رئيس الوزراء يتابع خطط وإجراءات التوسع فى مشروعات تحلية مياه البحر وتوطين الصناعة الخاصة بها    قاض أمريكي يحكم بعدم جواز ترحيل الناشط الفلسطيني محمود خليل    إسرائيل: على المجتمع الدولي الرد بحزم على عدم امتثال إيران واتخاذ تدابير لمنعها من تطوير أسلحة نووية    الترجي يصل إلى أمريكا استعدادًا لكأس العالم للأندية    كلمة واحدة ورقم جديد.. الكشف عن قميص أرنولد مع ريال مدريد    مفاجأة.. شكوك تحيط بمستقبل دوران مع النصر    تعليم الأقصر تكثف استعداداتها لامتحانات الثانوية العامة: انضباط وتأمين مشدد داخل اللجان    تصادم دموي بوسط الغردقة.. إصابة 5 أشخاص بينهم طفل في حالة حرجة    النيابة تصرف عريس الشرقية المصاب بمتلازمة داون والاستعلام عن المأذون في واقعة زواجه من قاصر    تامر حسنى وديانا حداد نجوم أحدث الديوهات الغنائية    اليوم.. عرض بير السقايا وأسطورة الغريب بثقافة قنا ضمن مسرح إقليم جنوب الصعيد    وزير الثقافة يفتتح المعرض الاستعادي للفنان الراحل أشرف الحادي "الفنان النبيل".. صور    سوريا: مقتل شاب واعتقال 7 آخرين في توغل إسرائيلي بريف دمشق    «ماضيين إيصالات أمانة».. المجلس القومي للطفولة والأمومة يُعلق على واقعة زفاف الشرقية    تداول 4 آلاف طن بضائع و228 شاحنة بموانئ البحر الأحمر اليوم    "الزراعة" تنفذ سلسلة من الأنشطة الإرشادية والتواصل الحقلي لدعم المزارعين بالمحافظات    موعد مباراة الأهلى ضد إنتر ميامى في افتتاح كأس العالم للأندية    الزمالك يكشف تفاصيل تكاليف سفر أحمد حمدى لألمانيا    محافظ دمياط يستقبل وزير الشباب والرياضة بديوان عام المحافظة    صحيفة أمريكية: شعبية ميسي لم تنقذ مباراة الأهلي و«ميامي» جماهيرياً    سعر اليورو اليوم الخميس 12 يونيو 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    وزارة المالية: تخصيص أرض بالبحر الأحمر للوزارة لا يعنى بيعها بل تطويرها وجزء منها ضمانة لإصدار الصكوك.. الأرض ستظل تحت ملكية الدولة.. نستهدف تحسين الأوضاع وخلق حيز مالى لزيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية    منطقة سوهاج تعلن عن أوائل الشهادة الابتدائية للعام الدراسى 2024/2025    إصابة 10 أشخاص في انقلاب ميكروباص ب المنيا    «الداخلية» تضبط قضايا اتجار غير مشروع بالدولار بحصيلة 11 مليون جنيه خلال 24 ساعة    20 مليون جنيه مخدرات وسقوط 5 خارجين عن القانون.. مقتل عناصر عصابة مسلحة في مداهمة أمنية بأسوان    بدء تسليم المرحلة الثامنة التكميلية بأراضي بيت الوطن بالعبور الجديدة.. 22 يونيو    تجارة أسيوط تكرم عمالها تقديرًا لعطائهم وجهودهم المخلصة    خلال لقائه مع مبعوثة الاتحاد الأوروبى.. وزير الخارجية يؤكد على ضرورة الحفاظ على استقرار الممرات الملاحية الدولية    انقطاع كامل خدمات الإنترنت والاتصالات الثابتة في قطاع غزة    متحدث الوزراء: نتبع أعلى المعايير العالمية فى إدارة المتحف المصرى الكبير    عبد الرحيم كمال رئيسًا للجنة تحكيم مسابقة ممدوح الليثي ب «الإسكندرية السينمائي»    «الداخلية»: تحرير 132 مخالفة لمحال غير ملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    منظمة الصحة العالمية: رصد متحور كورونا جديد بصورة متقطعة في ألمانيا    صينية تحاول اقتحام منزل جونجكوك بعد ساعات على تسريحه من الخدمة العسكرية    برئاسة السيسي وولي العهد.. تعرف على أهداف مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي    وزير الخارجية والهجرة يلتقي الرئيس التنفيذى لشركة سكاتك النرويجية    خطة ال1000 يوم.. الصحة تُطلق مبادرة التنمية السكانية تحت شعار بداية جديدة    بعد واقعة عريس متلازمة داون.. طبيب نفسي يوضح الحالات التي يُمنع فيها الزواج    الغفوة الصباحية بين الراحة الوهمية وتشويش دورة النوم.. ماذا يقول العلم؟    