إلي متي تستمر المهزلة المسماة "هدم مسرح الفن"؟ وكيف بعد أن قيل، ونشرت الصحف وأذاعت وسائل الإعلام، أن اتفاقا قد أبرم بين مجلس محلي القاهرة والمنتج جلال الشرقاوي لفض النزاع، وامهاله حتي البحث عن مكان بديل، وإلي ذلك الحين يعمل علي تأمين المسرح، وما حوله، تخرج محافظة القاهرة لتقول إن اتفاقا لم يتم بهذا الشكل، وأن قرار الإزالة سار، ولو "بالقوة الجبرية" ماذا يجري؟ وهل هناك أياد خفية تلعب في الخفاء، وتصر علي اشعال الأزمة؟ وما رأي المبدعين فيما يحدث؟ تقول الفنانة القديرة سميحة أيوب: لا أتصور أن مخلوقا أو جهة يمكن أن تقدم علي اتخاذ قرار بهدم أو اغلاق مسرح، مهما كانت الحجج والأسباب، فالمسرح "أبوالفنون"، ولا أصدق أن وزير الثقافة، الذي يطلقون عليه في كل دول العالم، راعي الفنون والثقافة، يمكن أن يتورط في اصدار قرار كهذا، أو حتي يوافق عليه ولا يواجهه بحسم ليحول دون اصداره من أي جهة محلية. والقول إن المسرح يسيء إلي أثر هو معهد الموسيقي العربية أو يؤثر علي سلامته وأمنه، فكلنا نعلم أن مسارح القطاع الخاص لا تعمل بكامل قوتها طوال شهور العام، وبالتالي فالفرصة مهيأة للمخرج والمنتج جلال الشرقاوي لاجراء الاصلاحات اللازمة، وتدارك القصور والعيوب التي رصدتها التقارير، إذا منحوه الفرصة، ولم يتعنتوا في قراراتهم، فمسرح الفن يملك تاريخا طويلا نعتز به، وهو أثر لا يقل أهمية عن معهد الموسيقي العربية. وحتي هذه اللحظة مازلت أري أن قرار الهدم غامض والقول بانه أغلق لانه قدم "تاجر البندقية"، التي تدين الشخصية اليهودية، غير جائز وإلا فلم وافقوا علي تقديمها ولم تسارع الجهات الأمنية بمنع عرضها؟ أهمية وجهة نظر الكاتب الكبير يسري الجندي تكمن في تعرضه لتجربة مماثلة، وإن كانت من زاوية أخري، عندما فوجيء بإيقاف العرض المسرحي "القضية 2008"، المأخوذة عن نص من تأليفه بعنوان "اليهودي التائه" وبعدها أغلق أيضا مسرح الهناجر الذي قدم العرض! ما شجع المنتج والمخرج جلال الشرقاوي علي الاستشهاد به كدليل علي أن الاقتراب من الشخصية اليهودية فيه تجاوز للخطوط الحمراء، وهو ما يؤكده "الجندي" بقوله: لا أريد أن أفوت الفرصة من دون أن أسجل تقديري للشجاعة التي أبداها المخرج الكبير جلال الشرقاوي في مواجهة الموقف حتي أنه نجح في انتزاع قرار باستمرار نشاط "مسرح الفن" مع تأمين الاحتياطات والاجراءات اللازمة لحمايته، والتراجع عن فكرة هدمه بعد اغلاقه. أما الربط بين قرار هدم "مسرح الفن"، وتقديم مسرحية "تاجر البندقية"، واغلاق "الهناجر" بعد تقديم "اليهودي التائه"، فاحتمال لا استبعده، وإن كنت لا أستطيع الجزم بحدوثه، فهناك "كواليس" لا نعرفها، ولا ندري ما يدور من تفاصيل داخلها، فهناك مؤامرات خفية يدبرها البعض، ولا أظنها موجهة لفاروق حسني وزير الثقافة، بل تستهدف مصر كلها، وجاء ترشيح فاروق حسني لمنصب المدير العام لليونسكو ليصبح فرصة للبعض لكي يثير مثل هذه القضايا المفتعلة كبالون اختبار أو محك لاحراج الوزير والدولة، وأتصور أن ايقاف "اليهودي التائه" ثم التحرش بمسرح الفن لانه قدم "تاجر البندقية"، يأتي كنتاج "لقرارات فوقية" أعلي من الوزير نفسه، ووزارته، فمنظمات الضغط الصهيونية لديها وسائلها المشبوهة لتحقيق أهدافها في ظل الاختراق الحاصل الآن.. وعلينا أن ندافع عن أعمالنا وثقافتنا