الأرقام والنسب التي ذكرها التقرير العام الذي أعده مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء حول أوضاع القراءة في الأسر المصرية مهمة وخطيرة في نفس الوقت لأنها تعكس وتفسر في نفس الوقت ما آل إليه الوضع الثقافي والفكر بل والعلمي أيضا للأسرة المصرية. فالتقرير أكد في استطلاعه أو بحثه أن 88% من الأسر المصرية لا تقرأ إلا الكتب المدرسية فقط بجانب أن 76% من هذه الأسر لا تقرأ إطلاقا الصحف الدورية أو المجلات وباستنتاج بسيط للغاية سوف نجد أن مصدر المعلومات الرئيسي للأسرة إن لم يكن الأوحد هو المناهج الدراسية في مراحل التعليم المختلفة وبالتأكيد هناك مصدر آخر هو وسائل الإعلام وتحديدا جهاز التليفزيون والقنوات الفضائية رغم أن ذلك لم يشر له التقرير إطلاقا؟! وإذا وضعنا هذه النسبة بجانب نسبة انتشار الآمية في المجتمع المصري والتي وصلت مؤخرا إلي 26% من تعداد الشعب المصري، سوف نكتشف أننا أمام مشكلة خطيرة للغاية وهي اضمحلال الثقافة أو المعلومات في حدها الأدني لدي الأسر المصرية وفي نفس الوقت سنكتشف خطورة وأهمية مضمون المناهج الدراسية التي تقرر علي طلابنا وأن هذه الأداة أو الوسيلة التي أصبحت وحيدة لتشكيل عقل الشعب المصري كله لما يجب أن نلتفت إلي أهميتها ودورها الخطير الذي تلعبه وستلعبه فيما يحدث الآن داخل المجتمع المصري ولن نكرر ما كتب عما تحتويه المناهج الدراسية الحالية من مضمون يدعو إلي الاستكانة بل ونبذ العلم أيضا وإلا فلنقرأ كتاب الدين الإسلامي المقرر علي الصف الأول الثانوي، ناهيك عن تشجيع التطرف واحتكار الآخر أي كان من أصحاب الأديان الأخري غير الدين الإسلامي، وقد أكد هذا المعني التقرير الذي أصدره المجلس القومي لحقوق الإنسان منذ سنوات حيث أكد وجود صفحات كاملة منقولة بالنص من كتب سيد قطب وتحديدا كتاب معالم علي الطريق ولن نتحدث عن الشكوي من مضمون كتب ومناهج اللغة العربية فكيف أنها بجانب "تعقيدها" للطلاب في حب اللغة العربية نفسها فإنها أيضا لا تعطي لهم المعلومات المناسبة والصحيحة في الموضوع الذي نتحدث عنه بل إنها دائما ما تحاول أن "تقولب" بمعني أنها تريد نمطاً معيناً من الفكر يسود ويتعلمه الطالب، وإذا انتقلنا إلي مناهج التاريخ فهي ليست بأحسن حالا من اللغة العربية، فتحت بند إزالة الحشو والتخفيف عن الطلاب أصبحت مناهج الدراسات الاجتماعية في جزء التاريخ منها مجرد عناوين فقط لا يستفاد منها شيء ولا تضيف شيئا للطالب وبالتالي فالحفظ لهذه الأسماء والتواريخ هو الحل الصحيح لعبور الامتحان، وقد صادفتني واقعة شخصية، ففي كل مناهج المرحلة الابتدائية وهي التي يحرص الكثيرون علي الالتحاق بها حتي قبل تسربهم من مراحل التعليم المختلفة سنجد أن الحقبة الفرعونية يعرفها الطالب علي استحياء وأنها مجرد عناوين فقط وليس قبل أن يصل إلي الصف الرابع الابتدائي فمثلا رغم أننا بلد الأهرامات الثلاثة وهي أحدي عجائب الدنيا السبع سنجد أن طلاب السنوات الدراسية الأولي لا يعرفون عنها شيئا أو حتي أنها تقع بمصر في حين أن طلاب دولة فرنسا وتحديدا في