أقرب رفيق.. برقية تهنئة من زعيم كوريا الشمالية لبوتين بمناسبة يوم روسيا    كل ما تريد معرفته عن نظام المنافسة فى كأس العالم للأندية 2025    أمين الفتوى يوجه رسالة لمن يفوته صلاة الفجر    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 12 يونيو 2025    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    الكنيست الإسرائيلي يصوت على حل نفسه.. ونتنياهو يضغط على الحريديم    أنغام تدعو بالشفاء لنجل تامر حسني: «ربنا يطمن قلبك وقلب أمه»    الآن حان دوركم لتدافعوا عن أمريكا حتى أقاصي الأرض، ترامب يقرع طبول الحرب بفيديو للجيش الأمريكي    منطقة المنوفية الأزهرية تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية للعام الدراسي 2024/2025    نقيب المحامين يدعو مجلس النقابة العامة و النقباء الفرعيين لاجتماع السبت    محافظ الدقهلية في زيارة ليليلة مفاجئة لمدينة جمصة    صور| أسماء أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية في قنا    انهيار جزئى لسور عقار قديم غير مأهول بالسكان فى المنيا دون خسائر    «الري»: الإجراءات الأحادية لإقامة السدود تُهدد الاستقرار    "هيكون نار".. تركي آل الشيخ يشوق متابعيه لفيلم الفيل الأزرق 3    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوهام الريادة
نشر في نهضة مصر يوم 17 - 04 - 2008

اعترف ان هاتين الواقعتين قد قفزتا الي ذهني عندما وجدتني ابحث عن اجابة لسؤال يتعلق ب "الريادة المصرية" التي مل الكثيرون من الحديث عنها وبرغم ذلك يبدو انها اصبحت اليوم اشبه بالعنقاء التي لا وجود لها.
اود ان اتوقف لحظات امام اكلاشيه "الريادة المصرية" الذي روج له المروجون سنين عددا حتي فقد هذا الاكلاشيه المسكين معناه واصبح يثير من الشفقة اكثر مما يثير من اعجاب!! لكنني وقبل ان اخوض في هذه الصفحة الصعبة من تاريخ ثقافتنا ودور مصر الثقافي عربيا واقليميا، اشير الي انني لست من عشاق "جلد الذات" كما قد يسارع البعض باتهامي ظلما وعدوانا ولست متآمرا علي بلد كحال المتأمركين الذين باعوا كل شيء قربانا لصداقة وعمالة مع امريكا والغرب.. ولكنني محب لمصر، عاشق لترابها ونيلها وريفها.. وكل ما هنالك ان فقدان مصر لدورها الريادي ثقافيا او ما اتصوره كذلك هو امر لم يعد بوسع صدري الضعيف احتماله.. وها انا ابوح به علني اجد بين محبي الثقافة والغيورين علي مصر "اسما ومعني" من يبادلني الرأي "اتفاقا او اختلافا".
واليكم ما يلي: روت لي السيدة ليلي شهيد سفيرة فلسطين في باريس انها عندما ربط كيوبيد بخيوطه الحديدية قلبها بقلب زوجها الناقد المغربي الكبير محمد برادة كان ذلك في مصر منذ سنوات خلت وداخل اسوار جامعة القاهرة وذكرت انه لصعوبة التحدث بينهما بسبب لهجتها المشرقية ولهجة زوجها المغربية.. كانت اللهجة المصرية هي الملاذ الذي لجأ اليه باعتبار انها اللهجة التي يعرفها "القاصي والداني" في وطننا العربي الكبير.
