التجربة تستحق الترحيب في كل الاحوال بوصفها خطوة مهمة في تقديم سينما "الحالة" وليس الشخصية "الحالة" كما يحدث في الكثير من الافلام، ففي العنوان نفسه "حالة" تكاد تحيلك الي شعور غامض بالوعي واللاوعي، بين الحقيقة والوهم وايضا الواقع والخيال، فالشخوص هنا تبدو مستسلمة لمصائرها في لحظة ومتمردة بقوة في لحظات اخري وهي في كل الاحوال نماذج بشرية وليست ملائكية كالتي تقدمها افلام كثيرة، فهي خطاءة وممعنة في ارتكاب الذنب ثم التراجع اذا لزم الامر وليست احادية الجانب علي الاطلاق وحيال هذا لا تستشعر انها متناقضة بل هي جزء من نسيج واقع نعرفه، ويعيشه بعضنا، لكننا نزعم احيانا اننا نرفضه، فما العار في ان تخشي "داليا"- كارولين خليل- الزواج الشرعي، وهي تري امامها عشرات الامثلة علي فشل الفكرة وتحول الحب الي كراهية، وخيانة اذا لزم الامر، والمثال الحي صديقتها "سارة"- نيللي كريم- التي افترقت عنها وتخلت عن صداقتها الحميمة اربع سنوات، لزواجها من "يوسف"- عمرو ممدوح- الذي احبته واخلصت له وتفانت في رعايته، قبل ان تكتشف خيانتها لها وفي فراشها، يوم الاحتفال بعيد زواجهما"!" بالطبع اعتبر البعض سلوك "داليا" شاذا، وهي التي ترفض باصرار عرض حبيبها "اكرم"- محمد سليمان- للزواج، بينما الصدمة تعيش معها وفي شقتها ممثلة في صديقتها التي لم تصدق خيانة زوجها وحبيبها، وربما تجاوز سلوك "داليا" كل المتوقع في مجتمع شرقي يؤمن بان "البنت مصيرها بيت جوزها" ورأي هؤلاء فيما تفعله وساوس مرضية اكثر منها اقتناعا بمبدأ اثبت الواقع صحته ومازالت تؤكده الحالات اليومية الكثيرة والصارخة بين المحبين الذين صاروا ازواجا، لكن السعادة ظلت غائبة في الحالين، سواء "داليا" التي ضاقت ذرعا بعروض "الحبيب" الشرعية و"سارة" التي اصبحت مطمعا لجميع الرجال في مجتمع لا يؤمن بالمرأة "المطلقة" فما بالك "بالمنفصلة"!؟ حالات كثيرة يميزها الشجن الانساني والاحساس بالاغتراب يضمها الفيلم يأتي علي رأسها دور "عبداللطيف"- حسن حسني- مصمم الازياء الذي عاش حياته بالطول والعرض في روما وفينسيا التي اختار فيها رفيقة حياته وبموتها فقد الزوجة وافتقد الابن الذي اختار بدوره الغربة وتحقيق مصلحته الشخصية واذا ما تحدث اليه الاب وسأله عن موعد عودته الي الوطن انتابه القلق، ويؤكد ان لا مجال للتفكير في هذه العودة ما دام الاب الذي لا يراه ابدا "بخير""!" وهي شخصية ثرية لكن السيناريو اختزلها في مجموعة من "المونولوجات" او "الديالوجات" التي يرويها دون خطوة واحدة ايجابية تدفع الشخصية الي الامام، بل كثيرا ما وقعت في فخ التكرار بعكس شخصية "سارة" التي اضفت عليها نيللي كريم عذوية وحزنا بدا في عينيها والامر المؤكد ان نادين شمس كتبتها بحساسية فائقة فنجحت في اضفاء واقعية ومصداقية علي شخصيتها سواء علي صعيد افكارها او سلوكياتها لكنك لا تستطيع ان تتغافل عن الاحساس اجتهدت كارولين خليل في تجسيدها بشكل واضح واذا كانت العلاقة بين "سارة" و"عبداللطيف" قد بدت منطقية بعدما رأينا فيها تبادلا لمشاعر عاطفية انسانية تملأ الخواء الروحاني الذي يحسد كل واحد منهما فوجدت فيه الاب والرجل الذي لا يطمع في جسدها بينما رأي فيها الابن الذي رحل والزوجة التي غابت وهو المنطق الذي غاب في لحظة عن علاقة "سارة" و"هشام"- آسر ياسين- وكأنها علاقة محكوم عليها بالفشل منذ اللحظة الاولي فهي من جانبها ارادت ان تستخدمه لتثأر لكرامتها من خيانة زوجها وهو تصور انها ستكون طوق نجاته من مشاكله مع الفرقة الموسيقية التي يقودها والفتاة "أمل"- راندا البحيري- التي لا يعرف حقيقة ما يريده منها او من علاقته بها، وهي العلاقة التي استقامت، فجأة ، ومن دون سبب منطقي غير ان الفتاة نصحته بأن يتجه الي التلحين والتوزيع، وليس العزف علي آلة "الساكسفون" وكأن حقيقة كهذه كانت غائبة عن فطنته، بينما ندرك جميعا انها تكئة للوصول بالفيلم بالنهاية السعيدة غير المتوقعة ولا المبررة فما الذي هدي "سارة" فجأة لتقطع علاقتها ب "هشام" وتتمني له ولفتاته النجاح والاستقرار؟ وهل يعني ذهاب "اكرم" الي "داليا" في المطار قبل لحظات من سفرها، انه اقتنع فجأة بمنطقها "الزواج الشرعي مرفوض" ام تراها اقتنعت ان "ضل راجل ولا ضل حيطة"! لقد جاءت النهاية مفحمة والمقدمات لا تقود اليها ابدا، حتي لو بدت صورة من نهاية فيلم "سهر الليالي" لكن الفيلم يبدد الاوراق التي نجح في جمعها بنهاية لا منطق لها وتبقي اغنية "يا ابو جلابية" دليلا علي تناقض جيل الشباب في الملهي الليلي حيث الكلمات التي تحمل معني الاصالة وتأكيد الهوية بينما الرقصات تكرس الغربة وضياع الهوية وفقدان الجذور وتكاد تندهش لقيام المخرج بتبديد فرصة تقديم اغنية اخري جميلة "قولها لي تاني" غنتها سلمي مع تترات النهاية بينما كان يستطيع ان يوظفها دراميا في سياق اخر داخل الفيلم. ومع الكاميرا الواعية التي ترصد حقيقة المشاعر، قبل المظاهر، تنتابك الحيرة لانها لم تتوقف مرة عند تفاصيل الشارع المصري الذي غاب بدرجة عجيبة حتي يصعب علي متابع الفيلم ان يجزم فيما بعد انه صور في مصر.. الجديدة او القديمة"!" ومع نيللي كريم بادائها الساحر والرصين تدهشك كارولين خليل بتلقائيتها وصدمتها التي جعلت منها طيرا يرقص مذبوحا من الالم في مشهد الملهي الليلي وفي حين نجح المخرج هشام الشافعي في استخراج افضل ما في جعبة بطلاته، وايضا آسر ياسين الذي ينلق بقوة من دور الي اخر تستشعر انه فشل في مهمته هذه فقدم عمرو ممدوح طيفا باهتا لدور الزوج الخائن ولم يختلف عنه كثيرا محمد سليمان الذين ذكرنا بمصطفي فهمي في بداياته، وادائه الذي لم يتغير حتي يومنا هذا!!