ماجت الساحة الفكرية المصرية بالحوارات الاعلامية والصحفية ،و قاعات الندوات واللقاءات الاعلامية العامة والخاصة بالحديث واللغط حول ما هو صحيح الدين الاسلامي الحنيف بشأن الزي الديني للمرأة المسلمة، وكيف يكون،و ما هي الوانه التي يجب عليها ارتداؤها وكثر الحديث واصبح الشغل الشاغل للمجتمع المصري المثالي هو ملبس المرأة ، رغم ان شواغل الفكر والرأي العام المصري كان لابد ان تكون موجهة تجاه اوجاعه الحقيقية واخفاقاته الثقيلة ومطالبه العادلة تجاه التنمية والعدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية. يمكن مناقشة هدا الامرالصغير الكبير علي ثلاثة محاور تكاد ان تكون علي درجة واحدة من الاهمية وهي: ظهور النقاب في المجتمع المصري الحرية الشخصية أمن الوطن الداخلي واستقراره بداية نؤكد علي ما افاض به علماؤنا وفقهاؤنا الثقاة رجالا ونساء بأن النقاب ليس من العبادة أي ليس من اصل الدين، ذلك هو اساس المناقشة. لا شك ان النقاب ملبس بدوي يخص المجتمعات البدوية بما يتناسب مع الموروثات الثقافية ومع الواقع الاجتماعي والبيئي، والسؤال لماذا انتشر منذ سنوات في الشارع المصري؟. المفترض ان علماء الاجتماع والمسئولين بالمراكز البحثية هم المؤهلون علميا للرد، كما انه من المفترض ان تكون هناك دراسات مستقبلية معدة لرصد تداعيات اية ظاهرة اجتماعية داخل المجتمع المصري. ولكن، يمكن رصد بعض الملاحظات التي قد تقدم جزءاً من التفسير ومنها: هزيمة يونيو1967 علي المستوي السياسي والايديولوجي وانهيار المشروع القومي العربي وتراجع ايديولوجية القومية العربية فاصبحت الساحة الفكرية خالية ومستباحة. موقف بعض الدول العربية البترولية من ايديولوجية القومية العربية المعادي، لصالح فكرة الامة الاسلامية، وافتعال اشكالية القومية والدين، رغم بديهية انه لا تعارض ولا مواجهة بينهما. فالقومية اطار يضم الدول العربية حول مشروع للنهضة والتنمية والتوحد، اما الدين فهو وعاء حضاري قيمي منهجي، في حقيقة الامر، فإن مواقف تلك الدول كانت سياسية تنافسية، ولم تكن يوما دينية خالصة. طول مدة هجرة عائلات مصرية باعداد هائلة - هجرة مؤقتة- الي الدول البترولية، لاكثر من ربع قرن، مما ادي الي تأثرهم الشديد بالمحيط الثقافي، اضافة الي ولادة جيل جديد هناك امتص الكثير من السلوكيات والاتجاهات الفكرية المطروحة علي الساحة الثقافية، ورجعوا جميعا الي مصر. * دور بعض الدول العربية، والاقليمية والغربية في تنشيط وتدعيم جماعات وتنظيمات دينية للتسلل وللانتشار داخل الوطن سياسيا وثقافيا، علي الرغم انه كان المرجو من تلك الجماعات ان يكون دورهم دعويا يدعو للمعروف وينهي عن المنكر بالحسني وبالمثل الاعلي. * سواد شعور عام يجتاح المجتمع المصري بالاحباط والاخفاق والفشل وتبعه شعور بالغربة وعدم الانتماء، وبالتالي من لم يجد له مكانا في وطنه، ولم يجد له نصيباً في الدنيا فعليه بالاخرة. اما المحور الثاني وهو الحرية الشخصية، وهي حق اصيل وطبيعي لكل انسان، ولكن بشرط ألا تؤثر علي طبيعة المجتمع او علي هويته الثقافية والاجتماعية. ان ظاهرة النقاب ليست حرية شخصية بقدر ما هي امر مجتمعي يهدد تمايز المجتمع المصري عن سائر المجتمعات