واذكر انني كنت في زيارة عمل في تونس.. وبعد كلام وسلام مع سائق التاكسي طلب مني طلبا "رأيته غريبا في حينه" وهو ان احمل له سلاما خاصا الي الفنان اسماعيل ياسين، الذي تبين لي ان الرجل لم يكن يعرف انه مات "وشبع موت" وحسبه انه يستمتع بأدائه السينمائي الرائع وقفشاته العفوية التي يحبها الكبار قبل الصغار.
اعترف ان هاتين الواقعتين قد قفزتا الي ذهني عندما وجدتني ابحث عن اجابة لسؤال يتعلق ب "الريادة المصرية" التي مل الكثيرون من الحديث عنها وبرغم ذلك يبدو انها اصبحت اليوم اشبه بالعنقاء التي لا وجود لها.
والريادة التي اعنيها هنا هي "الريادة الثقافية" التي حملتها اللهجة المصرية والسينما المصرية الي كل شبر في ارجاء الوطن العربي الكبير.. والتي باتت اثرا بعد عين "او هكذا يبدو لي" فمصر كانت في السابق قبلة الطلاب "الثقافية" التي يأتون اليها من كل فج عميق يخالطون اهلها، ويعشقون اجواءها ويتنسمون هواءها ويتكلمون لهجتها حتي يكاد يصعب تمييزهم عن اخوانهم المصريين.
ولقد اعترف الاديب المغربي "الذي يعيش في باريس" الطاهر بن جلون بهذه الحقيقة عندما قال لي ذات مرة في مكتبه الواقع في شارع "سانجر مان" القريب من جامعة السوربون ان في حياة الادباء العرب محطة اساسية هي محطة مصر والارتحال اليها امر لا مناص منه فإما ان نذهب الي هناك لنخالط اهلها، ونعيش ذات الاجواء التي يعيشها ادباؤها واما ان نرحل اليها عبر الورق والكتابات.
واضاف "بن جلون" شارحا رسما كاريكاتوريا نشرته احدي الصحف مفاده ان الاديبين الكبيرين نجيب محفوظ ويوسف ادريس كانا يركبان سيارة تجري بسرعة علي الطريق، ثم فجأة نادي نجيب محفوظ علي السائق "بعد ان رمق الطاهر بن جلون واقفا علي قاعة الطريق" وقال:
توقف من فضلك ليركب معانا هذا الرجل.. لانه من اولاد حارتنا!
والشيء ذاته اكده لي الروائي اللبناني امين معلوف الذي التقيته عندما فاز بجائزة الجونكور الفرنسية عن روايته "صخرة طانيوس" وهو ما دفعني اليوم الي التساؤل في براءة شديدة: اين الريادة المصرية يا قوم؟ في السابق كانت مصر محطة اساسية في حياة الاديب وطالب الثقافة العربية، فلماذا تغير الحال؟
قديما كان طلاب المعرفة العرب يعرفون جيدا طه حسين "عميد الادب العربي" وعباس العقاد "عملاق الفكر العربي" وتوفيق الحكيم "عميد المسرح العربي" وبقية الرعيل الذي قاد حركة التنوير في مصر والوطن العربي.
لكن اليوم تبدل الحال واصبح عسيرا ان نجد بين الشباب العربي من يعرف هؤلاء او من يحفظ اشعار حافظ ابراهيم او احمد شوقي.. والسبب ان هؤلاء المحدثين من الشباب العربي طووا صفحة مصر في حياتهم الثقافية والفكرية منذ اللحظة التي ولوا فيها وجوههم شطر اوروبا وامريكا.. واصبح الطالب منهم يعرف "فولتير" ويجهل في الوقت نفسه "المنفلوطي"، ويقرأ للامريكي "توماس فريدمان" ولا يكترث بما يكتبه "محمد حسنين هيكل" في مصر.
يبدو لي "يا قوم" ان مصر قد تنازلت عن موقع الريادة الثقافية.. والدليل علي ذلك ان المغرب تفوقت بمهرجانها السينمائي الذي لم يزد عمره علي خمس سنوات علي مهرجان القاهرة السينمائي الذي يقترب عمره من الاربعين عاما.. اما "دبي" فلقد تربعت بمهرجانها الثاني علي المهرجانين معا.. وهكذا يتبين ان مصر لم تعد تستحق اللقب الذي كان لها طوال السنوات الماضية وهو "هوليوود العرب" ولا شك ان الدراما السورية التي جذبت المشاهدين العرب من المشرق والمغرب والشرق الاوسط هي البرهان الساطع علي ذلك.
