رغم أننا الآن علي بعد سبعة آلاف سنة من المصريين القدماء إلا أننا بعيدون أيضا عما وصلوا إليه من طرق في زراعة القمح وتخزينه.. البعثة الأثرية الأمريكية عثرت أول أمس علي كشف أثري، يظهر كيف أن المصريين القدماء برعوا في تخزين الحبوب، واكتشفت البعثة موقعا فيه سبع صوامع كبري كانت تستخدم في هذا الغرض، ومنشآت وثائقية ضخمة كانت تستخدم لتسجيل بيانات الحبوب الواردة والمصروفة.. وأوضحت البعثة الأثرية، أن تخزين القمح كان يرتبط بالزراعة الكثيفة للحبوب، وتخزين الفائض لمواجهة التقلبات الزراعية.. وأوضحت أن المصري القديم كان يصنع أنواعا عديدة من الخبز الجيد. الآن وبعد هذه الآلاف من الأعوام يأكل المصريون أسوأ أنواع الخبز، وبأسعار متنوعة ومفتوحة ومرتفعة، ولا أحد من المسئولين يقف ليواجه هذه الأزمة المستمرة منذ عقود، عيش زي الزفت، وطوابير ممتدة طوال اليوم، ودعم ضائع لا يصل إلي أحد وصناعة ضخمة تلتهم ملايين الأطنان من الدقيق، بلا عائد ولا طعم ولا فائدة، عشرات المدن والأحياء في القاهرة والمحافظات لا تعرف أصلا العيش المدعم، وعشرات المدن الأخري تتاجر في العيش المدعم من الدولة بالمليارات، والحديث مستمر منذ سنوات عن تطوير صناعة الخبز لكن الموضوع ينتهي عند الكلام. البلاد العربية وليست الأجنبية من حولنا تصنع خبزا أفضل وأكثر جودة وله طعم ولون ورائحة الخبز والخير.. لكننا نصر علي أننا في المقدمة وأننا نصنع خبزا جيدا وبموازين قياسية.. الخبز في البلاد العربية ثابت الوزن والسعر ويصنع بصورة ممتازة وبأنواع متعددة، وفي مصر نترك الأمور لآليات السوق، أو لقبضة الدولة في المخابز المدعمة، وكلاهما لا يخرج خبزا مناسبا. هل فشلنا فعلا في أن نقضي علي الفاقد في الدقيق والذي يصل إلي 30% في صناعة الخبز، وهل فشلنا في أن نصنع رغيفا "يؤكل"، ولماذا حولنا الريف المصري كله تقريبا إلي مستهلك للعيش المدعم، بدلا من أن يكون منتجا له. من المسئول عن الخبز السيئ والدعم الضائع، والفاقد في الدقيق والخبز، ومن المسئول عن استمرار هذا النزيف، الذي يلتهم مليارات الجنيهات دون أي توزيع عادل، ودون أن نعرف بعد كل هذه الآلاف من السنين أن نصنع رغيف خبز شهيا له طعم ورائحة زكية، ولا يلقي في الزبالة.