شركة هيونداي للسيارات.. تعرف على أفضل أنواعها    4 أحداث هامة تترقبها أسواق الذهب خلال هذا الأسبوع    ثروت الزيني: نصيب الفرد من البروتين 100 بيضة و 12 كيلو دواجن و 17 كيلو سمك سنوياً    العميد محمود محيي الدين: الجنائية الدولية أصدرت أمر اعتقال ل نتنياهو ووزير دفاعه    موعد متابعة مباراة باريس سان جيرمان وبروسيا دورتموند القادمة في دوري أبطال أوروبا    الزمالك ونهضة بركان.. موعد نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية 2024 والقناة الناقلة    السيطرة على حريق هائل داخل مطعم مأكولات شهير بالمعادي    حبس 4 مسجلين خطر بحوزتهم 16 كيلو هيروين بالقاهرة    شقيقة الأسير الفلسطيني الفائز بالبوكر: لم نفرح هذه الفرحة منذ 20 عاما وقت اعتقاله    بعد إثارتهما الجدل.. الشيخ محمد أبو بكر: مستعد للإعتذار إلى ميار الببلاوي    هل أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء؟.. دار الإفتاء تجيب    "المصل و اللقاح" عن الأثار الجانبية للقاح "استرازينيكا": لا ترتقي إلى مستوى الخطورة    نيويورك تايمز: إسرائيل خفضت عدد الرهائن الذين تريد حركة حماس إطلاق سراحهم    طيران الاحتلال يجدد غاراته على شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    القنوات الناقلة لمباراة الهلال والاتحاد في نصف نهائي كأس الملك والمعلقين    نظافة القاهرة تطلق أكبر خطة تشغيل على مدار الساعة للتعامل الفوري مع المخلفات    تراجع أسعار النفط مع تكثيف جهود الوصول إلى هدنة في غزة    مجلس الدولة يلزم الأبنية التعليمية بسداد مقابل انتفاع بأراضي المدارس    حماية المستهلك: الزيت وصل سعره 65 جنيها.. والدقيق ب19 جنيها    د. محمود حسين: تصاعد الحملة ضد الإخوان هدفه صرف الأنظار عن فشل السيسى ونظامه الانقلابى    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة فى قنا    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30 أبريل في محافظات مصر    تعرف على موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    فتوى تحسم جدل زاهي حواس حول وجود سيدنا موسى في مصر.. هل عاصر الفراعنة؟    أشرف زكى: "هناك نهضة فنية فى معظم الدول العربية لكن لا يزال الفن المصرى راسخًا فى وجدان الأجيال"    فيديو| مقتل 3 أفراد شرطة في ولاية أمريكية خلال تنفيذ مذكرة توقيف مطلوب    محلل سياسي: أمريكا تحتاج صفقة الهدنة مع المقاومة الفلسطينية أكثر من اسرائيل نفسها    ولي العهد السعودي وبلينكن يبحثان التطورات في قطاع غزة    أستاذ بجامعة عين شمس: الدواء المصرى مُصنع بشكل جيد وأثبت كفاءته مع المريض    مفاجأة صادمة.. جميع تطعيمات كورونا لها أعراض جانبية ورفع ضدها قضايا    «جامعة القناة» تُطلق قافلة طبية لحي الجناين بمحافظة السويس    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    حكم الشرع في الوصية الواجبة.. دار الإفتاء تجيب    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. انهيارات جليدية وأرضية إثر أمطار غزيرة شمالي الهند.. عائلات الأسرى لنتنياهو: لقد سئمنا.. شهداء وجرحى فى غارات إسرائيلية على غزة والنصيرات بقطاع غزة    رسميا.. بدء إجازة نهاية العام لطلاب الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية بهذا الموعد    النيابة تنتدب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق شب داخل مطعم مأكولات سوري شهير بالمعادي    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    «المقاطعة تنجح».. محمد غريب: سعر السمك انخفض 10% ببورسعيد (فيديو)    «هربت من مصر».. لميس الحديدي تكشف مفاجأة عن نعمت شفيق (فيديو)    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    مصطفى عمار: القارئ يحتاج صحافة الرأي.. وواكبنا الثورة التكنولوجية ب3 أشياء    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    ما رد وزارة الصحة على اعتراف أسترازينيكا بتسبب اللقاح في جلطات؟    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    توفيق السيد: لن يتم إعادة مباراة المقاولون العرب وسموحة لهذا السبب    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 30/4/2024 في مصر    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    برلماني يطالب بالتوقف عن إنشاء كليات جديدة غير مرتبطة بسوق العمل    تقديم موعد مران الأهلى الأخير قبل مباراة الإسماعيلى    بالرابط، خطوات الاستعلام عن موعد الاختبار الإلكتروني لوظائف مصلحة الخبراء بوزارة العدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا بعد رحيل مهندس المراجعات داخل السجون؟‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 08 - 2010

في مارس‏1997‏ وقف أحد المتهمين خلال جلسات محاكمة عناصر من الجماعة الإسلامية‏,‏ ليعلن مبادرة لوقف العنف من طرف واحد‏,‏ كان هذا البيان هو الأول والذي لم يعلم به أحد سوي من القاه وهؤلاء المسجونين في ليمان طره من قيادات الجماعة‏. وسارعت أجهزة الأمن لتعرف ماذا حدث واسباب هذا التحول المفاجيء‏,‏ بعد السنوات التي نفذت فيها عمليات إرهابية بداية من ضرب السياحة والمنشآت الاقتصادية ودور العبادة ووسائل النقل العام والنهري وبعض المسئولين والمواطنين‏.‏
كانت سنوات التسعينيات لمن يناضلون الآن ولايعرفون ماذا حدث فيها‏,‏ كل يوم حادث أو حادثين تضربان هذا الوطن‏,‏ وكان علي رجال الأمن أن يواصلوا عملهم لدرء هذا الخطر‏,‏ واستشهد منهم العشرات خلال هذه المواجهات‏.‏
في تلك السنوات الصعبة جري تحديث المعلومات وبناء قاعدة ضخمة لم تكن متوافرة من قبل في التعامل مع ملف التطرف والإرهاب‏,‏ ونجح جهاز الأمن في الكشف عن التنظيمات وضرب مراكز التمويل في الداخل والخارج وقطع الخطوط‏,‏ والتوصل لقياداته الرئيسية مثل طلعت ياسين همام والذي كان الوصول إليه نقطة تحول في فك عقد الجماعة باكملها ووصفته عملية مقتل طلعت همام بأنها توازي‏,‏ ألف رأس وكان بعده محمود سيد سليم وآخرون من القيادات العسكرية للجماعة داخل البلاد‏,‏ كان هذا هو الحال عمليات متواصلة وكروفر وشهداء يسقطون لكن الرجال الذين كلفوا بالمسئولية حملوها بكل أمانة وكان واحدا منهم اللواء احمد رأفت والذي تولي هذه المهمة عام‏93‏ عقب اغتيال اللواء رؤوف خيرت‏,‏ ضحي رجال الشرطة بأنفسهم في سبيل الوطن‏,‏ وقد تحدث أخطاء من البعض لكنها ليست استراتيجية أو سياسة تستهدف إيذاء هذا المواطن أو ذاك مثلما حدث في واقعة خالد سعيد‏,‏ والتي ارادت جهات في الداخل والخارج‏,‏ استغلالها لامر سياسي في حين لم يخرج هؤلاء في التسعينيات ولاحتي اليوم ليتحدثوا عما يفعله رجال الشرطة‏.‏
