تحتل إيرانوأفغانستان موقعا مركزيا في السياسة الخارجية للرئيس أوباما وإن لم تُفصح الإدارة الجديدة حتي الآن عن تفاصيل هذه السياسة. ويجري الاعتماد حاليا في تحليل السياسات المُرتقبة وآليات تطبيقها في المستقبل علي تصريحات أوباما خلال حملته الانتخابية، وما ذكره في خطاب التنصيب، وما عبر عنه جوزيف بايدن نائب الرئيس أمام مؤتمر ميونخ للأمن. ويمكن القول باختصار وفي إطار ما أُعلن حتي الآن من تفاصيل، أن الولاياتالمتحدة مُستعدة لإجراء حوار مباشر مع إيران بدون شروط مُسبقة خلافا لموقف الرئيس السابق بوش؛ أما بالنسبة لأفغانستان فتعكس السياسة الأمريكية جانب التشدد والنية في استمرار الحل العسكري بل زيادة حجم القوات هناك ودعوة الحلفاء لتحمل مسئولياتهم باعتبار أن أفغانستان كانت من البداية هي التحدي الرئيسي وليس العراق. لكن بالرغم من تسمية مبعوثين أمريكيين إلي أفغانستان والشرق الأوسط، لم يعلن حتي الآن اسم المسئول عن ملف إيران داخل الإدارة الأمريكية وممثلها في أية مفاوضات ثنائية في المستقبل. من الزاوية الاستراتيجية تقع إيرانوأفغانستان في وسط مركز الثقل العالمي الجديد، حيث الصراعات الكبري مقارنة بأوروبا في فترة الحرب الباردة. ومن هذا المركز الذي يحتوي داخله أيضا علي باكستان انطلقت شرارة المُواجهة مع المُعسكر المُنتصر في الحرب الباردة في صورة هجوم 11 سبتمبر وما سبقه من إرهاصات وما تلاه من مواجهات في أفغانستان والعراق ولبنان ومؤخرا في غزة. وفي داخل تفاصيل تلك المواجهة الواسعة والمشتعلة حتي الآن يتجلي الوجود الإيراني بشكل أو بآخر، وتزداد خطورته كلما اقترب من هدف الحصول علي القنبلة النووية. ومن الناحية النوعية، ومع التسليم باختلاف طبيعة الحالتين، نجد أن الصراع في أفغانستان وداخلها طالبان يجري مع عصابات مسلحة متشددة تسعي إلي تحقيق صورة معينة للإسلام العالمي، في حين أن صراع الغرب مع إيران يجري مع دولة عضو في الأممالمتحدة تتبني حلما إسلاميا مُختلفا يسعي إلي هيمنة بديلة طبقا للرؤية الإيرانية. ولقد نجحت إيران بالفعل في التحرك علي مهل وبثقة في بناء قدراتها النووية والصاروخية، كما مدت تحالفاتها إلي دول وجماعات في المنطقة علي عداء مع المعسكر الغربي مثل سوريا وحزب الله وحماس في فلسطين، وحافظت علي مستوي من التوتر في منطقة الشرق الأوسط تمكنت من خلاله استنزاف الآخرين عسكريا وسياسيا. وقد أفاق الناس مؤخرا فقط علي تدبير إيران في المنطقة عندما تابع الجمهور العربي حديث الشيخ حسن نصر الله وهو يحرض الشعوب والجيوش علي التمرد وعدم الانصياع لقادتها ورؤسائها. والمُقلق في سياسات أوباما تجاه إيران أنها بجانب تأخر الإعلان عنها بوضوح، لا يوحي ما ظهر منها حتي الآن بطبيعة الأسلوب المُتوقع للتفاوض مع إيران، والتعامل مع مراوغاتها المعهودة، وانتقالها من مرحلة إلي أخري بدون الوصول إلي نتائج معينة. والأهم من ذلك موضع قضية امتلاك إيران للقنبلة النووية في المستقبل، وتأثير ذلك علي توازن القوي في الشرق الأوسط. ومن المعروف أن أمريكا تنوي لأول مرة إجراء حوار واسع ومعمق مع إيران، وهذا في حد ذاته اعتراف بأهميتها ودورها، لكن المُشكلة تأتي من التفاصيل وعلي رأسها المشروع النووي الإيراني خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الشوط الطويل بين طهران ووفد الاتحاد الأوروبي الذي لم يسفر عن نتيجة حتي الآن، بعد أن منح طهران وقتا غاليا لتطوير قدراتها النووية. وحتي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي دافعت عن إيران في مرحلة