشل المؤكد لبعضها. ويقول د. رفيق الصبان: إن هناك صراعًا شديدًا على شرعية إدارة بعض المهرجانات السينمائية في مصر، وضح في إقامة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته القادمة، وهذا الخلاف يعود بالسلب على المهرجان، رغم أننا في حاجة ماسة لنجاح أيِّ مهرجان فني في مصر خاصةً في الفترة المظلمة حاليًا، والمفترض أن التظاهرات السينمائية والأسابيع الثقافية هي الشعاع المضيء لهذا الظلام. وأضاف أنه عندما تقرر إقامة الدورة الأولى لمهرجان الأقصر تمَّ اختيار موعد حرج يتزامن مع مهرجان الإسكندرية السينمائي، ويتداخل مهرجان الفيلم الأوروبي الذي تقيمه السيدة ماريان خوري منذ 5 سنوات بنجاح كبير، وكان من المفترض أن ينفرد مهرجان الأقصر بتوقيت يبعد عن أيِّ تظاهرة فنية أخرى، وأن تقوم إدارته بالتنسيق مع إدارة مهرجان الفيلم الأوروبي؛ لأن مهرجان الأقصر يقوم على السينما المصرية والأوروبية. وقد اختارت ماريان خوري أفلامًا أوروبية على مستوى عالٍ جدًّا، أدى إلى تعرض مهرجان الأقصر إلى ظلم؛ لأنه لم يضمّ أيَّ فيلم أوروبي هام، كما أن مواعيد إقامة العديد من المهرجانات في مصر تتعارض مع بعضها، ومع بعض المهرجانات الأخرى العربية التي أصبح لها شأن دولي مثل دبيومراكش، حيث يتزامن موعدهما مع مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والنجاح في هذه الحالة يتوقف على حضور نجوم السينما العالمية، وهذا يحتاج إلى أموال طائلة، وهو ما فعله مهرجان دبي والذي يسعى إليه كافة نجوم السينما المصرية. ويقترح الصبان، ضرورة عقد اجتماع يجمع بين صناع السينما العربية والنقاد، والعمل على تنظيم هذه المهرجانات على فترات متباعدة، حتى يكون هناك فرصة لكل مهرجان باستضافة النجوم العرب والأوروبيين وغيرهم. ويقول د. وليد سيف رئيس مهرجان الإسكندرية لسينما حوض البحر الأبيض المتوسط: إن عمر مهرجاني الإسكندريةوالقاهرة السينمائي يتجاوز 30 سنة، ومواعيد إقامتها واضحة، وكان يجب على منظمي المهرجانات العربية الحديثة تحديد مواعيد بعيدة عن مواعيد القاهرةوالإسكندرية، ولكنهم قد اختاروا نفس الفترة لأسباب لا نعلمها ولا نعلم الهدف من ذلك أيضًا، ولكن قد يكون ارتفاع درجات الحرارة عندهم هو ما دفعهم إلى هذا التوقيت. سيف يرى ضرورة إنشاء اتحاد عربي للمهرجانات العربية يقوم بتنظيم المهرجانات من ناحية المواعيد والبرامج أيضًا؛ لأن معظم هذه المهرجانات تتشابه في برامجها، وهو ما يؤدي إلى تكرار داخل المهرجانات بما يضرُّ بها، مشيرًا إلى أن التغلُّب على أزمة المواعيد وتداخلها يتطلب توزيع هذه المهرجانات ما بين شهر سبتمبر وشهر إبريل؛ وهي الفترة المناسبة من حيث المناخ لنجوم السينما العالميين. وأضاف أن مصر تشهد أكثر من 50 مهرجانًا فنيًا سواء سينمائيًا أو مسرحيًا أو غنائيًا، وهي أيضًا تتداخل في مواعيدها وتحتاج إلى تنظيمه هي الأخرى؛ لأن هناك مهرجانات لا تحظى بأيِّ نجاحات على الإطلاق بسبب تداخل المواعيد. وقال كمال عبد العزيز رئيس المجلس القومي للسينما: إن مواعيد إقامة المهرجانات العربية تمثل أزمةً حقيقيةً؛ وذلك لأنها تقام في فترة بسيطة، وهي الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، مضيفًا "هذه المشكلة كانت تشغل تفكيري؛ لأن المهرجانات تحتاج إلى خريطة يتم وضعها من خلال صناع السينما العربية وتنظيم المواعيد، بحيث لا يتأثر مهرجان بآخر، حتى يتحقق النجاح المطلوب لكل مهرجان"، مؤكدًا كذلك على ضرورة مراعاة إقامة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في موعده باعتباره أهم المهرجانات العربية على أن يكون هناك فترة بينه وبين المهرجانات المصرية الأخرى. وأوضح، أنه منذ توليه رئاسة المركز القومي للسينما قام بعمل حصر دقيق للمهرجانات العربية اكتشف من خلاله أن كل مواعيد إقامتها متداخلة، مضيفًا "من هنا كان لا بد أن يكون هناك حلٌّ لهذه الأزمة، ولذا قمت بتوجيه الدعوة لكل المهرجانات لترتيب المواعيد، ويجري الآن التحضير لورشة عمل لعقد لقاء مع كل مديري المهرجانات للتنسيق في مواعيد المهرجانات العربية". ومن جانبه طالب الناقد السينمائي محمود قاسم صناع السينما ووزارة الثقافة بالعمل على الاهتمام بكافة المهرجانات الفنية في مصر، وإعادة تنظيمها، حتى إذا طلبنا من العرب تنظيم مهرجاناتهم، تكون هناك استجابة منهم، خاصةً وأن التجربة في مصر سيكون لها أهميتها، وأوضح أن هناك عشرات المهرجانات المصرية معظمها لا يحقق نجاحًا بسبب تضارب مواعيدها، وعدم إتاحة الفرصة أمام النقاد والجمهور لحضور بعضها، فلابد من موقف من قبل وزارة الثقافة تجاه المهرجانات المصرية والعربية، والتي اختارت توقيتات من أجل العناد فقط مثل مهرجان دبيومراكش، واللذين سيتم إقامتهما في نفس توقيت مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وكل عام يكون هناك خلافات على خطف النجوم والأفلام رغم اختلاف توجهات المهرجانات.