وكانت وفاة اللواء احمد رأفت نائب رئيس جهاز امن الدولة‏,‏ دافعا لكي نكشف للرأي العام ماذا يفعل هؤلاء الرجال ودورهم الذي لايعلمه الناس فهم يعملون ويكافحون بعيدا عن الأعلام والشهرة فالعمل السري لايكشف عنه‏,‏ لكن الشهادة تأتي من قيادات الجماعة الإسلامية الذين شاركوا في إغتيال الرئيس الراحل انور السادات وسرعان ماراجعوا انفسهم داخل السجون‏,‏ واصدروا مبادرتهم التي تستند للشرع الصحيح‏,‏ وكانت لديهم الشجاعة بالاعتراف بالاخطاء التي وقعوا فيها فماذا حدث بالضبط؟‏!‏
تداول قادة الجماعة الرسائل فيما بينهم سواء من الشيخ كرم زهدي مسئولها الأول في مصر ورفاعي طه مسئولها في الخارج في ذلك الوقت وناشدوا العناصر الهاربة توقف العمليات‏,‏ وكانت رغبة حقيقية وصادقة منهم‏,‏ ومع الإعلان عن ذلك في أول بيان داخل قاعة إحدي المحاكمات من عام‏97,‏ لم يصدق أحد حقيقة النهج الجديد للجماعة‏,‏ ووقع حادث الأقصر وتسبب في ردود فعل سلبية وأحدث ضجيجا بعدما أصاب المجتمع المصري‏,‏ فكانت للحادث توابعه وتفاعلاته وارتفعت الأصوات داخل الجماعة بداية من شيوخهم كرم زهدي‏,‏ وناجح إبراهيم مفتي الجماعة‏,‏ وأسامة حافظ وعصام دربالة وعلي الشريف وحمدي عبدالرحمن واتفقوا علي العودة لسياسة الدعوة الإسلامية السليمة‏,‏ وكانت لدي الجهات المعنية سياسة تطبيق القانون واحترام الأحكام وهما وسيلتان لتجفيف منابع العنف‏,‏ وتجاوب الدكتور عمر عبدالرحمن مع قيادات الداخل وأعلن تأييده مبادرتهم وتأكيده الوسائل السلمية‏,‏ وكان للفكر الأمني الجديد والسياسة التي وضعها السيد حبيب العادلي وزير الداخلية الأهمية في الوصول لما نحن عليه الآن‏,‏ فكانت لدي وزير الداخلية رؤية مختلفة فلم يعتمد سياسة القهر بل تطبيق القانون‏,‏ وشكل لجنة أمنية تراجع السياسات المختلفة داخل وخارج السجون‏,‏ وهذا ما أعطي مصداقية لدي الجماعات بأنهم يرون الأمل في الحياة وجاء بيان رفاعي طه رئيس مجلس شوري الجماعة في الخارج في ذلك الوقت ليؤيد مبادرة القادة التاريخيين بضرورة انتهاج الوسائل السلمية‏,‏ وحدثت هذه التفاعلات دون انتكاسة من جانبهم‏,‏ لكن الأجهزة المعنية تركت كل شيء يسير من داخل الجماعة نفسها‏.‏
وتحمل رأفت مهمة هذا الأمر واستطاع أن يخرس ألسنة كل من شكك في المبادرة التي نجحت ونجح معها أحمد رأفت الذي وافته المنية قبل أيام وهو يؤدي واجبه داخل مكتبه في جهاز مباحث أمن الدولة وبكي علي فراقه شيوخ الجماعة الذين كانوا يشهرون السلاح يوما في وجهه هو وزملائه‏,‏ لكنهم اليوم دعوا له بالرحمة والمغفرة وهم يودعونه إلي مثواه الأخير‏,‏ ووقف كرم زهدي علي الملأ أمام قبره وهو يقول‏:‏ أنا الشيخ كرم زهدي لمن لا يعرفني‏..!‏
‏{{‏ ماذا قال عنه شيوخ وقيادات الجماعة الإسلامية؟‏!‏
الدكتور ناجح إبراهيم مفتي الجماعة قال عن أحمد رأفت باكيا‏:‏ كان رجلا بمعني الكلمة أوفي بالعهود فاحترمته الحركة الإسلامية‏..‏ دعونا له ونحن نشيع جثمانه اللهم إنه رحم عبادك فارحمه‏,‏ اللهم فرج عنه‏.‏