العربية والاسلامية، والمقصود حرية مقيدة لا تؤثر علي تماسك الكيان ووحدته الوطنية أي لا تمييز ولا تمايز داخل الوطن الا في ما امر الله سبحانه وتعالي به (انظر الي الشارع المصري يمتليءبالحشمة والنقاب والشادور الايراني، وعلي النقيض العري والملبس الفاضح باشكال مخجلة). ان هذا التنوع المنفر والمتنافر يعني ان مصر تفقد هويتها الثقافية والاجتماعية، بل وفقدت بوصلتها التي هي مناط خصوصية الشعب المصري وهي بكل تأكيد الوسطية وتاهت الشخصية المصرية التي استطاعت ان تهضم كل المؤثرات الواردة وتفرز خصوصية متحضرة، ونجحت مصر الثقافية بحكم انفتاحها علي العالم بحكم الجغرافيا وبفضل طبيعة الشعب المصري السمحة ان تمصر المنطقة العربية بالاعتدال والوسطية والانفتاح الحريص علي معطيات العصر، تلك الطبيعة فتحت افاقا رحبة للفكر الحضاري وجعلت مصر مركزا للاستزادة من العلم والفكر والثقافة، وكانت نموذجا معتدلا قابلاً للتطبيق لخلق اتجاهات وتيارات فكرية سائدة لتوحد المنطقة العربية. اما الامر الثاني وهو من منظور الحرية الشخصية فالمرأة المصرية ليست فاقدة الوعي أو الاهلية وتحتاج الي من يقومها ويصلح عودها او يصلح سيرها او سيرتها بفرض ساتر علي مناط السمات السمحة والجدية. اما المحور الثالث وهو الاهم والمقصود هو امن الوطن - ارجو الا يستهان بانه حتي وجه المرأة اصبح من مهام الامن القومي- لانه يمثل غزوا ثقافيا باحدي آليات القوة الناعمة واردا علينا وليس من ابداعاتنا الثقافية والاجتماعية، وعلي سبيل التكرار والتأكيد ان النقاب ليس من الدين كما اكد علماء الازهر الشريف وان الهدف من ترويجه هو تغيير وجه مصر الحضاري. ان انتشار النقاب هو وسيلة للتمايز داخل الوطن، بل يمثل خطورة علي وحدة مصر السياسية التي فرضتها وحصنتها الطبيعة، وعلي الجانب الاخر في الساحة المجتمعية يظهر الملبس اللاصق والفاضح والمعيب ، وتلك مظاهر تعبر عن خلل اخلاقي واجتماعي واقتصادي، وتعبر عن اضطراب وتطرف سلوكي مخل فقد قيمه الدينية والاخلاقية والاجتماعية، وحلت محله مظاهر الانحلال والضياع والترخص الذي اصاب هذه الشريحة البغيضة من المجتمع المصري تلك الشريحة التي تتسابق عليها القنوات الفضائية لملء ساعات ارسالها دون مسئولية تجاة المجتمع وتأثيرها علي الداخل. والحق ان هذه الشريحة الفاقدة الحياء تمثل خطورة علي طبيعة وسلوك ااشعب المصري، كما انها تفقده تميزه بالاعتدال وقدرته علي الفرز والانتقاء ولفظ الغث والمرفوض. رحم الله الزمن الجميل الذي عاشت فيه امهاتنا وعماتنا وخالتنا، وهن اللاتي ارضعننا وعلمننا صحيح الدين والعبادات ومارسن الشق الاصعب من العبادة وهو المعاملات والسلوكيات الراقية والمتحضرة والمتسامحة وعلمننا المفهوم الشامل للاحتشام واحترام الذات التي كرمها الله، وقبح وجه هذا الزمن اللئيم الذي سحق الاعتدال والمعتدلين. ارفعوا ايديكم عن المرأة، وكفوا ايديكم عن الوصاية عليها فلا تفرضوا عليها ألا تكون، وان تنكر ذاتها وشخصيها وتتستر من ذاتها، وجميعنا يدرك ان مصر بالتحديد لها متربصون كثر، فقط يتحينون الفرصة لضرب مصر من الداخل وتقسيمها دينيا وسياسيا وثقافيا، ان الامر ليس تهويلا، انما هو احساس مبكر بالخطر..