إن رئيس الدولة هو أولا وأخيرا إنسان يتصرف طبقا لبنائه النفسي وتبعا لإدراكه للمواقف.شخصية الرئيس الراحل السادات شخصية مثيرة للجدل حتي الآن فهي ذات أبعاد وأغوار متعددة بحجم ووزن التغيرات الجذرية التي أحدثها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المصرية بل العربية علي وجه العموم. فشخصية السادات مليئة بالتجارب المتعددة والمتباينة مما يجعلها شخصية مركبة، ساهمت البيئة المحيطة في صقلها بداية من النشأة بالقرية مرورًا بالانتقال إلي المدينة ثم السجن والفقر الشديد ثم امتلاك السلطة والحياة في غني كل ذلك ترك بصمات في شخصية السادات. إن كل منا له ثلاث صور الأولي هي الذاتية وهي تكون بين الإنسان ونفسه ولا احد يعرفها ولكن عندما يخلو إلي نفسه يعرف من هو نفسه، أما الصورة الثانية فهي الصورة الاجتماعية وهي كيف يتمني الإنسان أن يظهر أمام الناس وما هو إدراك الناس له، وهذه الصورة كلنا نعيش بها ولكن إذا وجد الفرد من يمجده فينسي صورته لذاته ويعيش في الصورة الاجتماعية، أما الصورة الثالثة فهي المثالية وهي ماذا يريد الفرد أن يصل إليه. وفي شخصية السادات يتضح لنا انه كان عاشقا للصورة يميل إلي المبالغة والمظهرية والتلوين بسرعة والتأقلم مع البيئات والشخصيات والطبقات ومن ثم يتضح أن السادات كان يعيش ويهتم بالصورة الاجتماعية، ويتضح ذلك جليا في اهتمامه بالمظهر الخارجي ويظهر ذلك في الملابس المتنوعة التي كان يرتديها فتارة يرتدي الجلباب وتارة البدلة، وأخري الملابس العسكرية، وتعمد إلي أن يتم التقاط الصور له في مواضع مختلفة علي البحر وفي البيت وهو يستحم ليترك لنا كمًا رائعًا من الصور تحاكي كل لحظة من حياته، ولا يمكن إنكار أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أدركت كل هذا وجعلته وسيلة لتحقيق أهدافها فتم اختياره ضمن أشيك ثلاثة في العالم، ومرة باعتباره أحسن زعيم، ومرة باعتباره أهم شخصية عرفها العالم في السبعينيات ومرة أخري باعتباره من بين أكثر عشر شخصيات عالمية يثيرون إعجاب الشعب الأمريكي وهذه خطة إستراتيجية محكمة استخدمتها أمريكا لتعظيم مصلحتها. إن الإطار العام لشخصية السادات أنها متميزة بمزاج متقلب فالسادات كان من السهل إثارته لان الشخصية المتقلبة المزاج وسريعة الانفعال تكون عاطفية وحساسة ويحكمها الوجدان والعواطف أكثر مما يحكمها العقل والمنطق، ولذلك عرف السادات بأنه اندفاعي مفاجئ في قراراته الحادة السريعة وهو ما عرف منه بسياسة الصدمات الكهربائية. بالإضافة إلي ذلك انه غير مثابر ولا يحب المناقشات الطويلة وهذا ما استغلته أمريكا في كامب ديفيد فوافق علي أشياء رفضها وزراء الخارجية، ولعله إذا ثابر وصبر كان من الممكن أن يحقق المزيد. حقا إن انجاز كامب ديفيد يعد انجازًا عظيمًا ولكنه يظل انجاز رجل دولة وليس زعيمًا، فتميز السادات بالحنكة السياسية وقدرته علي المراوغة ولكنه لم يصل إلي مرتبة أن يصبح زعيمًا فالزعيم تكون لديه جاذبية مختلفة، فلم يستطع السادات أن يجعل من نفسه مركزًا تلتف حوله الجماهير المصرية والعربية رغم كثرة محاولاته ومحاولات وسائل الإعلام، فبالرغم من أن نصر أكتوبر رفع هامات العرب إلا أن انعقاد كامب ديفيد لاقي معارضة عدد كبير من الشعب والزعماء العرب ويظل هذا الاعتراض حتي الآن. كل هذا وذاك يصل بنا إلي أن شخصية السادات شخصية ذات رؤي عميقة وثاقبة وبعد نظر وشخصية تعد من الشخصيات المخادعة والمراوغة يصمد عندما يتطلب منه الأمر الصمود ويرفع هامته إذا ما احتاج الوضع إلي ذلك.