ثمّة إجماع في واشنطن علي ضرورة التحاور مع إيران، ويفضّل أن يحصل ذلك في أسرع وقت ممكن. وقد تحدث الرئيس باراك أوباما عن مدّ يده إلي الجمهورية الاسلامية، وردّ الرئيس محمود أحمدي نجاد علي ذلك معبّراً عن استعداده للتحاور. حتي أنه بعث برسالة إلي أوباما يهنئه فيها علي انتخابه رئيساً. ولا شك أنه يجب اعتبار ذلك بمثابة مسعي قريب لكسر الجليد. ويقرّ الجانبان أن وقت الحوار قد حان وذلك بعد ثلاثين سنة من العداوة المتبادلة. وقد يكون من المبّكر توقّع عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لكن يبدو ان احتمال افتتاح قسم لرعاية المصالح الأمريكية في طهران هو اكثر واقعية. والسؤال هو ما إذا كان يجب علي الولاياتالمتحدة أن تسعي الي محادثات في الوقت الحاضر أو أن تنتظر نتائج الانتخابات في إيران في 12 يونيو. ويفضّل البعض في أمريكا انتظار النتائج علي أمل فوز شخصية معتدلة علي غرار الرئيس الأسبق محمد خاتمي بالرئاسة. ويشكل ذلك خطأً في التقدير. فأحمدي نجاد في موقع أفضل من خاتمي يسمح له بتسويق التقارب مع الولاياتالمتحدة بين المتشددين في إيران. وقد يساهم بدء المحادثات الآن في توفير غطاء سياسي ضروري لاستكمالها لاحقاً أياً كان الشخص الذي سيفوز في الانتخابات. ويبدو أن العديد من التطورات تدفع بالولاياتالمتحدةوإيران للذهاب إلي طاولة المفاوضات، وأهمها مضي إيران قدماً في تخصيب اليورانيوم. وعلي رغم نفيها أي نية لتطوير الأسلحة النووية، تظهر انجازات إيران العلمية والتكنولوجية أنها علي "عتبة" أن تصبح قوة نووية. لكن من غير المؤكد بعد ما إذا كانت ستمضي في هذه الخطوة. وتكمن مصلحة أمريكا في اقناع إيران بعدم إحراز المزيد من التقدّم في هذا المجال، فيما تكمن مصلحة إيران في ردع أي هجوم محتمل ضدها لكن من دون أن تثير مخاوف الدول المجاورة لها وأن تتسبب بمشاكل ومتاعب تترتب عن تحولها إلي قوة نووية. والواضح أن محاولات الولاياتالمتحدة لوقف برنامج إيران النووي عن طريق فرض عقوبات اقتصادية عليها وعن طريق التهديدات العسكرية قد باءت بالفشل. فعلي العكس، دفعت العقوبات إيران إلي تسريع برنامجها. وتتم المطالبة باعتماد مقاربة جديدة، تتضمن الاقرار بمخاوف إيران الشرعية وبوضع حدّ للتهديدات الموجهة لها وبالاستعداد للدخول في محادثات معها من دون شروط مسبقة. وعلي أي حال لم توافق يوماً الصين ولا روسيا ولا بعض دول الخليج العربي ولا حتي الدول الأوروبية، علي سياسة أمريكا الهادفة إلي وقف أنشطة إيران النووية من خلال تقويض اقتصادها. وبالفعل فقد بدأت هذا الأسبوع اختبارات تشغيل محطة توليد الطاقة النووية في بوشهر التي بنتها روسيا. أما التطوّر الآخر الذي فرض ضرورة اجراء محادثات فهو المصلحة الأمريكيةالإيرانية المشتركة في تحقيق الاستقرار في المنطقة، في العراق وأفغانستان وباكستان وفي إيجاد حلّ للنزاع العربي-الاسرائيلي. ولا تتقاسم القوتان المتخاصمتان وجهة النظر نفسها إزاء هذه المواضيع، لكن يبدو أن كلاً منهما قد أدرك أن هذه المشاكل مترابطة فيما بينها وأنه ثمة حاجات لإيجاد حلّ اقليمي لها. وترغب إيران في أن تسحب الولاياتالمتحدة قواتها من الدول المجاورة لها، من العراق ومن المنطقة بأكملها. فيما يعتبر البعض في أمريكا أن الوجود في مناطق بعيدة في البحار عوضاً عن التدخل العسكري المباشر علي الارض قد يكون في مصلحة أمريكا، كما يمكن ان يطمئن بعض حلفائها في المنطقة. ماذا ستكون مطالب إيران خلال المفاوضات مع الولاياتالمتحدة؟ تريد أن تحمي استقلالها وثورتها الاسلامية ضد أي هجوم خارجي. كما أنها ترغب في أن يتم الاعتراف بها كقوة اقليمية وتريد ان يكون العراق بلداً مسالماً علي حدودها، لا يشكل أي خطر عليها علي غرار الخطر الذي كان يمثله صدام حسين، مما يعني عملياً عراقاً بقيادة شيعية. كما أنها ترغب في رؤية جارتيها أفغانستان وباكستان بلدين مسالمين. كما ترغب إيران في أن يتم قبولها كعضو في البنية الامنية لمنطقة الخليج وفي أن تطمئن الدول الخليجية المجاورة لها بأنها تحترم سيادتها. وترغب إيران في "احتواء" قوة إسرائيل العسكرية وفي تفادي تجديد هجماتها العنيفة علي لبنان وغزة وفي المساهمة في قيام دولة فلسطينية مستقلة وهي طموحات تشاركها فيها معظم دول العالم العربي والاسلامي. واذا أرادت الولاياتالمتحدة أن تتخلي إيران عن برنامجها النووي، فيجب أن تنظر بجدية في هذه المطالب المتعددة. ويبدو أن بعض الأمريكيين يعتقد أن إيران قد تتخلي عن تخصيب اليورانيوم في حال تم رفع العقوبات عنها. ويعتقد البعض الآخر أن إيران قد تقبل بإنشاء منشأة تخصيب علي أرضها يملكها عدد من الدول الأوروبية وتخضع لمراقبة دولية، بغية تفادي استخدام القوة العسكرية ضدها. وقد قدم هذا الاقتراح توم بيكرنج وهو دبلوماسي أمريكي سابق رفيع المستوي إضافة إلي شخصين آخرين في العدد الحالي من ملحق الكتاب الصادر مع صحيفة "نيويورك تايمز". لكن يبدو أن هذا الاقتراح لا يقدم اي محفزات لإيران تدفعها الي قبوله. ولا تريد إيران التي صمدت في وجه العقوبات التي فرضت عليها علي مدي الأعوام القليلة الماضية رفع العقوبات عنها فحسب. فلا شك أنها تشعر بالحاجة إلي الحصول علي ضمانات أمريكية بعدم شن هجوم ضدها وهو هجوم محتمل نظراً إلي التهديدات الاسرائيلية. وقد التزمت إيران بالقضية الفلسطينية. ويترتب تحقيق بعض من هذه الطلبات الايرانية لدفع إيران الي النظر في وقف تخصيب اليورانيوم عند المستويات الحالية.ويذهب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي أبعد من ذلك، فقد كتب مقالاً في صحيفة "هيرالد تريبيون" في 17 فبراير جاء فيه ما يلي: "لن تعرف منطقة الشرق الأوسط السلام إلا عندما يتمّ حل المسألة الفلسطينية. وما يفاقم المشكلة هو أن نظام عدم الانتشار النووي فقد شرعيته في نظرالرأي العام العربي بسبب المعايير المزدوجة عندما يتعلق الامر بإسرائيل، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم توقّع علي معاهدة عدم الانتشار النووي والتي تملك أسلحة نووية... ستبقي المخاوف إزاء البرامج النووية الحالية والمستقبلية في المنطقة إلي أن يتم التوصل إلي سلام دائم وإلي أن يتم القضاء علي كل الأسلحة النووية في المنطقة في إطار نظام أمني اقليمي. وطالما انتظرنا التعهد الذي أعلنته إدارة أوباما والقاضي بالدخول في دبلوماسية مباشرة مع إيران من دون أي شروط مسبقة وعلي أساس الاحترام المتبادل والسعي لاجراء صفقة كبيرة". وفي حال كان البرادعي محقاً، وهو لطالما كان علي صواب، يبدو أن باراك أوباما يحتاج إلي الدخول في عملية إحلال السلام وتوفير التطمينات علي جبهة واسعة تمتد من أفغانستان وباكستان وصولاً الي إسرائيل وفلسطين في حال أراد التوصل إلي خرق لجدار الأزمة مع إيران.