قدم لنا جميلا ومعروفا عندما أحسسنا بالخطأ في حق الدولة والمجتمع وحتي القاضي الذي حكم علينا‏,‏ اعترفنا بذلك وأدركنا أن ما فعلناه خطأ من الناحية الدينية فلم تكن لدينا أي حسابات أخري وراء المراجعات‏,‏ وكانت لدينا الشجاعة في الاعتذار عن اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات‏,‏ فالاعتراف بالحق فضيلة‏,‏ ولم تكن لنا أي حسابات سياسية في هذا الاعتراف‏,‏وعلينا أن ننصف هذا الرجل‏,‏ فأحمد رأفت يستحق أكثر من ذلك‏,‏ فكانت له بصمات في السجون لم تحدث من قبل وقاد عملية الإفراج عن آلاف المعتقلين‏.‏
وكان أول ضابط شرطة كبير يحمل علي عاتقه فكرة التصالح بين الدولة والجماعات الإسلامية‏..‏ وتنحية البندقية وتنحية منطق الثأر المتبادل أو العنف المتبادل وتغليب منطق التفاهم عليه هو أول من وضع سياسة لا غالب ولا مغلوب بين أبناء الوطن الواحد‏..‏ فكلنا مغلوب مادمنا نتقاتل ونتصارع وكلنا غالب مادمنا نتفاهم ونتحاور من أجل مصلحة بلادنا‏.‏
وقدم مصلحة الوطن وأقام جسورا من التفاهم بين أبناء الوطن الواحد في مصر وبين الحركات الإسلامية ومجتمعاتها‏.‏
هو الرجل الفذ الذي رحم الفقير وعطف علي المعتقل ورحم أهالي المعتقلين من ويلات وويلات لا يعرفها إلا من ذاقها وهو أول من أعاد للمعتقلين الإسلاميين كرامتهم الدينية والإنسانية المفقودة واهتم برعايتهم داخل السجون وخارجها‏,‏ وكان مخلصا لدينه ووطنه لتحقيق هذه المصالحة التي أصبحت نموذجا يحتذي به في كل البلاد العربية‏,‏ وكان سببا في الإفراج عن آلاف المعتقلين في مصر‏..‏ في الوقت الذي كانت الدول الأخري تشحن الإسلاميين إلي السجون بعد‏11‏ سبتمبر‏,‏ وهو أول مسئول أمني كبير في مصر يذهب إلي السجون ويعيش بين المعتقلين في كل سجن أسبوعا كاملا‏.‏
قد يقول البعض‏:‏ هل يستحق الرجل كل هذا الثناء؟‏!‏
فأقول‏:‏ نعم‏..‏ يستحقه وأكثر منه عشرات المرات ويدرك ذلك جيدا تلك الآلاف المؤلفة من المعتقلين‏,‏ فقد كانت الزيارة عن طريق السلك‏,‏ وهذا السلك مكون من طبقتين من الأسلاك الفظيعة بينها قرابة متر ونصف المتر فكان المعتقل لا يري أسرته جيدا ولا تراه‏..‏ ولا تسمعه ولا يسمعها‏,‏ فإذا به يعرض الأمر علي وزير الداخلية‏,‏ ويتخذ العادلي قرارا أسعد الآلاف من المعتقلين‏,‏ حيث جعل الزيارة دون أسلاك وحولها من عشر دقائق إلي‏3‏ ساعات كاملة‏,‏ وهو أول من جعل زيارة المعتقلين الإسلاميين دون تصريح وهو القرار الذي وفر علي المعتقلين قرابة نصف مليون جنيه كانوا ينفقونها شهريا علي التصاريح‏,‏ فضلا عن السفر ومشقته‏,‏ وقد صدق الرجل في كل ما وعد به وكان يسعد بقضاء حاجات الناس ومصالحهم وكان وراء إلغاء الجناح العسكري للجماعة الإسلامية دون إراقة نقطة دماء واحدة وقد وقفت الجماعة معه وبجواره لأنه أنصفها وساعدنا علي العودة لحياتنا الطبيعية‏.‏
هكذا أثني الدكتور ناجح إبراهيم علي أحمد رأفت‏..