علي مدار الاسبوعين الماضيين كانت قضية البعثات المصرية للخارج واحوال المبعوثين المصريين حاضرة وبقوة علي مائدة النقاش والحوار في اكثر من مناسبة ومكان داخل الوطن وخارجه ايضا، في الخارج تم ذلك اثناء زيارة الي ايطاليا في اطار العام المصري الايطالي للعلوم والتكنولوجيا ورغم ان الزيارة كانت للمباحثات وتوقيع الاتفاقيات العلمية والاكاديمية في ختام عام نشيط للغاية وزيادة التعاون العلمي مع ايطاليا الا ان الزيارة وباصرار د. هاني هلال وزير البحث العلمي لم تختتم الا بلقاء مع المبعوثين المصريين في ايطاليا لنسمع منهم مباشرة اسئلة ساخنة وانتقادات حادة في بعض الاحيان عن احوال في مصر ولا سيما داخل جامعاتنا ومراكزنا البحثية وكانت المفاجأة في الاجابات الاكثر سخونة وبشفاقية تامة من جانب وزير البحث العلمي د. هاني هلال. اما المناسبة الثانية فكانت داخل المجلس الاعلي للثقاقة وتحديدا من خلال مشروع الترجمة به وكان النقاش كله ايضا عن البعثات المصرية واهميتها القصوي في نقل حاضر مصر إلي المستقبل والغريب ان الجميع ايضا وجه الانتقادات ولكن كان هناك اجماع علي اهمية هذا الدور الذي يمكن ان تلعبه البعثات في تغيير واقع مصر وكان ذلك الحوار مع د. محمود محيي الدين وزير الاستثمار بسبب قيامه بكتابة مقدمة لكتاب عن نهضة سنغافورة ودول جنوب شرق اسيا للعالم السنغافوري الشهير السيد مححباني، وهو ما يستحق ان يخصص لهذا الكتاب ومقدمته مقالا مستقلا لاحقا، نظرا للاهمية الكبيرة في توضيح اسباب النهضة والمعجزة الاسيوية التي اعتمدت بشكل رئيسي علي قطاع هام اسمه التعليم والبعثات الخارجية. وهو ما يعود بنا الي الحدث الاول الساخن الذي بدل برودة الجو في روما في هذا الوقت من العام. بدأ المبعوثون في سرد حكايتهم وتجربتهم الشخصية للحصول علي بعثة وفرصة للسفر في الخارج وكيف تحقق هذا الحلم اخيرا ومشاكلهم بعد السفر وعلاقتهم مع ادارة البعثات والاهم رؤيتهم لما بعد العودة والحصول علي الدرجة العلمية من الخارج وللحقيقة كان الهاجس الاكبر للمبعوثين المصريين، هو هموم ما بعد العودة والعراقيل التي يتم وضعها في طريقهم، والتي تصل في بعض الاحيان كما روي بعرضهم نتيجة خبرات سابقة لزملاء عادوا من البعثات الي جامعتهم الام وهي سياسية اللامبالاة لارائهم بل تعمد "الاستهانة" بارائهم ورؤيتهم فيما يمكن ان يحدث داخل مواقعهم مما ادي بكثيرين منهم الي الاستقالة والعودة الي الخارج مرة اخري، كانت الرؤية والمطالب للباحثين في ضرورة وجود ضمانات حقيقية لما بعد عودتهم من الخارج خاصة أن الدولة تصرف ما يقرب من مليون جنيه علي المبعوث الكامل في الخارج، وطالبوا بان يتوافر لهم المناخ الحر وعلاقات عمل تضمن لهم ولمصر اولا الاستفادة الكاملة من العلم الذي حصلوا عليه سواء داخل المعامل او خارجها من الحياة نفسها داخل المجتمعات الأخري لان البعثة ليس معناها فقط حياة مغلقة داخل جدران المعامل والورش وقاعات الدرس بل هي