وهويتنا ونجهض مثل هذه "القرارات المشبوهة" وهذا ما فعله جلال الشرقاوي عندما اعتصم في مسرح الفن، ودافع عن موقفه مما دفع المحافظة لامهاله ثلاثة شهور لتوفيق أوضاعه.. وهذا في رأيي نصر ثمين. بحسم يقول المخرج محمد محمود مدير مسرح الطليعة. حكاية أن المسرح أغلق بسبب تقديم "تاجر البندقية"، ربط مزعوم ومفتعل، ويسير علي نهج "نظرية المؤامرة"، فالعرض الذي أصبح فجأة "أم المشاكل" عرضته الدولة، والوزارة، في المهرجان القومي للمسرح في العام الماضي، وحصل جلال الشرقاوي نفسه علي شهادة تقدير عنه! فالأمر في تفسيري لا يخرج عن كونه "فوبيا"، الخوف علي الأماكن الأثرية من الحرق، بعد حريق المسرح القومي، ومن قبله مجلس الشوري، وقبلهما قصر ثقافة بني سويف. لكنني مستغرب القول بأن جلال الشرقاوي سيؤمن مسرح الفن بمبلغ يوازي في قيمته 400 ألف جنيه إلي حين تنتهي المهلة المحددة له للبحث عن مسرح بديل.. فلماذا كل هذا الانفاق مادام سيترك المسرح إن آجلا أو عاجلا؟ ولانه أحد الفنانين الذين يربط بينهم وبين "مسرح الفن" صلة أقرب إلي صلة الدم، سألنا أحمد بدير، الذي وقف علي خشبة هذا المسرح عشرات السنين، شعوره إذا تم هدمه بالفعل، ورأيه فيما يحدث من حوله فقال: الوزير خائف علي معهد الموسيقي العربية من أن يلقي مصير المسرح القومي، ومجلس الشوري من قبله، ويخشي أيضا أن يتكرر ما حدث في "محرقة بني سويف"، لهذا اتخذ قرارات صارمة بضرورة تأمين جميع المسارح حتي لو أدي الأمر إلي اغلاقها، كما حدث في "الهناجر"، وبدوره استجاب المخرج والمنتج جلال الشرقاوي، ووضع ميزانية تقترب من النصف مليون جنيه لتأمين اجراءات الدفاع المدني، وتدارك كل السلبيات، وهناك ضمانة من الوزارة بأن توفر مسرحا بديلا لجلال الشرقاوي، وأتصور أن البديل المناسب هو مسرح الزراعيين، لكني مازلت مندهشا لهذه الانتفاضة في هذا التوقيت علي الرغم من أن جلال الشرقاوي اقتطع هذه المساحة منذ سنوات طويلة ليقيم عليها "مسرح الفن"، ولم يقل أحد إن في هذا خطورة أو اساءة لمعهد الموسيقي العربية. من ناحيته يؤكد الفنان القدير محمود ياسين بأن وزير الثقافة ليس له علاقة أو دخل بما حدث لمسرح الفن.. مشيرا إلي أنه حضر الاجتماع الذي عقد لمناقشة الوضع في مسرح الفن بعد القرار الذي صدر باغلاق المسرح تمهيدا لهدمه.. واكد بأنه صباح اليوم نفسه قرأ في الصحف أن الوزير ليس له علاقة بما حدث لمسرح الفن، وانما المسألة تخص الفنان جلال الشرقاوي، ومحافظ القاهرة، فالقضية بينهما والدليل علي ذلك أن الوزارة نفسها هي التي منحت "الشرقاوي"، جائزة عن مسرحية "تاجر البندقية" التي اخرجها وقدمها في المهرجان القومي للمسرح في دورته الثانية.. كما أن الوزارة أيضا هي من وافقت علي تقديمها علي خشبة مسرح الفن وهي بالمناسبة مسرحية شديدة الاتقان وتمثل تجربة شابة شديدة الرقي وبالتالي فلن أستطيع أن أتكلم في تفاصيل المشكلة والخلاف بين محافظ القاهرة وجلال الشرقاوي لكنني متعاطف جدا مع موقف صديقي جلال الشرقاوي، لان مسرح الفن بالنسبة له هو كل حياته وأنا نفسي قدمت علي خشبته مسرحية بعنوان "الزيارة انتهت"، ولا أتصور أن الوزير يمكنه أن يتبني موقفا ضد الفن والفنانين والمبدعين وكلنا نعلم أن جلال الشرقاوي ليس مبدعا بل عبقريا وأي مهاترات تتردد الآن غير مقبولة علي الاطلاق.