بعد توقيع اتفاقية السلام بين شمال السودان وجنوبه والتي أوقفت حربا استمرت أكثر من 20 عاما من الاستنزاف البشري والمادي.. أصبح السودان أمام إرادة التحول والمسئولية التاريخية ، والاختبار الحقيقي ,, بعد سلسلة من التجارب وعلي حزب الريح مايودي.. أنارت الاتفاقية الطريق أمام عملية التحول الديمقراطي بخارطة واضحة المعالم، وبخطوات محددة وموقوتة.. - تبدأ بإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية وإقليمية تشمل جميع مواطني السودان وذلك في أوائل شهر إبريل القادم.. - تليها خطوة أخري بإجراء استفتاء مع مطلع 2011م لأبناء الجنوب ليختاروا بملء إرادتهم بين الوحدة والانفصال. والسودان اليوم علي وشك إجراء الخطوة الأولي وهي إجراء الانتخابات العامة والتي ستلقي الضوء علي الخريطة السياسية علي أرض السودان.. ويتنافس علي مقعد رئاسة الجمهورية السودانية حسب المفوضية الانتخابية السودانية عند إغلاق باب الترشيح 12 مرشحا وهم: عمر البشير والصادق المهدي(حزب الأمة) وياسر عرمان (الحركة الشعبية لتحرير السودان، متمردون جنوبيون سابقا) وعبدالله دنق نيال (المؤتمر الشعبي) ومبارك الفاضل (حزب الأمة - جناح الإصلاح) وعبدالعزيز خالد(التحالف الوطني) وإبراهيم نقد (شيوعي) وحاتم السر (حزب الاتحاد الديمقراطي) والدكتور كامل إدريس (مستقل) ومحمود أحمد جحا محمد (مستقل) وقد تم اعتماد المحكمة القومية العليا لكل من فاطمة أحمد عبدالمحمود ومنير شيخ الدين.- ويجب علي كل مرشح أن يجمع مالايقل عن 15ألف توقيع من بينها 200 توقيع في 18 ولاية مختلفة من بين الولايات ال 25 التي يتكون منها السودان. ويضم شمال السودان 15 ولاية، بينما يشتمل الجنوب علي 10 ولايات، مما يلزم المرشح للرئاسة بالحصول علي تأييد من الشمال والجنوب. وعلي رئاسة حكومة الجنوب يتنافس كل من سلفاكير دي مارديت، ولام أكول ويخوض سباق الانتخابات السودانية 14 ألفا و500 مرشح في المستويات الأخري من تشريعية وإقليمية. وتعد هذه الانتخابات المتعددة الأطراف هي الأولي منذ 1986 في السودان والتي وصفها نائب رئيس المفوضية القومية للانتخابات عبدالله أحمد عبدالله بالمعقدة..! والمقصود أن الناخب سيواجه داخل المركز الانتخابي عددا من صناديق الاقتراع، منها اختيار مرشحة للرئاسة، ومرشحة لحاكم الولاية الذي يوجد فيها، وممثليه للمجلس الولائي.. وتزدادالصناديق عددا في الجنوب، حيث يصوت الجنوبيون أيضا لرئيس حكومة الجنوب. ونري أن انتخابات أبريل المقبل تواجه تحديات جديدة وتصارع أمواجا متلاطمة،بحثا عن مواقف متقاربة ومعالجات ومخارجات مضمونة، وصولا الي بر الأمان، وتحقيقا لسودان مستقر ومزدهر. ومن الضروري حسم القضايا الخلافية العالقة بين الشريكين في الأيام القليلة المقبلة، حتي يتسني للمشاركين من الشريكين في هذه الانتخابات تقديم برامجهم في إطار الحملات الإنتخابية تقديم برامجهم في إطار الحملات الانتخابية، ليقف الناخب علي حقيقة مواقف المرشحين من بعض القضايا المصيرية، وكيفية معالجة المشكلات التي تهدد الوطن والمواطن معا. وحتي يتم الحفاظ علي مكاسب الاتفاقية، والتي ستصل بالبلاد الي بر الأمان والاستقرار. - يجب أن يعمل الجميع علي عدم العودة الي أجواء الحرب. - حتمية الوفاء بالاستحقاقات الموقوتة في مسار عملية التحول الديمقراطي. ولا شك اننا جميعا مع سودان مستقرا، سواء بالوحدة وهو مانأمله.. أو انفصال هادئ متحضر يصل الي تحقيق حياة حرة كريمة لكل مواطن علي أرض السودان. لا أحد يختلف علي حق تقرير المصير فهو حق إنساني وشعبي.. وأيضا هو حق سياسي وديمقراطي. ولكن علينا أن نتنبه ونؤكد علي ضرر الانفصال علي الدولتين اذا تم.. وهذا