سابقة وتحذيرها من مغبة التعامل معها عسكريا، قد صدر عنها تحذيرات جديدة بأن من بين أنشطة إيران ما يبعث علي الشك، وأنها لا تتعامل مع الوكالة الدولية بمستوي الشفافية المطلوب. من الواضح أن أوباما بالنسبة لإيران، وبالنسبة لمواضيع أخري، حريص علي أن يكون مختلفا عن خلفه بوش في الأسلوب وفي اللغة وفي التفاصيل. وهذا بطبيعة الحال ضروري ومفهوم وممكن، لكنه سوف يصطدم بحقائق استراتيجية تتطلب تغييرا جوهريا في السياسة الإيرانية، وهو الأمر غير المتوقع حتي الآن إلا إذا شعرت إيران وتحققت من طبيعة الثمن الذي سوف تدفعه إذا لم تستجب لمطالب واشنطن. شئ آخر يتعلق بالسجل التفاوضي الطويل بين وفد الاتحاد الأوروبي وإيران وقد حضرت مشاهده الأخيرة الولاياتالمتحدة بصفة متفرج أو مراقب. ومن المتوقع من ناحية إيران أنها سوف تطلب من الأمريكيين بدء المفاوضات من البداية بعد أن أصبحت مُحترفة في تطويل المفاوضات بدون الوصول إلي نتائج وهو ما سوف تفعله أيضا مع الولاياتالمتحدة إذا لم تجد رادعا واضحا في الأفق. وهناك أيضا جانب الأولويات بين الجانبين، ففي حين ركز الوفد الأوروبي علي الموضوع النووي بالتحديد، سوف تسعي إيران إلي أجندة مفاوضات طويلة يحتل فيها الموضوع النووي مرتبة متأخرة. ولاشك أن دور طهران الإقليمي سيكون في المقدمة، وسيكون علي حساب دول الإقليم المُنقسمة في موقفها من طهران. والموقف الإيراني الأخير من البحرين ورد الفعل العربي دليل علي ذلك، وهو مؤشر واضح لما سوف تفعله إيران لتشكيل أجندة التفاوض قبل أن تجلس مع الولاياتالمتحدة. تُمثل إسرائيل وأمنها عاملا مهما في أية مفاوضات قادمة بين واشنطنوطهران. والزمن بالنسبة لإسرائيل عامل مهم وهي لا تريد أن تستيقظ في الصباح وتقرأ في الصحف أنباء تجربة نووية إيرانية. من المفهوم أن الموضوع النووي الإيراني قد تمت مناقشته بدرجة ما بواسطة الإسرائيليين مع فريق أوباما في فترة الانتخابات، وربما بعد وصول أوباما للبيت الأبيض، لكن لم يصدر حتي الآن من الإدارة الأمريكية ما يشفي غليل إسرائيل، وكثير من المحللين في إسرائيل ينتقدون عدم الوضوح الأمريكي ويرون أن إيران بطريقتها المعهودة سوف تلعب بالمفاوض الأمريكي، وسوف تفعل الكثير لكسب مزيد من الوقت. وقد حاولت إيران من جانبها تسخين المنطقة بتشجيعها حماس لخرق التهدئة وضرب الصواريخ علي إسرائيل، كما حاولت إسرائيل من جانبها توريط حماس في مغامرة عسكرية تستعرض فيها قدراتها علي الحسم، وتقيس رد الفعل الأمريكي والإيراني تجاهها، وكل ذلك استعدادا للتعامل مع الإدارة الأمريكيةالجديدة في المستقبل. وفي النهاية لا يجب أن ننسي أن الولاياتالمتحدة سوف تجلس مع إيران وقد أُرهقت قواها بالحرب في العراق، وباستمرار وجودها العسكري في أفغانستان، مُضافا إلي ذلك الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها وتداعياتها غير المعروفة في المستقبل. هذا المناخ سوف يشجع إيران علي إدارة الحوار مع الولاياتالمتحدة بالصورة التي تتفق مع أهدافها، إلا إذا سبق الحوار مؤشرات صادقة أن إيران سوف تخسر كثيرا إذا تلاعبت بالتفاوض وأصرت علي مشروعها الاستراتيجي القديم منذ قيام الثورة بهدف وضع الشرق الأوسط تحت هيمنتها. ويمكن المجازفة بالقول أن المنطقة كلها وربما العالم كله برغم نسمة التفاؤل التي صاحبت وصول أوباما إلي البيت الأبيض مُقبل علي فترة عدم استقرار، واختبارات متبادلة بين مراكز قوي مختلفة، وأن الأمل في حسم أمريكي لتغيير العالم من منطق مثالي وفي غيبة القوة لم يستوفي بعد عناصره الضرورية.