واذا تذكرنا التقلص الغريب الذي يشهده معرض القاهرة للكتاب عاما بعد عام سواء في ندواته او لقاءاته او معروضاته لتبين ربما بما لا يدع مجالا للشك ان مصر قد خلعت تاج الريادة عن طيب خاطر او لعلها خلعته عنوة، لان الزمن اصبح غير الزمن والطموحات التي كانت سامقة ذات يوم اصبحت دانية في متناول الايدي!
برغم ذلك فإن اعجب ما اعجب له هو ان يتحدث نفر عن غزو ثقافي مارسته مصر يوما علي شقيقاتها العربيات سواء باللهجة المصرية المحببة الي نفوس الجميع او بأغنياتها وافلامها التي ملأت الساحات الثقافية وممثليها "وممثلاتها" الذين كانت تتآلف القلوب، كل القلوب حولهم.
ماذا جري لمصر الثقافية؟
سؤال برئ اطرحه بمرارة "الابن المحب لبلده" بعد ان حدثني مستشرق فرنسي شاب يقول ان الادب المغاربي المكتوب بالفرنسية اضحي هو البوابة الحقيقية التي تؤدي باتجاه الادب العربي.. وطه حسين الذي كانت بعض كتبه تدرس في معهد اللغات والحضارات الشرقية بباريس استعاض عنه الفرنسيون بدراسة المغربي محمد عزيز الحبابي ومحمد عابد الجابري.. اما الشعراء العرب الذين يعرفهم الفرنسيون فيأتي علي رأسهم الشاعر السوري ادونيس وغياب احمد عبدالمعطي حجازي "زميله في مشوار الغربة الباريسي" عن الساحة الشعرية والادبية كما يعرفها طلاب جامعة السوربون، وعندما يوضع تصنيف عالمي لاهم وأجود 500 جامعة في العالم تغيب تماما جامعة القاهرة وباقي جامعات مصر!
اني ابحث يا قوم عن الريادة الثقافية المصرية فمن يدلني علي الطريق.. وهل يتعين ان احمل مصباح ديوجين في جولاتي اليائسة.
اين مصر الثقافية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس؟
ولا اريد كلاما انشائيا لمن يريد ان يجيبني، وانما اريد وقائع وتواريخ.. نعم مصر كانت رائدة في السابق اما اليوم فلا ريادة ولا يحزنون.
المؤلم ان دولا عربية كثيرة اصبحت يافعة ومنتجة بغزارة وتقدمت اشواطا في طريق الابداع بينما توقفت الحركة في مصرنا او لعلها تباطأت ونسينا القول المأثور من لا يتقدم يتراجع الي الوراء!
لست في حاجة اخيرا الي ان يزايد احد علي مصريتي وحبي لبلدي ولكن لا يصح الا الصحيح والنظرة الموضوعية التي تنطلق من الوقائع وتستند الي الادلة والبراهين تؤكد ان الريادة الثقافية المصرية انتهي زمانها وافل نجمها او كاد وبدلا من ان يستشيط البعض غضبا مما اذكر لنشغل جميعا انفسنا بالبحث عن الاسباب، ولا يجوز ان نستسلم لهذا المخدر النرجسي الذي يرانا: افضل الناس واسبق الناس! كانت جامعة القاهرة هي الجامعة الاولي في الوطن العربي، ولم تعد كذلك اليوم وكانت الاذاعة المصرية هي الوحيدة التي يسمعها العرب من الخليج الهادر الي المحيط الهادي واليوم اشتعلت سماوات العرب "بالميديا" من كل لون وصنف وانتشرت الجامعات كالفطريات في ارض العرب، وانفتحت الحدود باتجاه المتوسط وكثرت مواسم الهجرة الي الشمال وكان طبيعيا ان يذبل بستان الريادة.
فهل معي الحق ام جانبني الصواب؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.