‏ أما أنا فكانت تربطني به علاقة صداقة قوية طوال‏17‏ عاما بحكم عملي الصحفي وأعلم جيدا أن هذا الرجل عاش في الخفاء وحمل رسالة في مرحلة دقيقة من القرن الماضي وهي محنة التسعينيات بعد استشهاد اللواء رؤوف خيرت مدير إدارة نشاط التطرف‏,‏ وكان الموت يلاحقه سواء برصاص الإرهابيين أو من هم في السجون وتعرفه جيدا أسر المعتقلين الذين تكفل بهم ويعرفه العاملون تحت قيادته ورؤساؤه في العمل فهو كان بمثابة الأخ والأب والصديق لكل من حوله وكان رمزا للرجولة والحكمة في القيادة‏,‏ لم يصدق أحد أو يتخيل أن الذين كانوا يقفون يوما ما وجها لوجه لا يدري كل طرف منهما من هو القاتل ومن المقتول أنه سيأتي اليوم الذي يجلسان فيه معا لتلمس طريق الخروج من هذه النقمة التي ألمت بالوطن‏,‏ فقيادات وعناصر الجماعة الإسلامية الذين أشهروا السلاح بالأمس في وجه أحمد رأفت ورفاقه يجلسون معه لتحقيق المصالحة التي أصبحت تجربة رائدة ونموذجا يحتذي به في كل الدول‏.‏
وقف قيادات الجماعة يتلقون التعازي وفاء لعطاء الرجل الذي كان يثور ويغضب في وجه كل من يشكك في المبادرة وكان له دور رئيسي في المواجهات التي خاضتها وزارة الداخلية ضد فلول الإرهاب وقاد بنفسه مواجهات في صحراء الصعيد وجباله وفي دروب سيناء ليطارد الإرهابيين ومكث نحو شهرين في شرم الشيخ بعد التفجيرات الإرهابية بها للبحث عن منفذي تلك العملية وكان يؤدي دوره وواجبه الوظيفي دون شوشرة أو ضجيج‏.‏
لم يصدق وزير الداخلية السابق السيد حسن الألفي كلمات أحمد رأفت بأنه استطاع تحديد مكان مسئول الجماعة الإسلامية طلعت ياسين همام عندما قال له حددت مكان طلعت همام وبالفعل كان صادقا‏.‏
هكذا كانت خبرات أحمد رأفت الأمنية التي استفاد منها كل من حوله وتلاميذه فلم تمر سوي‏18‏ ساعة عندما توصل إلي الجناة الذين نفذوا جريمة الاعتداء علي الأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ وكنت أنا الصحفي الوحيد الذي التقي المتهم محمد ناجي مرتكب الجريمة الذي طعن الأديب الكبير بالسكين في رقبته واعترف لي المتهم المنتمي إلي تنظيم الجماعة الإسلامية بأنهم لم يتوقعوا القبض عليهم بهذه السرعة وبعد تنفيذ الجريمة بساعات‏.‏
وعودة إلي المبادرة فإن أحمد رأفت سعي إلي تطبيقها منذ عام‏1996‏ عندما تولي السيد حبيب العادلي رئاسة جهاز مباحث أمن الدولة وحكي لي الراحل كيف وقف وزير الداخلية وساند أفكاره وتابعها وكان الهدف ألا يكون هناك حوار بل مراجعة من جانب الجماعة نفسها وقد حدث هذا بالفعل‏,‏ وتحمل علي عاتقه مسئولية المبادرة وعواقبها الوخيمة إذا ما باءت بالفشل وتكررت التجربة المؤلمة لكنه أصر علي استكمال المسيرة‏.‏
وتولي السيد حبيب العادلي وزارة الداخلية وهو نفسه الذي كان يدعم ويساند الفكرة التي أصبحت أهم وأوسع بعد مجيئه وزيرا للداخلية واستمر أحمد رأفت في المبادرة ولم يتخل عن قناعته بنجاحها وبدأ التحرك الجاد من جانب وزارة الداخلية بإمداد عناصر الجماعة وقياداتها بالكتب داخل السجون من أجل تصحيح المفاهيم والأفكار الخاطئة وبدأ شيوخ الجماعة إطلاق مبادرتهم التاريخية‏,‏ وانتقل رأفت معهم إلي مقار السجون المختلفة لعقد اللقاءات بين القيادات والقواعد واستمر قادة الجماعة في عمليات الإقناع بالأفكار الجديدة ونبذ العنف والتصالح مع الدولة وكانت كل هذه اللقاءات مسجلة بالصوت والصورة‏,‏ وتغير نمط الحياة داخل السجون في هذه الفترة وشهدت عملية تطوير كبيرة واستطاع شيوخ الجماعة إقناع قواعدها بالأفكار التي طرأت علي الجماعة لتصحيح مفاهيمها ونجحت المبادرة في نبذ العنف وتغيير المفاهيم‏,‏ وكانت المبادرة نقطة تحول بارزة في مسيرة الجماعة الإسلامية‏..‏ فهي لم تكن مجرد إعلان لطي صفحة الماضي بما فيها من أحزان وآلام وإنما كانت إيذانا ببدء مرحلة جديدة تكون النظرة فيها أكثر شمولا والفهم أكثر عمقا والرؤية أعظم توازنا وموضوعية واتساعا‏.‏
