بعد أن استنفدت تركيا، أو كادت، وسائلها المتنوعة والمكثفة لاستعطاف الأوربيين ونيل رضاءهم السامي كيما ينظر إليها ناديهم المسيحي بعين الرأفة ويقبلها عضوا كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي،الذي ما برحت تطرق أبوابه الحديدية الموصدة في وجهها منذ ما يربو علي قرون أربعة مضت من الزمن، بدت أنقرة وكأنها تحاول أن تسلك طريقا أخري للنفاذ إلي القلعة الأوروبية الحصينة، التي طالما تفنن حراسها المتمترسون بالمفوضية الأوروبية في وضع العراقيل والمعوقات أمام ولوج الأتراك إلي داخل رحابها عبر سيل لا يتوقف من الشروط السياسية والاقتصادية والثقافية الصعبة والمعقدة، التي عكفوا علي اختلاقها لأنقرة مطالبينها بضرورة الوفاء بها، كاملة غير منقوصة وفي أسرع وقت ممكن ودونما نقاش، قبل أي حوار معها فيما يخص إجراءات الانضمام إلي النادي الأوروبي . وفي مسعي من جانبهم للبحث عن طريق مختصرة ومؤثرة، طفق الأتراك يتدارسون كيفية الاستعانة بوسائل جديدة كاستراتيجية "القوة الذكية" ونظرية "الميزة النسبية". ومن هنا،عمد الأتراك إلي توظيف ما بحوزتهم من ركائز قوة ذكية متمثلة في الفن التركي بشتي ألوانه خصوصا الدرامي منه، والذي يشهد نهضة حقيقية حلقت به في آفاق العالمية، إلي جانب إستغلال ميزتهم النسبية في مجال كرة القدم من أجل إثبات جدارتهم داخل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم المعروف اختصارا ب"يويفا"، والذي انضمت إليه تركيا عام 1962، خصوصا بعد أن تطورت كرة القدم التركية علي المستويين المحلي والدولي بشكل ملحوظ خلال السنوات العشر الأخيرة،علي نحو ما بدا جليا في الإنجازات التي لم باتت صنوا للكرة التركية، فقد أضحي الكثير من اللاعبين الأتراك يحصلون علي عقود احترافية مغرية في كبري المسابقات الأوروبية والعالمية، كما أصبحت الأندية التركية مثل جالطة سراي، بشكتاش وفنربخشه، تبلي بلاء حسنا في المسابقات الكروية القارية مؤكدة تقدم مستوي كرة القدم التركية بين أعتي الأندية والمنتخبات الأوروبية . فبعد أن نجع الأتراك في غزو الشاشات التليفزيونية العربية والأوربية من خلال بث المسلسلين التليفزيونيين التركيين الشهيرين والمدويين "سنوات الضياع" و"نور" المدبلجين إلي اللغة العربية وبعض اللغات الأوروبية، واللذين استحوذا علي اهتمام ومتابعة مشاهدي الدراما التليفزيونية علي نحو غير مسبوق، حرص المنتخب التركي لكرة القدم علي تسجيل إنجاز آخر مماثل علي الصعيد الرياضي تدوي أصداؤه أوروبيا وعالميا علي غرار إنجازات عديدة حققها الأتراك في هذا المجال كان فيما مضي، كان من أهمها: فوز المنتخب التركي لكرة القدم، والذي تأسس عام 1923 مع إعلان الاتحاد التركي لكرة القدم وانضمامه للاتحاد الدولي المعروف ب"فيفا" في ذات العام، بكأس العالم للشباب عام 1989 -1991، ثم الفوز ببطولة أمم أوروبا تحت 19 عاماً في العام 1992 . ومن بعد ذلك جاء فوز نادي غلطة سراي العريق، أقدم الأندية التركية والذي تأسس عام 1905، بكأس الاتحاد الأوروبي عام 2000 بعد فوزه علي نادي آرسنال الإنجليزي، أحد أعرق أندية أوروبا والعالم، في الدور النهائي للبطولة.وفي العام 2002، وصل المنتخب التركي إلي قمة تألقه وإنجازاته عندما استطاع تفجير مفاجأة مدوية بتأهله إلي المربع الذهبي في نهائيات كأس العالم لكرة القدم، وختم مشاركته بالفوز علي كوريا الجنوبية والحصول علي المركز الثالث، مسطراً أكبر وأهم إنجاز في تاريخه.