لقد اعترف إخواننا في مصر قادة الجماعات ببطلان أسانيدهم وتوفرت لديهم شجاعة الاعتراف والاعتذار عن الخطأ والندم ، لكن مطلوب من الأجيال الجديدة الصاعدة ومن الحركات الإسلامية في كل مكان من بلادنا العربية أن يستفيدوا من التجارب قضينا الاسبوع الماضي عدة ايام في لبنان بمدينة طرابلس , تلك المدينة الرائعة التي تستمد جذورها من عبق التاريخ , في ضيافة الرئيس نجيب ميقاتي رئيس وزراء لبنان السابق وجمعية العزم والسعادة حول الوسطية مشروع الإنسانية الحضاري التقينا دعاة للوسطية من مختلف الدول العربية والاسلامية نبحث في ملفات كثيرة تحتاج لنظر في وقت سادت العالم حركات شعبية وأخري رسمية سلكت مناهج وطرق ووسائل فرطت أو أفرطت , وشغل المتشددون أصحاب مدارس الغلو والتكفير مع نظائرهم من اليمنيين العنصريين في الغرب والمستغربين في الشرق مساحة كبيرة من الاهتمام في ظل غياب تيار الاعتدال والوسطية , بحثنا حول علاقة الحاكم بالمحكوم وضرورة وجود منهج موحد للأمة , وفي محور أخر بحثنا دور الوسطية في المعادلات السياسية , وتحدث صاحب هذه السطور عن الوسطية والتوازن السياسي , والحقيقة أنه يسود اعتقاد مغلوط لدي البعض أن ترويج مضامين "الوسطية" يتم لصالح الحكومات , كما يفهم بعض المتشددين الوسطية علي غير ما أراد الله سبحانه ولا نبيه الكريم صلوات ربي وسلامه عليه فيتأبون عليها ظنا منهم أنها تباعد عن مواطن الجهاد ويصفون دعاتها بالدعة والضعف والخور , وقد خرّج _العسكريُّ عن الأوزاعي أنه قال : ( ما مِن أمرٍ أمَرَ الله ُبه إلا عارضَ الشيطان فيه _بخصلتين لا يبالي أيهما أصابَ الغلو والتقصير) , فالوسطية هي التمسك بالإسلام علي النحو الذي نهل منه أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم والسلف الصالح (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) فالتمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم هو الوسطية كما في الحديث " إنّهُ مِن يعش مِنكمْ فسيري اختلافًا كثِيرًا فعليكُم _بسنتي وسُنًَّةِ الخلفاءِ الراشدين المَهْدِيِّين عضّوا عليها بالنواجِذِ وإيّاكم ومحدثاتِ الأمور _فإنّ كلّ َبدعةٍ ضلالة " . وعن نظرة الوسطية للقضايا المعاصرة تحدث المطران جورج خضر عن الوسطية والاختلاف السياسي بينما عرض المحامي اللبناني محمد نديم الجسر لابرز الفروق بين الاستبداد والديمقراطية وتعرض المحامي رشيد ترباس لدور الوسطية في ظل الاحتلال ودعم حركات المقاومة , ولم يتغافل المؤتمر عن الابعاد الاقتصادية فكانت بحوث قيمة عن مشكلات التنمية المستدامة , والوسطية أداة توازن للمعرفة الاقتصادية. والحقيقة أيضا أهم آفة أضرت بالشباب في مناطق مختلفة من العالم العربي والاسلامي هي الجهل بمعني عدم التعلم أو تلقي العلم من شيوخه حسب الأصول المعتمدة , وإنما اكتفي بعضنا بالنظر في الكتب والنصوص ومن ثم قاموا باستنباط الأحكام الشرعية دون أن يكونوا مؤهلين للقيام بهذه المهمة فكانت الأدلة علي هوي القائمين علي فكرة الخروج علي أنظمة الحكم , بل كان البعض منا يضع النتائج مسبقا ثم يبحث لها عن أدلة وفق مزاجه وتأويلاته لتي استخلصها بمجرد النظر في النصوص وهنا أيضا اسمحوا لي أن أشير إشارة عارضة إلي مسئولية المؤسسات الدينية الرسمية والعلماء والدعاة في بعض الدول العربية , إذ لم ينهضوا بواجب الإشراف العلمي والفقهي علي الشباب وتقاعسوا عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وهذا يفسر لنا أسباب دوامات العنف والتفجيرات التي قامت بها بعض الجماعات في مصر أبّان الثمانينات والتسعينات من القتال والخروج وقتل المدنيين والسياح الأجانب واستحلال أموال أهل الكتاب أو المصالح الحكومية , وأيضا يمكن أن نشير إلي الأحداث والتفجيرات التي وقعت في أماكن مختلفة بمدينة الرياض حيث كانت النتائج تستخلص سلفا عن تكفير الأنظمة والمتعاملين معهم ومزاعم استهداف الأمريكان الذين يتواجدون لأغراض قتالية أو تجسسية علي زعمهم .. والتعرض لتجمعات سكنية بزعم وجودهم بها , ثم استهداف مبني الأمن العام الذي أودي بحياة سعوديين ومصريين حتي وصل الخلل إلي تخزين أسلحة ومفرقعات في مكةالمكرمةوجده مما أحدث قلقا كبيرا في قلوب المسلمين لولا أن الله أراد الأمن لبلاده وعباده هناك لقد اعترف إخواننا في مصر قادة الجماعات ببطلان أسانيدهم وتوفرت لديهم شجاعة الاعتراف والاعتذار عن الخطأ والندم , لكن مطلوب من الأجيال الجديدة الصاعدة ومن الحركات الإسلامية في كل مكان من بلادنا العربية أن يستفيدوا من التجارب وألا يبدءوا المشوار من بدايته , لا ينبغي النظر للوسطية أنها ميوعة ومنجاة من كلفة النهوض بالدين وتكاليفه , إن الوسطية الحقة أن تكون وسط الناس مرشدا ومعلما , أن تصدع بالحق كاملا وتتحمل كلفته , الكلمة القوية من أسمي درجات الجهاد كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلي إمام جائر , فأمره ونهاه فقتله" قال الله عز وجل : __{ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغ } ، { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } ، { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَي اللَّهِ بِإِذْنِهِ } ولنا حول دور الوسطية ومغزاها معالجات وأوبة أخري إذا شاء الله وقدر