سيظل فاروق حسني وزير الثقافة المعروف إعلاميا "بالفنان" واحداً من الشخصيات المثيرة للجدل في مصر، فرغم ما يقال عنه انه من رجال الدولة والسياسيين المحنكين إلا ان حسني الذي قضي ما يقرب من 21 عاماً في منصبه وزيرا للثقافة له افكاره التي يخالفها الكثير من المثقفين فضلا عن اغلب المواطنين. ويبدو ان حسني من عشاق الأضواء ويشعر بالوحدة ان ظل لفترة بعيداً عن ساحة الجدل، فيغيب حسني علي قدر ما يغيب ثم يعود ليفجر حالة جديدة من الجدل تجذب الإعلام ويحدث بشأنها انقسام، وعادة ما يكون اغلبها ضد حسني وأفكاره لانه عادة ما يزج بنفسه في مناطق ليس له بها علاقة مثل قضية الحجاب علي سبيل المثال. ورغم ان حسني الذي لا يجد شيئاً يشغله بخلاف "الفن" طبعاً والوزارة باعتباره ليس متزوجا وليس من اصحاب "العيال"، إلا ان التوفيق خانه هذه المرة في العودة إلي الساحة بقضية جدلية جديدة علي غرار عاداته التي حفظناها علي مدي سنوات وزارته، حسني هذه المرة عندما أعلن انه مستعد إلي الذهاب إلي إسرائيل لم يفجر حالة الجدل المعتادة ولكنه فجر حالة من الاستياء والغضب والسخط. فحسني ليس الرئيس الراحل أنور السادات عندما أعلن انه مستعد للذهاب إلي آخر بلاد العالم من اجل قضية وطنه وعندما ذهب إلي القدس وسط انقسام مابين مؤيد ومعارض فإنه ذهب من اجل السلام وسط دهشة واستغراب ورفض واعجاب أيضا من مختلف فئات الشعب المصري، فالسادات عندما فعل ذلك لم يكن من أجل مجد شخصي أو منصب دولي، وذهب بوصفه رجل دولة، ذهب وهو مرفوع الرأس منتصرا اختلفنا أو اتفقنا معه، ذهب ليحقن دماء اجيال كثيرة، وذهب من موقع القوة والكبرياء، وليس من موقع الاستجداء والتملق. أما الفنان فيبدي استعداده لزيارة إسرائيل طواعية من أجل منصب اليونسكو وكأنه اصابته لوثة "اليونسكوفوبيا"، من اجل مطمع شخصي ومنصب زائل دون مراعاة لمشاعر وطن بأكمله يحمل في كل منزل فيه ذكري لشهيد، يذهب، ويعرف انه مثقف وممثل لكل مثقفي مصر ونخبها الذين لديهم اجماع وطني وشعبي بعدم الذهاب إلي إسرائيل ورفض التطبيع نهائياً. يبدي الفنان رغبته أو عدم رفضه للذهاب إلي إسرائيل، في وقت يتم فيه تمزيق الفلسطينيين إربا ويتم اجتياح الأرض التي اصبحت مروية بدماء الشهداء، وذهابه ليس من اجل مكسب وطني ولكن من أجل رغباته الشخصية ومنصب رغم كبره إلا انه يصغر صاحبه إذا ناله بالرضي السامي الإسرائيلي. وحقيقة لا أعرف لماذا الدولة مصرة علي الابقاء علي حسني كل هذه السنوات فالوزير الفنان صاحب أزمات "الروايات الثلاث"، ورواية "وليمة لاعشاب البحر"، وحريق مسرح بني سويف، والحجاب، أعلن انه "زهق من الوزارة" ورغم ما يمثله هذا الاعلان من اساءة لبلد كبير بحجم مصر دون ان يتم اتخاذ فوري بإقالته من "زهقه" بعد الاساءة لمصر ووضعها الثقافي يتم الابقاء عليه ليواصل مسلسله الجدلي، في وقت يبدو فيه واضحا ان حسني اصبح يشعر ان وزارة الثقافة "صغرت" عليه وانه اصبح أكبر من هذا المنصب الخطير، وكل ما يعنيه هو منصب دولي كبير حتي وان كان "بمسح الجوخ" لإسرائيل وطلب الرضي منها. كنت اعتقد ان الفنان المصري قبل ان يكون وزيراً، وبعد كل هذه السنوات الطويلة في منصبه يضع تقدير بلده وشعبه فوق كل شيء وفوق كل المناصب، وحتي لو فقد فرصته في الوصول إلي اليونسكو ان كان في يد إسرائيل فسيصبح بطلا قومياً في بلده، ويحمله الناس علي الأعناق ويضعونه في مصاف العظام حتي وان كان خارج الوزارة، بينما يريد الوزير الوصول إلي اليونسكو حتي وان كان ذلك بإهانة مصر وشعبها وتاريخه النضالي الذي قدم فيه الشهداء فداء لهذا الوطن. ياوزير الثقافة الوصول إلي اليونسكو والسعي إليها ليس عيبا ولا محرما، ولكن العيب ان ندوس علي التاريخ ولا نهتم بمشاعر وطن وشعب من اجل غرض شخصي، وشرف لك ألا تصل إلي هذا اليونسكو بمنحة إسرائيلية من دولة لاتعرف إلا لغة الحرب وسفك الدماء واحتلال الأرض واغتصابها.