ماتؤكده كافة القوي والاحزاب وهيئات المجتمع المدني بالسودان شماله وجنوبه، في أكثر من ملتقي.. بالنسبة للجنوب: - الانفصال سيزيل أثر الجنوب كقوة وطنية أوجدت لنفسها مكانتها التاريخية والاجتماعية السودانية. - سيفقد الجنوب نصيبه من البنيات الاساسية التي نشأت في السودان ملكية مشتركة خلال طريق طويل مشترك. - لايملك الجنوب منفذا بحريا للإستيراد والتصدير. - سيحرم الانفصال الجنوب من التواصل المباشر مع العالم العربي من خلال البوابة الشمالية. - سيحرم الانفصال الجنوب من الاستفادة من السوق الشمالي ومنتجاته. بالنسبة للشمال: - سيحرم الانفصال الشمال من السوق الجنوبي ومنتجاته. - سيحرم بعض أهل الشمال من المراعي في تنقلاتهم السنوية. - سيضعف أثر الشمال التنموي. - سيقفل بوابة الشمال نحو أفريقيا الجنوبية والشرقية. - سيحرم الانفصال الشمال من عوائد البترول الواقع في الجنوب في حين أن الاستغلال الأمثل هو أن يتم في صورة وطنية مشتركة. بالنسبة للسودان الوطن: - سيحرم الانفصال الدولة السودانية من مساهمات الجنوب والشمال قوميا. - سيضعف الانفصال من قوة السودان في مختلف محاور الحياة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. - سيقلل الانفصال من دور السودان الاقليمي والدولي. - قد يتسبب الانفصال في عدم الاستقرار والدخول في مناوشات حدودية بين الحين والآخر. وفي استعراض لورقة الوحدة الجاذبة.. إنسانيا، فإن أهل السودان (عربا وأفارقة) ينحدرون من أصول واحدة، فعليهم الاحتكام لهذا المبدأ قبل التفكير في التفاضل بإفريقيتهم أو عروبتهم، عليهم اقرار هذا المبدأ كأساس للتعايش في أرضهم التي تلاحقت مراحل تواجدهم وقدومهم عبر الحقب والازمان، يستفيدون من هذه الارض وخيراتها الوفيرة، التي وكما تشير الحقائق والمعادلات، تكفيهم وتكفي غيرهم من حولهم. تاريخيا، هناك تاريخ طويل ومشترك، لازم مسيرة حياتهم خلال رحلتهم الطويلة، الأمر الذي خلق نوعا من الروابط التاريخية التي لايمكن نسيانها، حتي وإن شابت حلقاتها بعض السلبيات. اجتماعيا، أكدت الوقائع أن هناك تمازجات وتصاهرات اجتماعية تحققت خلال ذلك المد التاريخي الطويل المشترك، ولا يمكن إنكارها في جميع مناطق البلاد، وهو مايجعل النسيج الاجتماعي السوداني اليوم أمرا غير قابل للشطر أو التفتيت، في زمن باتت فيه الحقائق لاتقبل غير التوجه نحو الوحدة والتكامل، فقوة السودانيين في مواجهة صعاب الحياة في وحدتهم. سياسيا، دور السياسيين السودانيين يجب أن ينصب نحو تجميل هذه الجوانب وذلك من خلال خلق منبر عمل بجمع صفوف أهل السودان للتشاور حول كيفية تحقيق الأتي: الاعتراف بهذه الحقائق الواردة ذكرها. الاعتراف بالمظالم التاريخية التي أوقعت بحق بعض المجموعات الانسانية السودانية. اعادة تنظيم الحياة في مختلف وجوهها، سياسيا وتنفيذيا وقانونيا، وخدميا. صباغة دستور يستند الي الموضوعية، والمصلحة العامة دون تمييز. التوزيع العادل للسلطة من خلال انتهاج الفيدرالية في الحكم خيارا وملاذا من نظام المركزية وسيطرتها الدائمة علي السلطة منذ فجر إستقلال السودان. تنظيم ثروات السودان حصرا وتوزيعا عادلا وتحديد القومية والاقليمية منها بشكل عادل مع تشجيع حكومات الاقاليم علي إتباع سياسات تنموية تزيل عن الإنسان السوداني البسيط أمراض الجوع والمرض والجهل، والانطلاق به الي عالم أفضل. ونأتي الي دور مصر والعالم العربي فقد آن الأوان أن يتحمل الكل مسئولياته.. وفي هذا الإطار كتبت مقالا بعنوان "نظرة علي السياسة الخارجية المصرية من غزة الي جوبا" نشر بجريدة العالم اليوم بتاريخ 7/7/2007 العدد 4982 وذلك بعد زيارة الي مدينة جوبا شاهدت ماخلفته سنوات