والعبرة من حياة كارتر، أن أصحاب الشيم والدراويش لا مكان لهم في بيت السياسة. وضع الرئيس الأمريكي السابق اكليلا من الزهور علي ضريح ياسر عرفات، والتقي بممثلي حركة حماس الموجودين في رام الله، بعد أن رفضت اسرائيل زيارته الي قطاع غزة، حيث أكد أنه سيلتقي في دمشق رئيس المكتب السياسي لحماس السيد خالد مشعل، وأنه سيبحث معه فرص الحل السلمي مع اسرائيل وفرص الحل مع حركة فتح، كما سيجتمع مع كل من السيد اسماعيل هنية والسيد الزهار لبحث موقف حماس من مسيرة المفاوضات. يمكن لنا اعتبار الرئيس كارتر إحدي ضحايا الاغتيال السياسي الذي مارسته الثورة الايرانية في بداية حياتها، فقد احتل الطلاب (ورجال المخابرات الايرانية) السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا أكثر من مائتين من الموظفين الأمريكيين العاملين في السفارة لأكثر من عام ونصف، حيث لم يطلق سراحهم الا بعد أن تأكدت الثورة من هزيمة كارتر في الانتخابات الأمريكية ونهاية حياته السياسية، وأطلق المحتجزون مع تولي الرئيس ريجان السلطة في البيت الأبيض، كل ذلك عقابا للرئيس كارتر لدعمه نظام الشاه لاسيما خلال زيارته الي طهران في ديسمبر 1977، حيث وصف ايران بأنها جزيرة ازدهار واستقرار وسط محيط عاصف ومضطرب. وبهذا الاغتيال أصبح كارتر واحداً من ثلاثة رؤساء أمريكيين اكتفوا بولاية واحدة في البيت الأبيض، وهم الرئيس فورد، والرئيس كارتر، ثم الرئيس بوش، وقد صمم الخميني علي الاطاحة بالرئيس كارتر، رغم أن كارتر جاء الي الرئاسة بمشروع مختلف عن الذين سبقوه من الرؤساء، جاء حاملا حقوق التفوق الأخلاقي في العلاقات بين أعضاء الأسرة العالمية، فقد وضع شعارين مرتفعين لدبلوماسية كارتر، وهما: حقوق الانسان، والمساهمة في تنمية الدول الفقيرة، وأتذكر كلماته عندما سلمت عليه في حفل الغداء الذي أقامه علي شرف وزراء خارجية الدول العربية في مقر البعثة الأمريكية، في الأممالمتحدة، عندما قدمت نفسي كسفير للكويت في الأممالمتحدة، وكان تعليقه بأن الكويت بلد كريم وسخي في مساعدته للدول النامية. هل كان الرئيس كارتر حالما أم كان استعراضيا سطحيا ساذجا؟ هل يمكن أن يستبدل النظام العالمي القائم علي حقوق القوة ومقام السلطة بشيء جديد قائم علي التميز الأخلاقي في السلوك الدولي؟ في هذا السياق لابد أن نستذكر بعض الحقائق: أولا: مع الممارسة في البيت الأبيض ومواجهة حقائق الوضع العالمي وميزان الرعب، وتوازن قوي الردع، أفاق الرئيس كارتر من أحلامه، بعد أن كادت أن تحرقه الحملة الصهيونية التي انفجرت ضده بعد لقاء القس أندي يونج سفير أمريكا في الأممالمتحدة بالسيد زهدي الطرزي، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في الأممالمتحدة، بعد أن رتبت شخصيا اللقاء، وتعرض السفير الأمريكي لهجوم لاذع ونقد جارح، وحشدت القوي السياسية المناصرة من السود قواها وامكاناتها دفاعا عن السفير البارع، الذي حمل مسئولية مشروع الرئيس كارتر في الأممالمتحدة، وبشر بفوائد نهج حقوق الانسان، وهنا عجز الرئيس كارتر عن الدفاع عن صديقه وسفيره في الأممالمتحدة، وتخلي عنه في أسوأ الظروف، وفاق من الأوهام التي وضعها في سلة غير لائقة في العلاقات الدبلوماسية وليس لها مكان في توازن الرعب. في رأيي ليس بمقدور الرئيس المثالي أن يتجاوز الواقع السياسي والمصلحي والاستراتيجي والنفسي الذي يشكل العامل الحافز في توجيه السياسة الأمريكية، كانت قوي أمريكية طاغية تريد التخلص منه، لأنه كان زائرا غريبا للبيت الأبيض، يريد تخريب المؤسسة الأمريكية التي بنتها الولاياتالمتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. خرج كارتر حزينا من البيت الأبيض، ومن خارجه حمل الملف الانساني متجولا كرجل المهمات الصعبة بين دارفور والصومال وفلسطين.. آخر مرة قابلته في قصر المؤتمرات في الرياض، كان حاملا هموم الفقر في القارة الأفريقية، تغيرت معالمه وهزته الأزمات، لكنه يبقي دائما وفيا لرسالته للعيش في عالم بلا أزمات وخاليا من الصراعات. والعبرة من حياة كارتر، أن أصحاب الشيم والدراويش لا مكان لهم في بيت السياسة.