وعلي الرغم من محاولات التشكيك التي طالت المبادرة في ذلك الوقت باستفادة عناصر الجماعة الإسلامية منها بالخروج من السجون والعودة إلي حمل السلاح مرة أخري وعدم تراجع الجماعة عن أفكارها القديمة إلا أن الأيام أثبتت العكس في استجابة الجماعة لنبذ العنف والتصالح مع الدولة وتنفيذ وعودها بطي صفحة العنف والإرهاب وتم التأكيد علي ذلك من خلال متابعة عناصر الجماعة داخل السجون للتأكد من صدق هذه المراجعات وصدق توبتهم واقتناع عناصر الجماعة بالأفكار والمفاهيم الصحيحة لقياداتها‏,‏ وقد سطرت الجماعة تجربتها من خلال مجموعة من الكتب بحيث تكون وسيلة لتعريف الناس بأفكار الجماعة وآرائها وتمثلت في كتب أربعة تتحدث عن المبادرة كيف ولماذا؟ وتصحيح المفاهيم الخاطئة في الحسبة والجهاد وتضع النقاط علي الحروف في بعض قضايا الفكر والإيمان‏,‏ ثم تلتها ثلاثة أخري هي نهر الذكريات‏,‏ وتفجيرات الرياض‏,‏ واستراتيجية القاعدة‏.‏
وبدأ الإفراج عن قيادات الجماعة وعناصرها وكانت مفاجأة للجميع نجاح المبادرة ومنذ ذلك الحين لم تنقطع العلاقة بين أحمد رأفت وقيادات وشيوخ الجماعة وأطلق عليه الدكتور ناجح إبراهيم لقب مهندس المبادرة التي أصبحت تجربة فريدة ونموذجا يحتذي به في كل الدول حتي إن الدول العربية طلبت من السيد حبيب العادلي وزير الداخلية أن تحصل علي هذه الكتب الصادرة عن الجماعة الإسلامية لتنفيذ التجربة بها هكذا نجحت المبادرة ونجح معها اللواء أحمد رأفت الذي ظل يمارس مهام عمله مديرا لإدارة النشاط المتطرف وتم رفع هذا المسمي إلي إدارة عامة واستمر فيها إلي أن عين نائبا لرئيس جهاز مباحث أمن الدولة في يوليو من عام‏2008‏ وظل الرجل يحمل علي عاتقه مهام الإشراف علي إدارة النشاط المتطرف بتكليف من وزير الداخلية وظل يؤدي واجبه علي أكمل وجه حتي وافته المنية داخل مكتبه لتسبب وفاته صدمة لكل من يعرفه ويعلم تاريخه المشرف في خدمة الوطن ويثبت أحمد رأفت أن هناك رجالا في المؤسسة الأمنية قدموا الكثير والكثير لهذا الوطن ولا يعرفهم أحد ولولا نجاح المنظومة لما نجح هذا الرجل‏,‏ فالعمل داخل المؤسسات يحسب للجميع ولكل من يشارك فيه‏,‏ فكانت المنظومة الأمنية وراء هذا النجاح الذي تحقق والخروج بها إلي بر الأمان والسلامة‏.‏
وأكدت الجماعة الإسلامية نفسها أنها تعلم أن رأفت كان يعمل ضمن منظومة متكاملة ووفقا لسياسة راسخة لها مخططوها ورعاتها ومشاركون في تنفيذها‏,‏ سياسة ترسخت علي كل المستويات وحرص وزير الداخلية شخصيا ومساعدوه علي تنفيذ تلك السياسة وأن الجماعة أطلقت المبادرة عن قناعة شرعية ثابتة لا تتزحزح لأنها الأقرب إلي الحق وأن الصدام لم يكن صوابا وأن ما قررته كان قرارا استراتيجيا نتج عن دراسة شرعية متأنية وبأدلة لا تلتبس علي كل ذي عقل سديد‏,‏ وأن إطلاق المبادرة والتزام أبناء الجماعة بها هو دوران مع شرع الله وليس دورانا مع الدنيا الزائلة أو أشخاص بعينهم‏,‏ فإذا ماتوا أو انتقلوا من أماكنهم تغيرت القناعات أو تبدلت‏,‏ فهذا لا يكون أبدا لأنه يجافي الشرع والمنطق‏.‏

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.