وبعدها بعام واحد وفي العام 2003، أحرز المركز المنتخب التركي لكرة القدم أيضا المركز الثالث في بطولة كأس العالم للقارات بفرنسا، بعد الفوز علي نظيره الكولمبي بهدفين مقابل هدف واحد . واليوم، وخلال فعاليات بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم "يورو 2008"، والتي تستضيفها سويسرا والنمسا خلال الفترة من السابع إلي التاسع والعشرين من شهر يونيو الجاري، أبي المنتخب التركي العريق لكرة القدم إلا أن يواصل مفاجآته وإنجازاته ويبهر مشجعيه وجماهير كرة القدم حول العالم، وذلك خلال المباراة التي أقيمت بينه وبين نظيره التشيكي علي ملعب مدينة جنيف السويسرية في الجولة الختامية من منافسات المجموعة الأولي، بعد أن برع في تحقيق ما هو أقرب إلي الإعجاز حينما حول خلال دقائق معدودات سبقت صافرة نهاية المباراة بقليل، هزيمته بهدفين مقابل لا شيء إلي نصر مظفر ومستحق بعد أن عدل نتيجة المباراة إلي ثلاثة أهداف لصالحه مقابل اثنين فقط للمنتخب المنافس، الذي أصابه الذهول مما جري، ليصعد المنتخب التركي علي إثرها إلي الدور الثاني بعد أن تبوأ المركز الثاني في قائمة المجموعة الأولي عقب ارتفاع رصيده إلي ست نقاط متخلفاً بفارق الأهداف فقط عن المنتخب البرتغالي صاحب الصدارة . ومثلما كان متوقعا،قوبل هذا الإنجاز الضخم من قبل المنتخب التركي بعاصفة من التقدير والإعجاب الشديدين ليس علي الصعيد التركي فحسب وإنما علي المستوي العالمي أيضا .ففي لفتة ذات دلالة، أجري الرئيس عبد الله جول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان اتصالا هاتفيا عقب نهاية المباراة بالمدير الفني للمنتخب التركي فاتح تريم وثمنا علي أدائه وفريقه معربين عن ثقتهما في إمكانية وصول المنتخب التركي إلي الدور النهائي بعد المظهر المشرف الذي بدا عليه خلال مباراته مع نظيره التشيكي . وبدوره،_ قرر الاتحاد التركي لكرة القدم صرف_250_ ألف دولار لكل لاعب في صفوف المنتخب التركي بعد تحقيقه هذا الإنجاز. ومن جانبه،عبر مدرب منتخب تركيا لكرة القدم فاتح تبريم،عن فخره بكونه علي رأس الجهاز الفني لهذا المنتخب التركي الذي لا يستسلم أبدا_,_ ويعشق لاعبوه النهايات الدرامية للمباريات_،وأكد تبريم أن أوروبا كلها وكرة القدم الأوروبية ستظل تذكر هذا المنتخب بعد الإنجاز الذي حققه بتأهله إلي ربع نهائي كأس أوروبا للعام _2008 _ _، بعد أن كانت تشيكيا متقدمة_2-1_ حتي الدقيقة_87_ قبل أن يتقدم مهاجم المنتخب التركي نهاد قهوجي ويتألق إلي الحد الذي جعله يقلب الأمور رأسا علي عقب بتسجيله هدفين في مرمي التشيك في غضون دقيقتين متتاليتين فقط حجز بهما بطاقة منتخب بلاده إلي ربع النهائي، كيما تلاقي كرواتيا متصدرة المجموعة الثانية. إنها بحق تركيا الرائعة،التي تبدلت عليها أحوال عديدة وتغيرت عليها شئون متنوعة، لكنها تبقي صامدة قادرة علي المبادرة وابتكار الوسائل والآليات التي من شأنها أن تقودها إلي بلوغ غاياتها. لكن هل تنجع قوتها الذكية وميزتها النسبية المتمثلة في تفوقها في الفن أو في كرة القدم في تقريبها من حلمها الكبير بالانضمام إلي الإتحاد الأوروبي، أم أن إعجاب الأوربيين بفنونها وأداء منتخبها الوطني لكرة القدم هو شعور لحظي عابر سرعان ما يتلاشي بمجرد إسدال الستار وانقضاء البطولات، فيما تبقي تركيا صديقا أو حليفا استراتيجيا أو ربما شريكا تجاريا "مميزا" للأوربيين من دون أن تحصل علي بطاقة العضوية الكاملة في اتحادهم أو ناديهم المسيحي.