الاسبوع الماضي كان بحق اسبوعاً للاحتفالات بالعلم والعلماء والابتكار وكل ما له علاقة بالفكر العلمي والطريق الي المستقبل بكل ما يحمله من أماني وطموح وثقة في المستقبل. بدأ بعيدالعلم وتكريم الرئيس للعلماء وانتهي بسوق او معرض لتسويق الابتكارات! مرورا ببداية العام المصري- الفرنسي للعلوم والتكنولوجيا. كان حضور العلماء مهيبا بالابتسامة والهدوء وانخفاض الصوت رغم ان المناقشات العلمية ساخنة للغاية والقضايا المهمة ايضا. انهم القوة الناعمة لمصر القوة التي تعطي في هدوء بدون ضجيج، انهم النخبة التي تفكر وتجتهد حتي تصل الي حلول لمشاكل يرون انها ذات اهمية، يخططون بدقة حتي يصلوا الي لحظة الفوز وهي في العلم الوصول الي تأكيد الافتراضية التي تم وضعها في البداية او نفيها، فكلتا القضيتين علم واضافة جديدة ثم اخيرا يأتي التكريم بعد سنوات من العطاء في لحظات مهمة في حياة هؤلاء العلماء الاجلاء ليقول لهم الجميع نعم للعطاء المستحق- فهؤلاء فكروا وعملوا واجتهدوا ولم يكن هناك شيء اسمه سوف تحصلون علي الآلاف بل الملايين اذا اجتهدتم، انهم ايضا فئة الموهوبين في مصر، ولكنها موهبة التفكير الحر العقلاني لذلك ما اجمل التكريم حينما يحصلون عليه ولكن في نفس الوقت سألت اذا كنا نملك مثل هذه المواهب والعقول فلماذا تزداد ازمات مصر، لماذا نعيش ازمة السيول، رغم ان الازمة هي فعل من افعال الطبيعة ولكنها ايضا فعل من افعال العلم.. لماذا تنهار حياتنا بفعل الكوارث الطبيعية وغيرنا لديه مثل هذه الكوارث ولكن حياته وحياة ابنائه لا تنهار انظروا كيف استفادت اليابان من مشكلة الامطار والسيول ونحن ماذا فعلنا، بنينا في مخرات السيل، وحينما رأيت د. احمد عكاشة بوجهه المبتسم وكنت قد انتهيت لتوي من قراءة تحليل د. قدري حفني عما يحدث في مصر وازمات الفتنة الطائفية والنقاب وغيره- تساءلت اين علماء مصر من ذلك، ولماذا يكون لدينا فقط مجلس اعلي للعلوم والتكنولوجيا وليس لدينا مجلس اعلي للمفكرين والعلماء والمثقفين، هل هناك علم وبحث علمي بدون مناخ ثقافي حر يحترم الانسان والاخر. كم نحن بحاجة الي مثل هذا المجلس الذي يجلس ويناقش ويفكر لعله يكون الحل والشفاء من الداء ولانه كان احتفالا مهيبا في حضور القوة الناعمة لمصر من علمائها الكبار. تساءلت ايضا لماذا التكريم والجوائز يأتيان في اخر العمر فقط اين الجوائز لشباب العلماء والتكريم ايضا قد يجيب احد ان لدينا جوائز الدولة التشجيعية نعم انها جوائز من الدولة ولكن من المهم ايضا ان يشعر شباب العلماء انهم حاضرون في سماء الوطن وانهم يكرمون ايضا لماذا لا يكون هناك حافز لهؤلاء العلماء ولماذا لا تكون هناك جائزة كبري باسم الوطن لهؤلاء الشباب نعطي لهم، فيعطون لنا ويكملون المسيرة، انه فقط مجرد خاطر اتي في ذهني وتعمق خاصة بعد ان حضرت ساعات نهار طويل في اول "سوق علمي" للاختراعات والابتكارات يقام في مصر ويشترك فيه شباب صغير من المدارس الي الجامعات الي المؤسسات العلمية في مصر وفي دول البحر المتوسط واوروبا. للحقيقة لم افهم في البداية ماذا تعني كلمة سوق لعرض المخترعات العلمية، ولكنه بعد ان اقيم لاول مرة في مصر فهمت انه سوق اشبه بالمعارض التي تقام لعرض وتسويق المنتجات الغذائية او المنزلية مثلا ولكن هنا سوقاً لعرض الانتاج العلمي، فهذا "روبوت" علمي يقوم بمهام محددة في الصناعة، قام به طلاب من الجامعة الالمانية وهذا بحث علمي وجهاز صغير لتخفيف الضوضاء الناتجة عن محركات الطائرات والاجنحة يقوم به طلاب جامعة عين شمس لصالح كبريات شركات الطيران العالمية وغيره الكثير من المنتجات التي قد يكون بعضها له مثيل او بعضها مجرد افكار جديدة تماما تحتاج فقط لبعض الدعم المادي والمؤازرة حتي تخرج الي النور. رأيت عدداً محدوداً من اطفال المدارس يغنون وهم فخورون بانهم انتجوا آيس كريم من خلال ماكينة "سهلة الاعداد" للايس كريم في دقائق معدودة- تذكرت بها طلاب عشت معهم احلامهم العلمية في اختراع اشياء جديدة ولكن للاسف لم يجدوا من يدعم احلامهم الصغيرة ، وتذكرت انه بالتأكيد هناك الالاف من الموهوبين في مدارس مصر وجامعاتها ولكنهم للاسف لا يجدون الاطار الذي يساعدهم علي الظهور ولانها تجربة جديدة تماما في دنيا العلم والتسويق له في مصر.. فلماذا لا تقيم معرض سنوياً للابتكارات العلمية يقام داخل احدي الجامعات المصرية ومعرضاً اخراً سنوي يقام لطلاب المدارس في المحافظات، اسوة بمعرض الكتاب السنوي او حتي معارض السلع المعمرة والمهرجان الرياضي- للحقيقة انها تجربة جديدة وفكرة جيدة علينا ان نستعيدها كما نفعل الان- لعل يكون في ذلك اداة تحفز الشباب علي التفكير والبحث العلمي وحب العلم والاختراع- بدلا من ان نتركه فريسة لصراعات هشة تحاول ان تهدم عقله وتفكيره وقوي ابداعه بأن تسحبه للتفكير في الخرافة والتخمين والتواكل- قوي تحاول ان تهدم كل ما هو عقلاني وإنساني لصالح هذه الفئة التي تحاول دائما ان تسرق افكار الاخرين وتعيش علي انتاج الاخر، العلمي- المتقدم ولكن بعد ان تهدم شبابه وتقتل فيه روح الابداع فهل ننتبه أن بالعلم وحده والتفكير العلمي هو طريقنا للخلاص من كل من يريد ان يعود بنا الي سيرة أهل الكهف.