أكد متخصصون فلسطينيون في علم الاجتماع وسياسيون ان الوضع الفلسطيني الداخلي الراهن يشهد حالة من التشتت قد تؤدي الي "كارثة اخطر من النكبة" التي مني بها الفلسطينيون قبل ستين عاما.. يأتي ذلك في الوقت الذي وافقت فيه الفصائل الفلسطينية علي الرؤية المصرية للتهدئة في قطاع غزة وهو ما تقوم إسرائيل بوضع العراقيل أمام تنفيذها. وقال شريف كناعنة، المتخصص في علم الانسان، والمهتم في تدوين قضايا اللاجئين، ان الواقع الفلسطيني يعيش حالة من الخطر قد يؤدي الي "كارثة اخطر من النكبة التي تعرض لها في العام 1948". واضاف "الوضع الفلسطيني يعيش خطر تفسخ الهم الوطني الموحد، وهذا الامر انما يؤدي الي زيادة الانقسام وان تذهب كل جماعة فلسطينية للتعبير عن ذاتها بشكل مستقل عن الجماعة الاخري". ويري كناعنة ان تراجع الاتفاق الفلسطيني علي شيء مشترك، مثل منظمة التحرير وما تمثله من رمزية لقضية اللاجئين، "قد يدفع الفلسطينيين للبحث عن شيء اخر، مثل البعد الاسلامي مثلا". وبرأي كناعنة، بدأت "حالة التفسخ والانقسام الفلسطيني منذ اوسلو، وادت هذه الحالة الي تراجع الاهتمام والمطالبة بحق عودة اللاجئين" الضحايا الاوائل للنكبة. واضاف" في اوسلو لم تشدد منظمة التحرير كثيرا علي حق العودة، لذلك طالبت بالتوجه الي مفاوضات الحل النهائي، وهذا كان بمثابة اتفاق غير مكتوب فهم منه الاسرائيليون انه بالامكان التراجع عن حق العودة". وادرجت قضية اللاجئين الي جانب ما يسمي بقضايا الحل النهائي مثل القدس والمياه والحدود والاسري، التي يفترض ان تبحث بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي بغية التوصل الي اتفاق لاقامة دولة فلسطينية. وقال كناعنة ان "عدم التشديد علي حق عودة اللاجئين سبب حالة من الاغتراب لدي الشتات الفلسطيني في الخارج عن المنظمة". وألف كناعنة الذي يعود باصله الي بلدة عرابة البطوف داخل اسرائيل، ويسكن مدينة رام الله، العديد من الكتب التي تحدثت عن اللاجئين، ومنها كتاب "الدار دار ابونا... ". وتابع كناعنة "عندما عاد رموز منظمة التحرير الفلسطينية الي الضفة الغربية واندمج قادتها في مؤسسات السلطة، اسهم هذا الامر في زيادة التفسخ الجماعي الفلسطيني عن قضية اللاجئين". وانطلقت المقاومة الفلسطينية مع بداية النكبة الفلسطينية في العام 1948، وشهدت عقب ذلك تشكيل خلايا مسلحة وصولا الي تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1965، الا ان المقاومة الفلسطينية تشهد تراجعا كبيرا، حسب ما يري كناعنة وسياسيون آخرون. واعتبر كناعنة ان المقاومة الفلسطينية تراجعت منذ انسحاب فصائل منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في العام 1982 بعد الاجتياح الاسرائيلي، معتبرا ان ذلك العام "كان بمثابة بداية تفسخ الهم الفلسطيني المشترك". وقال بأن المقاومة الاسلامية في قطاع غزة "لا تقاس بحجم المقاومة التي ولدت مع النكبة، عوضا عن ان المقاومة في غزة تسعي اليوم لتحقيق هدف يختلف عن المقاومة الفلسطينية الموحدة، اضافة الي انها باتت اليوم تستخدم ضد الفلسطينيين انفسهم". واسهم غياب الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات، الذي اعتبر رمزا سياسيا علي الدوام، في زيادة حالة التشتت التي اشار اليها كناعنة. وقال كناعنة "رغم ان صورة الرئيس الراحل ياسر عرفات اهتزت شيئا ما عقب اتفاقية اوسلو، الا انه كان قادرا علي اقناع الفلسطينيين ان بامكانه الحفاظ علي الوحدة الفلسطينية وتحصيل شيء للفلسطينيين كالدولة الفلسطينية مثلا". واضاف "لكن عندما مات عرفات مات الامل كله". واتفق عمر عساف، عضو لجنة التنسيق لاحياء ذكري النكبة مع كناعنة بأن الحالة الفلسطينية "تشهد حالة من التشتت السياسي والانقسام الذي لا نحسد عليه". الا ان عساف يري بان المطالبة بحق العودة لم تتأثر "لا بل تراجعت الاصوات المطالبة بالتنازل عن حق العودة، وقد يكون ذلك بسبب التعنت الاسرائيلي بالدرجة الاولي". ولكن عساف يري ان المقاومة الفلسطينية التي ولدت مع النكبة الفلسطينية تراجعت ايضا "وذلك بسبب تأثرها بالتراجع السياسي العام الذي اصاب الوضع الفلسطيني الداخلي". وقال "النكبة الفلسطينية افرزت المقاومة الفلسطينية، واتسع العمل الفلسطيني المقاوم مع النكسة (1967)، اما اليوم فأصبحت المقاومة مقتصرة علي بضع مجموعات نخبوية". واضاف عساف "نعيش في مأزق سياسي واضح، ومثال ذلك الانقسام ما بين فتح وحماس، ومأزق المفاوضات وكذلك الجدار، اضافة الي الحصار علي غزة، وفي ذات الوقت تعيش قوي اليسار ايضا مأزقا يجعلها غير قادرة علي وضع الحلول الملائمة".