غضبه مما يجري علي الساحة الغنائية دفعه لأن يتخذ قرارا عنيفا باعتزال الغناء، والحياة الفنية بوجه عام، لكن "محمد الحلو" لم يصبر علي فراق الغناء، وهجر الساحة، لأنه "فنان أصيل"، فعاد عن قرار الاعتزال لكنه لم يتراجع عن نهجه في اختيار الموجة الصحيحة للغناء علي الرغم من الهبوط والابتذال والأمراض التي أصابت الفن في مقتل. هل مازالت الأجواء السيئة التي سيطرت علي الساحة الغنائية وأدت إلي اتخاذك قرار الاعتزال تطل برأسها؟ أود التوضيح أولا انني اتخذت قرار الاعتزال بشكل جدي، ولم يكن علي سبيل "الفرقعة" أو الدعاية حسبما ظن البعض وقتها، فقد كنت غاضبا من الفوضي التي اجتاحت الساحة الغنائية والتي ترتب عليها أن "كل من هب ودب يغني"، أو يتخذ الغناء مهنة له، وأوضح هنا إنني لست أعترض علي الأصوات الجديدة إذا كان لدي أصحابها موهبة تؤهلهم للغناء، لكن ما حدث اننا فوجئنا بمن يغني بوسطه، بمعني أن الواحد منهم لا يعرف الوقار أثناء الغناء، وانما يرقص، ويهز جسده طوال فقرته الغنائية، وحيال هذا الوضع المنهار لم أجد ما أعلن به عن غضبي سوي اتخاذ قرار الاعتزال، فقد كنت أعيش حالة من الاحباط بدرجة لا تحتمل. وهل تغير الوضع لكي تتراجع وتعود؟ لقد عدت عن قراري بناء علي رغبة عدد من المسئولين في الدولة، واستجابة لجمهور الأوبرا الجميل، فقد كانت هناك وجهة نظر تتردد علي مسامعي باستمرار تؤكد أن مواجهة التردي والانهيار الحاصلين علي ساحة الغناء ينبغي أن تكون بالبقاء علي الساحة، ومقاومة هذه الأمراض والآفات، وليس الهروب وترك الساحة خالية ليمرحوا فيها كما يشاءون، والحقيقة انني اقتنعت بوجهة النظر هذه، وقررت العودة إلي المجال لمواصلة النضال والكفاح مع زملائي علي الحجار ومحمد منير ومدحت صالح وهاني وغيرهم. لكنك عدت لتشارك في العرض المسرحي "سي علي" وليس الغناء في حفل عام. وكأنك تعلن استمرار غضبك؟ لقد أحببت هذه المسرحية عندما عرضها علي المخرج مراد منير. كما أحببت التعاون من جديد مع المخرج الذي أحبه وارتاح للعمل معه، خصوصا أن الدور لأمير رومانسي حالم هو علي جناح التبريزي المتعاطف بدرجة كبيرة مع الفقراء، وأنا أحب هذه النوعية من الأدوار. ألم يغضبك أن الدور كان معروضا وقتها علي فاروق الفيشاوي ولما اعتذر جاء إليك؟ أولا الدور كان معروضا علي من قبل أن يعرض علي الفنان فاروق الفيشاوي لكن لظروف خاصة بي وقتها "خلع في كتفي" اعتذرت فلجأوا إلي "فاروق" فاعتذر لأسباب خاصة به أيضا، وبعد فترة كنت قد تعافيت وجاءني المخرج مراد منير بالنص مرة أخري فوافقت خصوصا انني كنت في صحة جيدة وقتها. هل أنت راض عن تجربتك المسرحية؟ بدرجة كبيرة، بدليل النجاح الهائل الذي تحقق للمسرحية الأخيرة التي شاركت ببطولتها، وهي "سي علي"، لدرجة اننا كنا نستعين ب"كراسي"، من خارج القاعة لنلبي طلب الجمهور الكبير الذي يرغب في مشاهدة العرض. هذا الاقبال الجماهيري هل ترجعه إلي شعبية محمد الحلو أم "التوليفة"، التي يجيد المخرج مراد منير تقديمها في كل أعماله؟ الجميع له يد في هذا التجاوب الجماهيري، فالعروض التي يخرجها مراد منير تتسم بطابع عائلي ودي وحميمي، وهو كمخرج لديه "توليفة". تمثل عنصر جذب جماهيريا بدرجة مدهشة. حرصك علي تقديم ابنك "آدم" نوع من التوريث أم لانك تراه أجدر بالغناء من كثيرين علي الساحة اليوم؟ "آدم" يغني لأنه موهوب، وليس لأنه ابني أو ورث الغناء مني، والدليل علي هذا انه لم يكتف بهذه الموهبة التي حباه بها الله، واتجه لدراسة الموسيقي العربية. ومن ناحيتي لم أتوسط لتقديمه إلا مرة واحدة في إحدي الحفلات ثم عدنا بعد غياب واجتمعنا في أوبرت "ارفعوا الحصار عن غزة"، ورأيي في "آدم" ليس هو المعيار أو الفيصل لأن الحكم الأول والأخير عليه كمطرب للجمهور وحده. هل تري أن طريقه سيكون سهلا مقارنة برحلة كفاحك أنت وأبناء جيلك؟ "مفيش مشوار سهل في الفن"، لكن الفارق يكمن في طريقة تأسيس الفنان، فإذا تم تأسيسه بشكل سليم، بمعني انه تربي علي الأصول والقواعد، سيشق طريقه مهما طال عليه الزمن. لكن علينا أن ننظر إلي الظروف الراهنة علي الساحة، والتي تختلف عما كانت عليه في زماننا، فهناك قنوات فضائية، ووسائل إعلام كثيفة وجبارة، ومن المؤكد ان وجودها يسهل من مهمة الوجه الجديد اليوم.. وفي رأيي أن "آدم" موهوب، ليس من قبيل التحيز له، لكنها الحقيقة فهناك موهبة تدعمها دراسة، وهو متمكن من أدواته، وكما لحن لنفسه لحن لي أيضا إحدي أغنياتي، ويكفيه انه "متأسس كويس"، والتوفيق من عند الله. وهل لجؤك إلي مسرحية مثل "سي علي"، يعد البديل لغياب المسرح الغنائي أو الاستعراضي؟ بعد "الرحبانية" مفيش مسرح غنائي، والجمهور لدينا يملك نظرة تقول إن المسرح الغنائي ينبغي أن يكون استعراضا أيضا لكن ثقافة المنتجين لا تؤهلهم لإنتاج هذه النوعية من العروض، ودائما ما يتذرعون بالميزانية الطائلة التي تتطلبها. وهل تنظر إلي تجربتك في السينما بأنها تجربة ولن تعود؟ علاقتي بالسينما مؤجلة لانني لا أملك من العروض ما يجعلني أفكر في العودة إليها. وما الصيغة التي ارتحت إليها لكي تقدم الغناء الذي تريده! -أن أنتج لنفسي. لأنك لا تجد الشركة التي تتحمس لغنائك؟ "احنا ما عندناش شركات إنتاجية للكاسيت". ألا ترجع السبب في هذا إلي "القرصنة"، والخسائر التي تحققها هذه الشركات من السطو علي الأغاني عبر "الإنترنت"؟ قد يكون هذا سببا رئيسيا بالفعل في الانهيار الذي حدث في "سوق الكاسيت"، من حيث الايرادات لكن الجمهور بوجه عام "مابيسمعش كاسيت" الآن! ما الشخصية الفنية الغنائية التي تحلم بتجسيدها؟ أنا أحب ثلاث شخصيات من دون ترتيب: محمد عبدالوهاب ومحمد فوزي وبليغ حمدي، وهم جميعا الأقرب إلي قلبي، وأتمني تقديم أحدهم خصوصا انني أري أن استثمار هذه الشخصيات في عمل فني وابداعي حق طبيعي لا يملك الورثة مصادرته، لأنهم ملك للناس.