كشفت أزمة إنفلونزا الخنازير محاولة إعادة ترتيب وتنظيم البيت التعليمي من الداخل ليواجه الخوف من انتشار الفيروس عن أن أزمة التعليم المصري الرئيسية تتمثل في عدم توفر العدد الكافي من الفصول والمدارس لتخفيف الازدحام وتقليل الكثافات أي أنها أزمة في توفير البنية الأساسية للتعليم وهي وجود المكان وباعتراف وزير التربية والتعليم د. يسري الجمل بنفسه قال إن 30% من المدارس سوف تعمل فترتين أو بنظام نصف الوقت 3 أيام دراسة أسبوعية لمواجهة الخطر الحالي للمرض. ولا أعلم ما شعور بعض أعضاء الحكومة الحالية أو كيف الحال الآن وهم يعترفون بأن ثلث مدارسنا ستعمل بنظام نصف الوقت وهم أنفسهم الذين أكدوا من سنوات قليلة فقط في كلام منشور وموثق أن أزمة التعليم في مصر هي أزمة جودة وأن لدينا العدد الكافي من المدارس والفصول لعمل نقلة نوعية في التعليم وهي تحقيق الجودة! هذا الموقف الحالي لابد أن يذكرنا بوقائع حدثت في الزلزال الذي وقع في أكتوبر 1992 حيث كشفت كارثة الزلزال وقتها عن الضعف الشديد في البنية الأساسية للتعليم وعدم توفر العدد الكافي بل قل الحد الأدني من المدارس الذي يسمح بقيام العملية التعليمية وهي نفس الأسباب التي دعت الحكومة قبل ذلك بسنوات قليلة وتحديدا د. فتحي سرور وكان وزيرا للتعليم بالتقدم باقتراح إلي المجالس التشريعية يطالب فيها بإلغاء عام دراسي وهو الصف السادس الابتدائي وكان ذلك من أجل توفير بضعة ملايين من الجنيهات حتي لا تضطر مدارسنا للعمل أربع فترات يومية! لذلك تركز الجهد الأكبر منذ عام 1992 ولمدة عقد كامل علي قضية بناء المدارس حتي وصل عدد ما بنته سنويا إلي ما بين ألف و1500 مدرسة سنويا واستطاع د. حسين كامل بهاء الدين وزير التربية والتعليم الأسبق وبدعم كامل من القيادة السياسية إلي وضع الخطط والموارد لتحقيق هذا الهدف فتمت الاستفادة من المعونات الأجنبية والتبرعات الخارجية بجانب التمويل الأكبر من الدولة ولولا هذه القفزة وهذا الموقف الجاد في قضية بناء المدارس لكان الوضع الآن أكثر سوءا مما نتوقع ولن تكون النسبة فقط 30% كما صرح وزير التربية والتعليم واعتقد أن النسبة تقترب من 50% من عدد المدارس الحكومية إذا أضفنا إلي نسبة الوزير عدد المدارس الخاصة في مصر وهي تقترب من 12% فالمجموع سوف يقترب من 45% من مدارس مصر. يضاف إلي ذلك أن حجم ما يصرف علي التعليم المصري وباعتراف أيضا وزير التربية والتعليم في حدود 4.5% من الدخل القومي ولم تتجاوز نسبة ال 5% بعد سنعرف أن وضع التعليم المصري الآن لا يمكن أن يحدث نقلة نوعية أو أن يكون قاطرة التقدم لمصر، لأن النسبة والحد الأدني الذي حددته الدراسات العلمية الدولية وعلي رأسها اليونسكو أكدت أن الحد الأدني المفترض للصرف علي التعليم هو نسبة 6% من الدخل وذلك لتحقيق نقلة في التعليم ليكون قاطرة التقدم. ولأني لست من دراويش الماضي أو الحقبة الناصرية فإن الحديث عن جودة التعليم وقاطرة التقدم أكده أيضا د. أحمد زويل في مقاله الأخير بجريدة "البوسطن جلوب" حيث أكد أن تعزيز التعليم كان المحرك الأساسي للتقدم في ذلك الوقت وأكد أنه حصل علي تعليمه الذي وصفه بالممتاز بالمدارس الحكومية وكيف كان هذا التعليم محفزا للعمل والتفكير والإبداع بعد ذلك. والتفكير والإبداع وهو الآفة التي يشكو منها الجميع ويعترف بها الجميع. إننا بصدد الانتقال إلي الحديث عن الجودة بل وتمادوا في ذلك بإنشاء هيئة للجودة وقالوا إننا نغير المناهج وأسلوب الدراسة من الحفظ والتلقين إلي مرحلة الإبداع والتعليم النشط والذكي إلي آخره من تغييرات ومسميات نسمعها طوال الوقت.. من السادة المسئولين. وهم أ نفسهم نفس المسئولين حينما واجهتنا الأزمة الحالية لإنفلونزا الخنازير قرروا ببساطة تدريس ثلثي المنهج فقط بالمدارس وبما يعني تجاهل تدريب الثلث الآخر من المنهج بل الأكثر من ذلك أن أصبحت ضمن الأولويات الآن الحديث عن استخدام القنوات التعليمية بل وتكنولوجيا التعليم والإنترنت في التعليم وهم قبل غيرهم يعلمون أن هذه القنوات التعليمية والإنترنت تتطلب مستوي ماديا محددا من الأسر المصرية قد لا يكون متوفرا في الغالبية العظمي من الأسر المصرية التي قد لا تملك بعضها دشا أو جهاز كمبيوتر وبمعني آخر أن الأزمة الحالية كشفت أيضا عن ضعف نسبة المكون التكنولوجي في مدارسنا رغم أننا قررنا ومنذ سنوات أن تصبح مادة الكمبيوتر مادة أساسية بل وتدخل ضمن المجموع أيضا مثلما حدث في المرحلة الإعدادية كل ذلك يكشف أن تعليمنا مازال نظريا يعتمد علي الحفظ والتلقين بل والحشو أيضا وإلا لما صدرت تعليمات بتخفيف تدريس المناهج الدراسية والتي قد تصل إلي إلغاء ثلثها بالكامل وحتي الآن لا توجد تعليمات واضحة ما الاجزاء التي سيتم التخلص منها وعلي أي أساس يتم ذلك وهل سيترك الأمر لحرية كل مدرسة ومدرس الفصل طبقا لرؤيته الشخصية ومعتقداته ورأيه في المقرر التعليمي أم لا. إن التعليم النشط والتعليم عن بعد وتدريب الطلاب علي التفكير وهي أدوات التعليم الحديث تطبقها العديد من النظم التعليمية في مختلف دول العالم تستلزم وقبل كل شيء أن نجهز البنية التحتية لمؤسسات التعليم من توفير العدد اللازم من المدارس إلي فصول الكمبيوتر، إلي تغيير المناهج وطرق التدريس ونظام الامتحانات. ورب ضارة نافعة نتمني أن تكون كذلك وأن تكون القضايا والمشاكل التي كشفتها الأزمة الحالية لإنفلونزا الخنازير هي بداية حقيقية لكي يعود التعليم لخريطة الأولويات كما حدث في الماضي، أو كما قال د. زويل في مقاله "ضرورة أن تتبني مصر إصلاحا تعليميا وأن الاستثمار المستمر في التعليم هو ما يقود في نهاية المطاف إلي مزيد من الازدهار الاقتصادي وتحسين جودة الحياة والتقدم"..