احتكاك وتفاعل مع مجتمعات اخري وثقافات مختلفة وتلك النقطة التي اعتبرها الغاية الرئيسية من اي بعثة وهي فكرة الحوار والاحتكاك مع الاخر، فما بالنا والحديث كان في ايطاليا التي لا تتميز فقط بالتقدم في العلوم التقنية والتطبيق ولكنها ايضا بلد الفنون والعمارة والثقافة والموسيقي والاوبرا وللحقيقة كانت هذه نقطة ساخنة جدا في النقاش لان الاهتمام بالعلوم الانسانية وارسال البعثات الخارجية لها شبه متوقف منذ سنوات طويلة وللاسف تحت مقولة ان العلوم الانسانية هي قضايا داخلية ومحلية لا تحتاج الي ارسال بعثات خارجية ولكن اجابة د. هاني هلال كانت مدهشة بل وصادمة للحاضرين أيضا فهو لم يدافع عن ضرورة التركيز علي البعثات وتوفيرها لدراسة علوم العصر من طب وهندسة وزراعة بل اعترف بان التقصير في إرسال البعثات في العلوم الانسانية "خطأ" افرز العديد من المشاكل والازمات داخل مصر وجعل الدراسات في هذا الشأن مغلقة الباب علي نفسها واصبحنا لا نفرخ اجيالا جديدة بافكار متطورة وانما نعيد دراسة ما سبق دراسته بنفس الرؤي والحديث وانت احيانا لا تهتم اصلا بالمشكلات الاجتماعية والانسانية والتغيرات الجديدة التي طرأت علي مصر ولكن قال ان هذه النظرة تغيرت بالفعل خلال العامين الماضيين والدليل هو الحوار الان مع هؤلاء المبعوثين وجزء كبير منهم يدرس الثقافة الايطالية والفنون والآثار بها بل والأكثر من ذلك يدرسون الموسيقي بها. والأهم فيما قيل انه ليس بالضرورة تطبيق نموذج البعثة الكاملة من 4 الي 5 سنوات وهذا موجود ومستمر بل في ازدياد ايضا من خلال الخطة التي وضعها المجلس الاعلي للعلوم والتكنولوجيا منذ عامين بل الاهم هو توفير عدد كبير من المنح القصيرة التي تصل مدتها الي 9 شهور الي شباب الباحثين والذي تجاوز عددها في العام الماضي اكثر من الف بعثة قصيرة، كذلك ايضا توفير مهمات وبعثات علمية لمن حصل علي درجة علمية خاصة الماجستير من خلال مبادرات المستقبل والتي تصل مدتها الي 3 شهور الي 6 شهور، الوزير ايضا اعترف بالبيروقراطية داخل الأقسام العلمية ومن المشاكل الموجودة ولكنه اكد ان هناك خطوات تتم الإصلاح ذلك خاصة في سطوة واحتكار "البعض" للعمل داخل الجامعات وتأثير ذلك علي الشباب وهو ما اكده واعترف به المبعوثون الجدد حيث اكدوا ان النظام الجديد للبعثات والذي يطبق في اطار التنافسية والتقديم الحر المباشر- "خفف" من الضغوط التي كانوا يتعرضون اليها من جانب كبار الاساتذة. إن الحوار الساخن امتد ايضا الي اهمية اجادة اللغات الاجنبية وتطبيق قانون الجامعات فيما يخص شباب الباحثين خاصة شرط الخمس سنوات وتحويل من لا يحصل علي الدرجة العلمية الي وظائف ادارية. ولكن الاهم في الحوار هو اللغة الجديدة التي تمت به وتمثلت في طرح المشاكل والرؤي بدون خوف والاهم أيضا كان الاستماع اليها وتوضيح الحقائق وخطوات الإصلاح خاصة ان الطرف المستمع هم من يمثلون مستقبل مصر وخبرة شبابها الذي اهمل الاهتمام به لفترات طويلة.