الحرب والتطاحن علي مدي عقدين من خراب ودمار. وقد لمست علي أرض الواقع مدي أهمية الدور المصري في الجنوب والذي عاد أخيرا بعد استقرار الأوضاع إثر إتفاقية السلام بين الشمال والجنوب وقد ظهر هذا في قيام مصر بتقديم منحة 4 محطات توليد كهرباء لإنارة 4 مدن هي عواصم لأهم وأكبرالولايات في الجنوب وهي "واو، بور، رومبيك، وبوامبيو". هذا عدا المشروعات الأخري التي بدأت تدخل حيز التنفيذ في مجالات التعليم والصحة والري والطاقة الزراعية.. وعلي رأس هذه المشروعات فرع لجامعة الإسكندرية بمدينة "واو" وإنشاء مدارس فنية، ومركز تدريب حرفيين، والمساهمة في تطهير مجري نهر النيل في جنوب السودان، وإنشاء مستشفي ضخم في مدينة " واو" ومجموعة من العيادات الطبية في الجنوب.. وللقارئ العزيز أن يعلم مدي تأثير ذلك علي شعب طيب شقيق عاني من ويلات الحروب لمدة 20 عاما أوصلت هذه البلاد الغنية التي تحوي في باطنها الثروات والخيرات الي حالة مزرية لا طرق، ولا كهرباء، ولا مياه نقية، ولا أي نوع من الخدمات الصحية والتعليمية ليفترس شعبها الفقر، والمرض، والجهل.. الجنوب الآن يحتاج الكثير من السودان نفسه ومن مصر والعالم العربي.. فحتمية دور مصر والعرب في التنمية والإعمار مع إرادة هذه الشعوب كفيل بعبور السودان الي بر الأمان ودعما للوحدة العربية نفسها.. واليوم تقوم جامعة الدول العربية برعاية السيد عمرو موسي - أمين عام جامعة الدول العربية بدعوة كافة رجال الأعمال والمستثمرين العرب لحضور المؤتمر العربي للإستثمار والتنمية في جنوب السودان تجاوبا مع المبادرات المختلفة للقيادات الوطنية السودانية للسيد رئيس جمهورية السودان الرئيس عمر البشير والسيد النائب الأول الفريق أول سلفاكير دي مارديت رئيس حكومة جنوب السودان، والتفاهمات التي جرت في هذا الإطار مع السيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية، لتأكيد واستمرار الدور العربي في تشجيع مناخ التنمية والإستثمار والسلام في جنوب السودان والذي ظهر بقوة عقب التوقيع علي بروتوكول مشاكوس من خلال عقد ثلاث مؤتمرات تنموية لصالح جنوب السودان بمقر جامعة الدول العربية خلال الفترة من ديسمبر 2002 حتي يونيو 2003. كما يأتي المؤتمر إدراكا لأهمية دور القطاع الخاص العربي والمستثمرين ورجال الإعمال في دفع عجلة السلام التي أنشأها التوقيع علي إتفاق السلام الشامل في يناير 2005، وفي إطار تنفيذ القرار الذي إتخذته القمة العربية في دمشق قرار رقم 421 بتاريخ 30/3/2008 والذي دعا الدول والصناديق ومؤسسات التمويل والإستثمار العربية الي مواصلة الجهود والمشاركة الفاعلة لعقد المؤتمر التنسيقي الرابع للتنمية والإستثمار في جنوب السودان، وذلك بالتعاون مع حكومة الوحدة الوطنية وحكومة جنوب السودان، بما يساعد علي تنسيق الاستثمار والخدمات العامة والإجتماعية والمساهمة في تنمية الجنوب وجعل الوحدة خيارا جاذبا. وسيعقد المؤتمر بإذن الله تحت رعاية السيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية اليوم "23 فبراير 2010" بمدينة جوبا وأوجه التحية الي السيد عمرو موسي - الأمين العام، والفريق العامل معه وعلي رأسهم السفير سمير حسني - مدير إدارة أفريقيا والتعاون العربي الأفريقي والسفير محمد منصف مراد - ممثل الجامعة في جنوب السودان، وكل من شارك وساهم في هذه المنظومة. وأتوجه بالنداء الي كافة المسئولين في السودان والعالم العربي وكافة الأحزاب والطوائف وهيئات المجتمع المدني للوقوف أمام مسئولياتهم التاريخية فهي خطوة جادة نحو الوحدة العربية الشاملة.. فهيا بنا نعمل ولنثبت للعالم أن بناء الأوطان ومقدرات الشعوب لاتتم إلا علي أيدي أبنائه..