الصف السادس الابتدائي يدرسون منهجا كاملا عن الحضارة الفرعونية القديمة باعتبارها احدي الحضارات الإنسانية المهمة وبداية الفكر الإنساني وبالتالي سنجد أن الطالب الفرنسي الذي يبلغ من العمر 12 عاما يعرف عن حضارتنا وتاريخنا أكثر مما نعرفه نحن المصريين "أحفاد الفراعنة". ولن أتطرق إلي المناهج في السنوات اللاحقة وتحديدا منهج التاريخ لأني اعتبر عدم وجوده أفضل من وجوده لأن المحصلة منه تساوي "صفرا" وهذا ليس تجني بقدر ما هو إحساس بالآسي عما وصلت إليه مكانة تاريخنا العظيم عبر مراحله المختلفة، ناهيك عن تاريخ العالم من حولنا. وإذا انتقلنا إلي المناهج العلمية أي مواد الرياضيات والعلوم سنجد الحال أفضل نسيبا من المناهج الإنسانية وأن هناك محاولات جادة لتطويرها ولكن مع كل الاحترام لما يحدث فإنها تظل أيضا أقل مما نطمح إليه ومما وصل إليه الآخرون من معارف والدليل أننا نحتل المراكز الأخيرة في المسابقات الدولية التي تقام للطلاب في المواد العلمية وهي الرياضيات والعلوم ومؤخرا لم نحصل علي تصنيف فيما حصلت كوريا الجنوبية وسنغافورة وفلندا علي المراكز الأولي عالميا. وبالتالي فإن خطورة المناهج الدراسية والدور الذي تلعبه في تشكيل وجدان الأسر المصرية قد أثبتته الدراسات والاستطلاعات العلمية ولم يصبح كلاماً مرسلاً أو دراسة هنا أو هناك وإنما قام بها جهاز رسمي حكومي والأغرب أنها تابع لمجلس الوزراء المصري. والسؤال هل نأمل أن يعقد مجلس الوزراء جلسة لمناقشة هذه القضية الخطيرة؟ خاصة أن وزير التربية والتعليم المسئول عن وضع الإشراف عن المناهج الدراسية عضو بمجلس الوزراء والقضية ليست أن يكون مجلس الوزراء أو وزير التربية والتعليم متخصصاً في علوم التربية ولا يهم أن تكون الخلفية التي أتي منها هي الطب أو الهندسة أو حتي الحقوق المهم أن يعي خطورة هذا الجهاز الذي هو مسئول عنه بحكم القانون ولا يكفي أن يسند أمره إلي أستاذ جامعي متخصص وخبير ولكن المهم أن يسند أمر هذا الجهاز لأشخاص يعرفون خطورة تأثير المناهج الدراسية في تشكيل وجدان الأسرة المصرية وأن يسند أمر الجهاز لمن يدرك أهمية الثقافة والعلم في مستقبل مصر ولا يكفي أن يسند إلي موظفين حتي لو كانوا أساتذة جامعات. ومع كامل الاحترام لهم ولكن لابد من وجود أشخاص أصحاب رؤية لما هو المقصود والهدف من المناهج الدراسية، خاصة أن هذه المراكز التي تقوم علي أمر المناهج تحتكم علي ملايين الجنيهات من الموازنات الرسمية والمنح الأجنبية مما يجعلها دائما هدفا لمن يريد الثراء واسألوا عن مصير المنح وكيف تقرر الكتب والمناهج الدراسية علي طلابنا وما القواعد المعمول بها في ذلك لنعرف كيف وصل بنا الحال في المجتمع إلي ما وصلنا إليه من تطرف شديد ونبذ حتي لفكرة قبول الآخر وخروج من التصنيفات العالمية. فهل نتمني أن نلتفت إلي نتائج التقرير الخطير الذي أعده جهاز يتبع مجلس الوزراء وهل نطمع أو نظن أنه يمكن أن تتخذ إجراءات لتصحيح الأوضاع البائسة لمناهجنا الدراسية وأن تعود حصة القراءة والمكتبة إلي يوميات الطالب المصري. إن بعض الظن إثم؟